كتبت رشاد أنور كامل
أحد اهم المعضلات التي ستواجه اعادة اعمار سورية هي انها عملية غير محابية للطبقة الوسطى السورية و بالتأكيد ليست محابية للفقراء، لكن الفقراء سيستفيدون من فرص عمل اكبر في مجالات قطاع البناء والخدمات والخدمة بمقابل تصحر الفرص لاولاد القطاع العام من موظفين تقليديين واولاد الطبقة الوسطى.
ماهي ادوات اصلاح الاقتصاد اساسا؟ فمع انعدام افق الموارد المحلية السورية من نفط وغاز ومعادن والتي استهلكناها بالكامل بالانفاق على اخطاء القطاع العام خلال الستين سنة الماضية، وعلى حرب طحنت مدخرات الدولة واوقعتها في ديون تحتاج ثلاثين سنة لايفائها على الاقل، تنحصر عمليات الاصلاح الاقتصادي بتحسين ظروف الاستثمار في سورية، وهذا يعني واحد من امرين، اما ان تفتح سورية ابوابها للشراكة مع مستثمرين سوريين وعرب واجانب بمبدأ الشراكة نص نص ، اي ان الدولة السورية في هذه الحالة تستثمر اخر مواردها وهي ملكية الدولة للموافقات والقرارات والتسهيلات وذلك مقابل حصة من الارباح، وهذا جيد من حيث المبدأ ، وهو الحل الوحيد اساساً، ولكن ما يتم تأخيره هو عدم قدرة الدولة على مصارحة مواطنيها ان قدرتها على فرض كثير من الشروط على المستثمرين ليفيدوا السوريين ممن تعلقوا باعتاب القطاع تاريخيا والى اليوم يحلمون بحصتهم من بيعه او بيع مستقبله، بعد حرب ١٢ سنة وحصار قد يطول وبلد يئن اقتصادياُ، لذلك من المنطقي ان تكون فرصة التفاوض بين الدولة مع المستثمر هي كما يقولون بالسوق تميل لكفة المستثمر الان فهو بالموقع الاقوى.
لنكن واقعيين سورية ليست بلد مغر للاستثمار الاجنبي كما يتصور اولاد القطاع العام، والمستثمر السوري وبعدما قذفته الحرب الى تجريب الاستثمار في بلدان اخرى ذاق طعم التوسع في بلدان ذات مقبولية عالمية مصرفية لا تستطيع سورية مجاراتها على الاقل خلال العشرين سنة القادمة، والمستثمر العربي عنده خيارات لا تحصى من الاستثمارات في بلدان دخلها عالي وظروفها ممتازة عربية وشرقية و افريقية وحتى في امريكا نفسها.
هذا لم نأخذ بحديثنا ان هناك من يتربص بساعة الصفر لفتح الاقتصاد السوري من امراء حرب ليحولوا اعمالهم الى استثمارات .. شرعية، وهذا هو الشكل الطبيعي لمسار دول وجدت نفسها في اقتصاد حرب مزمن وامراء حرب سينافسون الاستثمارات القادمة من الخارج، والمشكلة ان لديهم الادوات الكافية لترهيب من تسول له نفسه من المستثمرين السوريين وغير السوريين من الاقتراب على حصصهم، مما يجعل الدولة السورية في حالة اضافية من الضعف في التفاوض على انصاف مؤيديها من الطبقة الوسطى، وتكتفي بالتعهد بالحماية من تجاوزات امراء الحرب، واظن هذه ستكون من اصعب الامور القادمة، هناك دول خرجت من نفس المسار من ثلاثين سنة واكثر ولم تستطع بعد ان تتخلص من اثارهم وتأثيرهم..
لنفترض اننا سوريا غير، وبعصا سحرية، ازلنا العوائق امام الاستثمار الاجنبي ضمنا السوري المغترب، وسنشاركه الرزق، سنشاركه وفق متطلبات الاستثمار الرابح واهمها كوادر مؤهلة خبيرة و عمالة محلية رخيصة، واذا كان المستثمر جاهز بكوادره، لانه بالتأكيد لم يصل الى هنا بدون كوادر ادارية خبيرة وقديمة معه، والمستثمر سيحسب حسابه على توفر كم كبير من العمالة الرخيصة محلياً.. وهنا مكسبه ومكسب الدولة الحقيقي..
فاذا كانت هذه الشراكة هي شراكة بالتراخيص والتسهيلات، وتوفير العمالة الرخيصة من طرف الدولة و كاش وخبرة واسواق من طرف الشريك المستثمر، فهنا لابد ان نذكر ان الاسواق هي اسواق خارجية اي انه من المنطقي ان الاستثمارات وخاصة الانتاجية منها سيستهدف بيعها لخارج سورية ، وحتى اعادة اعمار بعض المدن سيستهدف المغتربين السوريين من هم قادرين على دفع اثمان تلك العقارات، عكس سوريي الداخل، ومعادلة بيع العقارات والمشاريع السكنية الجديدة للخارج والاعتماد على التصدير سيكون السمة السائدة لاقتصاد سورية القادم وعلى الاقل لعشر سنوات الى ان تستقر طبقة داخل سورية كافية قادرة على الشراء والانفاق، عندها تبدأ عجلة الاقتصاد الداخلية بالدوران..
مع الاسف هذا النموذج الاقتصادي ليس فريد او مجحف هو ببساطة نموذج اقتصادي يناسب خروجنا من الازمة، هناك جيل سوري سيمر الرخاء من امامه دون ان يطاله، الا يحدث هذا الان بعينات مصغرة؟
حضروا على الاقل اولادكم بعلوم ومهن وذهنية انتاج تجعلهم من الجيل الذي سيستفيد من الاستثمار في سورية، والا وقعوا في فخ العمالة الرخيصة..
اخيراً
و نعم سنشهد بعد اول سنوات عودة الاستثمار عودة اولادنا السوريين من اخذوا خبرات الجامعات العالمية والشركات العالمية التي عملوا فيها ، ونعم سنشهد تفرقة رواتب ... وهي قائمة الان..بعينات اصغر ... كتجربة... عن المستقبل..
اما الحل الثاني هو اعادة بناء القطاع العام السوري لينهض بمهامه التنموية وينصف مجتنعه وموظفيه بحياة كريمة..
وهذا لا اظنه سيحدث، لا موارد لدى سورية تستطيع حمل مغامرة كهذه.