كتب أيمن قحف
عندما خرجت من تعزية الشاب دريد زاهي حيدر، ترحمت عليه مرتين، الأولى لكونه ابن عائلة حيدر التي أعتز بصداقتهم وحزنت لحزنهم، ومرة لأنه كان السبب في جلسة لأكثر من ساعة مع الأديب العظيم حيدر حيدر .
ربما ليس لائقا أن تتحول جلسة عزاء إلى مايشبه الحوار مع أي شخص ولكن لا يمكن مقاومة إغراء أن تجلس مع حيدر حيدر دون أن تغوص في عوالمه .
كعادتي في كل لقاءاتي واتصالاتي معه أتحدث بشغف عن الزمن الموحش التي سبق ونشرت مقتطفات منها في بداية الأزمة فأدهشت الجميع إذ أن زمنه الموحش الذي أصدره عام 1974، وكأنه يتحدث عن زمننا الحاضر مما أثار دهشة الجميع وصولا إلى حيدر حيدر نفسه !!!! .
سألته بجرأة: إلى أي حد حضر الواقع بمواقفه وشخصياته في الزمن الموحش، فأجاب دون تحفظ : بلا شك لقد أخذت من الواقع بعض التفاصيل والمواقف ، وأخذت من شخصيات أصدقائي المقربين آنذاك بعض صفاتهم لأبني عليها شخصيات الرواية ، بل ويعترف أنه أخذ شيئا من شخصية فايز خضور وشيئا من شخصية هاني الراهب وغيرهم .
أما سؤالي الذي يدور في ذهني منذ ربع قرن وأكثر فكان : من هي منى وهل كانت موجودة بشكل أو بآخر في حياتك الواقعية ؟ ، يجيب : بالتأكيد هناك بعض الصفات والتفاصيل ولأشخاص موجودين ومنى بكل حال تشبه الوطن ، وأساله هل تعرف ماذا حل بها في الواقع فيجيب بنبرة حزن : لا أعرف أبدا !
وأقول لحيدر حيدر : رغم عقليتي العلمية فإنني أردد دائما أن الزمن الموحش هي أفضل ما كتب وما سيكتب !
يضحك ويسرد لي موقفا جرى معه إذ اتصلت به استاذة جامعية عراقية الأصل تقيم في باريس بعد أن قرأت الرواية فانهالت عليه بالشتائم ، فسألها مستغربا : لماذا تهاجمينني بهذه القسوة ؟ فتجيبه : بعد الزمن الموحش ماذا سنقرأ بل ماذا سنكتب فأنت لم تترك لنا شيئا !
يتحدث حيدر عن مصطلح التعبيرية الجديدة الذي استخدمه لأول مرة في الزمن الموحش ليقدم قالبا روائيا متفردا جعل النشء يتعلقون بالرواية التي مازالت تصنف في المرتبة الثالثة من بين أهم مئة رواية عربية عبر التاريخ .
يعتبر حيدر حيدر أن لكل رواية من رواياته جماليتها وخصوصيتها ورغم شهرة وليمة لأعشاب البحر إلا أنه يعتقد أن اهم رواياته لناحية البناء الفني هي مرايا النار .
نعرج في الحديث على الفهد التي أخذت شهرتها من السينما أكثر من الرواية وعلى الوعول التي رافقت بداياته المدهشة وصولا إلى آخر أعماله ( مفقود ) وهي رواية ممنوعة من التداول في سورية .
ويستطرد بسيرة المنع أن الزمن الموحش منعت أكثر من مرة ولكن وزير الإعلام الاسبق احمد اسكندر أحمد أفرج عنها وطالب بتكريمه .
نتحدث عن عوالم الثقافة فيقول أن لكل زمن ولكل نظام سياسي مثقفيه وهو يعذر ( مثقفي الزمن الحالي ) فهم يبحثون أحيانا عن لقمة االعيش ويقارنهم بعمالقة الستينات من سعد الله ونوس إلى حنا مينة إلى أنطون مقدسي إلى نجاح العطار إلى على الجندي وهاني الراهب وزكريا تامر الذي لا يبدو أنه توجد كيمياء تجمع الرجلين وأبلغته أنني ذات جلسة مع زكريا تامر وعندما أثنيت على حيدر وزمنه الموحش لم يبدو مرتاحا من كلامي ، ويرى حيدر أن زكريا يغلب عليه الطابع النرجسي ، وعندما نقلت له الكلام الجميل الذي قاله عنه أدونيس في باريس عندما ذكرته له فقال لي : ادونيس صديق عمري ومن أرقى من عرفت وهو شخصية عالمية بامتياز .
وفيما يتعلق بهذه النقطة العالمية قال حيدر أن المشكلة هي أن أسلوبه الروائي تصعب ترجمته وقد حاولوا ترجمة الوليمة ولكنهم توقفوا عند الفصل الأول !
حاولت أن ألخص على عجل جانبا من الدردشة التي حصلت مع الأديب الكبير الذي افتقد هذا العام لطقوس صيد السمك في جزيرة النمل بسبب الطقس السيء مطلع الصيف .
أودعه أنا وصديقي أحمد حيدر الذي ضحكنا ونحن نبلغه أنني لطالما قضيت العديد من السهرات وأنا أقرأ له مقتطفات من أدب عمه الأديب العظيم حيدر حيدر .