سيريانديز-خاص
لم يعد تأمين لقمة العيش مجرد تحدٍ يومي، بل معركة وجودية يخوضها السوريون في ظل موجة جفاف غير مسبوقة وانهيار شبه كامل للقطاع الزراعي.
في تقرير صادم صدر قبل أسبوعين، حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من أنه مع استمرار تراجع الموارد المائية وندرة الأمطار، تواجه سوريا، التي يعاني نصف سكانها بالفعل من انعدام الأمن الغذائي، اختبارًا صعبًا يهدد مستقبلها الغذائي بأكمله مشيرة إلى أن تداعيات موجة الجفاف التاريخية التي تضرب سوريا، والتي تفاقمت بعد 14 عامًا من الحرب تهدد بدفع الملايين نحو المجاعة وانهيار سبل العيش بشكل لا يمكن إصلاحه.
ورغم خطورة هذه الأرقام، تجاهلت الوزارات المعنية هذا التقرير، وسارت وسائل الإعلام الرسمية على نفس النهج، وكأن الأزمة لا تستحق الوقوف عندها، وفي هذا السياق تساءل الخبير الاقتصادي محمود الورعا في حديث شبكة سيريانديز أين وزارات الزراعة والطاقة والشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها من هذه التحذيرات ولماذا يمر هذا التقرير مرور الكرام، وأين هي خطط هذه الوزارات لتجاوز هذا الواقع المزري لقطاع الزراعة العمود الفقري للاقتصاد والدخل الوطني السوري.
تقرير منظمة الفاو تحدث عن تراجع إنتاج القمح في سوريا لموسم 2024-2025 إلى مستويات قياسية تتراوح بين 900 ألف و1.1 مليون طن فقط محذرا من أن هذا الرقم لا يمثل مجرد انخفاض في المحصول، بل تهديدًا مباشرًا لأكثر من 14 مليون شخص قد يجدون أنفسهم في مواجهة انعدام غذائي حاد.
ولا يختلف الخبراء والمتخصصون بشأن أسباب الانهيار الزراعي والتي تعود بشكل أساسي إلى الجفاف والتغير المناخي الذي ضرب البلاد بقسوة هذا العام والدمار الواسع في شبكات الري نتيجة الحرب والإهمال، إلا أنه من غير المقبول إطلاقا جعل ذلك شماعة لتبرير تراجع الزراعة حيث يرى الاقتصادي الورعا أن الجهات المعنية تتحمل مسؤولية كبرى في النقص الحاد في المدخلات الزراعية مثل البذور والأسمدة أضافة إلى ارتفاع أسعار حوامل الطاقة الأمر الذي يحتم على الحكومة كاملة تحمل مسؤولياتها وبالسرعة القصوى لانتشال القطاع الزراعي ووضعه على الطريق الصحيح.
وتؤكد تقارير أممية ودولية أن غياب المساعدات العاجلة قبل الموسم الزراعي المقبل سيعرّض ملايين الأسر لخطر فقدان سبل عيشها بشكل لا رجعة فيه وأن الأزمة الحالية ليست مجرد أزمة غذاء، بل أزمة حياة كاملة تنهار تحت وطأة الجفاف والإهمال وفي هذا الإطار دعت الفاو في تقريرها المجتمع الدولي إلى توفير 286.7 مليون دولار ضمن خطة الطوارئ والتعافي للفترة 2025-2027، بهدف تقديم مساعدات عاجلة وإنقاذية، إلى جانب الاستثمار في بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل..
الخبير محمود الورعا أكد أن تحويل حياة المزارعين من الاعتماد على المساعدات إلى منتجين قادرين على الصمود هو المفتاح الحقيقي لتحسين الإنتاج الغذائي. وهذا يتطلب دمجًا ذكيًا بين الإغاثة الفورية واستراتيجيات التعافي المستدام، محذرا من أن تجاهل هذه الأزمة لا يعني فقط ترك ملايين السوريين يواجهون الجوع، بل يعني أيضًا خسارة فرصة تاريخية لإعادة بناء قطاع حيوي يمكن أن يكون ركيزة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
ويجمع الخبراء على أن توقيع الحكومة عقودًا لاستيراد القمح في محاولة لسد النقص ودعم الأمن الغذائي خطوة جيدة حيث تصل تباعا إلى الموانئ السورية آلاف الأطنان من القمح وفي هذا السياق وصلت الأسبوع الماضي باخرتين محملتين ب31 ألف طن من الأطنان إلى مرفأ طرطوس، مؤكدين في الوقت ذاته أن هذه الخطوة تبقى مؤقتة ولا تعالج جذور الأزمة.
وفي المحصلة إن إنقاذ الزراعة السورية ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. فبدونها، لا أمن غذائي، ولا استقرار اجتماعي، ولا مستقبل والكرة الآن في ملعب الحكومة السورية والمنظمات الأممية الداعمة ويبقى السؤال الأساسي متى يتم التحرك، فالسوريون الذين أظهروا مرونة مذهلة بحاجة إلى تضامن وعمل حقيقي، وليس مجرد تعاطف عابر.