أكثر من 90% إجمالي خسارة سوريا لسائحيها القادمين من الخارج، وتوقف مئات المنشآت السياحية عن العمل من أبرز الأرقام المؤلمة التي تعرض لها هذا القطاع الحيوي بفعل الحرب الدائرة، ولكن وزارة السياحة ترى ضمن قتامة هذه الأرقام شيئاً من التفاؤل مع دخول 344 مشروعاً إلى الخدمة
مودة بحاح
دمشق | «السياحة السورية خسرت الكثير لكنه أمر مرحلي ولا يمس مستقبلها، لأن بلدنا يملك كل المقومات التي تؤهله ليكون في مصاف الدول المتقدمة سياحياً»، هذا ما أكده وزير السياحة بشر يازجي، متفائلاً بما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من انتعاش لهذا القطاع.
ورأى أنّ هذه الفترة هي وقت العمل؛ فعمل الوزارة الأساسي ليس في أوقات الازدهار بل في الأزمات. رغم ما يحمله الوزير الشاب من تفاؤل، لكنه يقدم عدداً كبيراً من الأرقام المؤلمة التي تتحدث عن دمار السياحة، فعدد السياح انخفض بشكل كبير وتراجع من 4.832 ملايين سائح في الثمانية أشهر الأولى من عام 2010 إلى زهاء 400 ألف في الفترة ذاتها من العام الحالي (2014).
هذه الأرقام يمكن أن تكشف حجم الخسارة التي تعرض لها الاقتصاد المحلي. فقبل الأزمة تصدرت السياحة قائمة مجالات النشاط الاقتصادي والموارد الأساسية للدخل القومي والعملات الصعبة، إذ ساهمت في عام 2010 بـ14% من الناتج المحلي الإجمالي، كذلك بلغ الفائض الذي حققته السياحة في ميزان المدفوعات 134.2 مليار ليرة ومساهمتها في الميزان التجاري 34% من صادرات السلع و78% من صادرات الخدمات.
وكان من المتوقع أن ترتفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 400 مليار ليرة عام 2010 إلى 570 مليار ليرة عام 2014، بزيادة 42%.
وبالنسبة إلى إيرادات الفنادق والمطاعم فقد سجّلت 1.760 مليار ليرة سورية عام 2013 بعدما كانت 142 مليار ليرة في عام 2010.
توقف بحدود 544
مشروعاً سياحياً عن التنفيذ
خلال فترة الأزمة
وعن المنشآت التي تضررت، يقول الوزير يازجي: «توقف بحدود 544 مشروعاً سياحياً عن التنفيذ خلال فترة الأزمة، منها 451 مشروعاً في المحافظات التي شهدت ظروفاً أمنية صعبة، و93 مشروعاً في محافظات طرطوس واللاذقية والسويداء».
ويتابع: «بلغ عدد المنشآت المتضررة 320 منشأة سياحية لغاية 1/12/2014 في جميع المحافظات، ما عدا محافظتي الرقة ودير الزور، أي بنسبة تضرر بلغت 12% من إجمالي المنشآت السياحية. وتقدر قيمة الأضرار في هذه المنشآت حوالى 10,7 مليارات ليرة سورية، نسبتها الأعلى كانت في حلب ثم إدلب وريف دمشق ودرعا واللاذقية. أما بالنسبة إلى الأضرار التي لحقت بالمباني والمنشآت السياحية العائدة للوزارة فتقدر بــ7,2 مليارات ل. س.». ويضيف: «بلغ إجمالي المنشآت التي خرجت من الخدمة 587 منشأة سياحية، أي بنسبة 21% من إجمالي المنشآت السياحية، نسبتها الأعلى في ريف دمشق ثم حلب».
وعن خسارة اليد العاملة، أوضح وزير السياحة أن أكثر من 4000 فرصة عمل لتوظيف خريجي المدارس والمعاهد السياحية والفندقية في المنشآت السياحية ضاعت خلال فترة الأزمة، وفي المقابل تقدر أعداد العاطلين من العمل بـ38 ألفاً كانوا يعملون في المطاعم والفنادق، و114 ألفاً كانوا يعملون في القطاعات والأعمال المتعلقة بالسياحية».
