خاص ـ سسريانديز
في خطوة وصفت بأنها "جذرية"، أعلنت الحكومة السورية عن تعديل شامل لتعرفة الكهرباء يبدأ تطبيقه في الأول من تشرين الثاني 2025، ضمن خطة وطنية لإصلاح قطاع الطاقة المتدهور، القرار الذي جاء بعد أقل من عام على تعديل سابق في آذار 2024، أثار موجة من الجدل بين المواطنين الذين وجدوا أنفسهم أمام قفزة غير مسبوقة في تكلفة الخدمة، وسط ظروف اقتصادية خانقة
تعرفة جديدة... وأعباء متزايدة
في التعرفة السابقة، كانت الشريحة الأولى من الاستهلاك المنزلي تُحتسب بسعر 10 ليرات سورية للكيلوواط الساعي، أما اليوم فقد ارتفعت إلى 600 ليرة بينما تجاوزت الشرائح الأعلى حاجز 1400 ليرة لتصل إلى 1800 ليرة في بعض الاستخدامات الصناعية هذه الزيادة الحادة وضعت الأسر السورية أمام واقع جديد من التكاليف المتصاعدة، لا سيما في ظل دخل محدود وتضخم متسارع.
التعرفة الجديدة التي أقرتها الحكومة اليوم جاءت مقسمة إلى أربع شرائح رئيسية، تهدف إلى مراعاة مستويات الاستهلاك والفئات الاجتماعية، لكنها تمثل ارتفاعا كبيرا مقارنة بالتعرفة السابقة، ووفقا للقرار الجديد أصبحت الأسعار على النحو التالي:
الشريحة الأولى: مخصصة لأصحاب الدخل المحدود وتشمل استهلاكا حتى 300 كيلوواط ساعي خلال دورة شهرين بسعر 600 ليرة سورية للكيلوواط، وهي تعرفة مدعومة بنسبة 60% من سعر التكلفة.
الشريحة الثانية: تشمل أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع والمشروعات الصغيرة، ويحتسب فيها الكيلوواط الساعي بسعر 1400 ليرة سورية عند تجاوز الاستهلاك 300 كيلوواط خلال دورة شهرين.
الشريحة الثالثة: مخصصة للمؤسسات المعفاة من التقنين مثل الجهات الحكومية والمصانع التي تحتاج كهرباء على مدار الساعة ويباع فيها الكيلوواط بسعر 1700 ليرة سورية.
الشريحة الرابعة: تشمل المعامل والصناعات الثقيلة ذات الاستهلاك العالي مثل معامل الصهر، ويحتسب فيها الكيلوواط بسعر 1800 ليرة سورية.
ورغم أن هذا التصنيف يهدف إلى تحقيق العدالة في التوزيع وتحسين الإيرادات إلا أن انعكاساته على الأسر السورية تبدو ثقيلة، خاصة أن معظمها يستهلك أكثر من الحد الأدنى المدعوم ما يجعل الفاتورة الشهرية عبئا إضافيا، يقول أبو سامر موظف حكومي من دمشق: "كنا بالكاد نغطي فواتيرنا القديمة، فكيف لنا أن نواجه هذه الزيادة؟ الكهرباء لم تعد خدمة، بل عبئًا شهريا جديدا" بينما ترى أم نادر، ربة منزل، أن "الطبخ والغسيل والتدفئة سيصبح له حسابات دقيقة، نراقب فيها كل ساعة تشغيل كي لا نتجاوز الحد المدعوم".
مبررات رسمية وتحديات تشغيلية
وزارة الطاقة السورية بررت القرار بأنه ضرورة لإصلاح قطاع الكهرباء الذي يعاني من خسائر سنوية تقدر بنحو مليار دولار، الوزير محمد البشير أكد في منشور عبر منصة "أكس" أن تعديل التعرفة يشكّل مدخلًا لتحسين كفاءة المنظومة وزيادة القدرة الإنتاجية وتركيب العدادات الذكية وتطوير شبكات النقل والتوزيع.
وكانت الوزارة كشفت عن وجود ثلاث محطات توليد مدمرة بالكامل وتسع محطات تعمل جزئيا وتخضع للصيانة، إضافة إلى تهالك واسع في شبكات الكهرباء، خاصة في الريف وبعض المدن، كما بدأت الحكومة بصيانة خطوط نقل الغاز وتم وصل خط الغاز بين سوريا وتركيا ما أتاح استجرار الغاز الطبيعي من أذربيجان ضمن منحة قطرية بكمية 3.4 ملايين متر مكعب دخلت لمحطات التوليد.
انعكاسات على السوق والمواطن
الخبير الاقتصادي الدكتور حسام العلي يرى أن "رفع أسعار الكهرباء بهذا الشكل سيؤدي إلى موجة تضخم جديدة، لأن الكهرباء تدخل في كل مراحل الإنتاج والتوزيع من الزراعة إلى الصناعة إلى الخدمات"، ويضيف: "حتى لو تحسنت ساعات التشغيل فإن الأثر المباشر سيكون على أسعار السلع ما يضعف القدرة الشرائية للمواطن أكثر".
وتشير المعطيات إلى أن الزيادة لن تقتصر على الفواتير المنزلية بل ستنعكس على أسعار المواد الاستهلاكية خاصة تلك التي تعتمد على الكهرباء في الإنتاج والتخزين، كما ستواجه المصانع والمنشآت التجارية تكاليف تشغيل أعلى ما سينعكس على أسعار السلع في الأسواق ويزيد من الضغوط المعيشية على المواطن.
في المقابل تؤكد الوزارة أن الإيرادات الجديدة ستستخدم لتحسين التغذية الكهربائية وتقليل ساعات التقنين وتشغيل الكهرباء لمدة 8 ساعات يوميا على الأقل وهو ما يتطلب تمويلا كبيرا لتأمين الوقود والصيانة.
بين الطموح والواقع
بين وعود الإصلاح واستعادة الاستقرار الكهربائي وبين واقع اقتصادي يرزح تحت وطأة التضخم وتراجع الدخل يقف المواطن السوري أمام تحد جديد فرفع أسعار الكهرباء بهذا الشكل الحاد وإن كان يهدف إلى إنقاذ قطاع منهك إلا أنه يحمل في طياته تأثيرا مباشرا على مجمل الحياة المعيشية من فاتورة الإنارة إلى تكلفة رغيف الخبز، ويبقى السؤال الأهم: هل تنجح الحكومة في تحويل هذه الخطوة إلى إنجاز تنموي أم أنها ستضاف إلى سلسلة الأعباء التي أثقلت كاهل المواطن السوري؟