آثار الأزمة لن تقتصر على الخسارة الحالية ولا على ما كشف عنه، لأن هذه الضربة القوية حطّمت أرقاماً كثيرة كانت تصبو سوريا إلى تحقيقها، فكانت تخطّط لتأمين 30 ألف فرصة عمل، واستثمارات بقيمة 78,15 مليار ليرة، كما كان من المتوقع أن ترتفع عدد الأسرّة الفندقية من 59 ألف سرير عام 2011 إلى 80 ألف سرير عام 2014، وعدد كراسي الإطعام من 393 ألف كرسي عام 2011 الى 473 ألف كرسي عام 2014.
رغم الأرقام السابقة المؤلمة، في حوزة وزير السياحة أرقام أخرى تحمل الكثير من التفاؤل طرحها في حديثه إلى «الأخبار»، مؤكداً أنها ستكون الأساس لبناء المرحلة القادمة. فالوضع بدأ بالتغيّر منذ عام 2013 بعدما اعتاد السوريون أزمتهم وتعايشوا معها ونشطت السياحة الداخلية، مستشهداً بالازدحام الموجود في المطاعم والفنادق اليوم. ويبيّن أنه خلال الموسم السياحي الماضي لم تتوافر أي غرفة شاغرة، فجميعها كانت محجوزة، وحققت عوائد مالية كبيرة، وخاصة للمنشآت التابعة للوزارة، وهو ما دفع المستثمرين إلى أن يعودوا لإكمال مشاريعهم. ويقول: «مقابل خروج 587 منشأة من الخدمة دخل 344 مشروعاً بكلفة استثمارية تقريبية بلغت23.5 مليار ليرة سورية تركزت بمعظمها في محافظات دمشق وريف دمشق واللاذقية وطرطوس، منها 115 مشروعاً خاصاً و7 مراكز تدريب سياحي وفندقي و8 مشاريع وفق صيغة BOT، ومن اللافت عودة المستثمرين إلى ترخيص مشاريع في محافظتي حمص وحلب خلال عام 2014، وهما محافظتان كانتا قد شهدتا إقبالاً من المستثمرين عام 2011، أي في بدايات الأزمة».
ولا يستغرب الوزير إقبال المستثمرين اليوم على الترخيص والعمل، موضحاً أن الأمر يعود إلى مزايا الإعفاءات والتسهيلات التي تُمنح للمستثمرين، إضافة إلى عوامل الجذب الاستثماري والسياحي الذي تتمتع به المواقع المطروحة، وصغر الكلفة الاستثمارية لتلك المشاريع. ولا يخفي الوزير خطط وزارته الحالية بالقول: «نحن لا نعمل على تطوير السياحة في كل سوريا، بل اخترنا مناطق تطوير تخضع لتشريعات محددة فيها تسهيلات وإعفاءات وطرق تمويل محددة تشكل مغريات كبيرة للمستثمرين، وهذه المناطق لها بوابات مثل البحرية أو البرية أو الجوية، ونحن لن ننتظر إلى ما بعد الأزمة للعمل، بل نستعد ليكون لنا دور في مرحلة إعادة الاعمار».
ولجذب المزيد من المستثمرين، نظمت الوزارة في شهر أيار الفائت منتدى للمشاريع المتوسطة والصغيرة، جرى خلاله عرض العديد من المواقع في المناطق الآمنة للاستثمار السياحي بكلف استثمارية صغيرة». ويشرح يازجي: «نحن نركّز على المشاريع الصغيرة والصغيرة جداً التي توفر فرص عمل خاصة، والمتعلقة بالحرفيين، والتي يكون لها رواج في الخارج، ولذلك اليوم نحن نعدّ لملتقى جديد يستقطب كل المستثمرين، خاصة السوريين الذين بقوا داخل سوريا».
وعن دور الوزارة في الوقت الحالي، يقول يازجي: «نقوم بالتدخل الإيجابي من خلال الترويج وإقامة بعض المشاريع والأنشطة التي تستهدف فئة معينة كالشواطئ المفتوحة، كذلك نقدم التسهيلات للمشاريع، وقد طرحنا مؤخراً برامج تلائم الفترة التي نعيشها، كبرنامج السياحة الريفية والبرنامج الوطني للسياحة الداخلية، سيُعمل على تطبيقها بداية 2015».
المراهنة على السياحة الدينية
يراهن وزير السياحة بشر يازجي على السياحة الدينية كثيراً، ويعتبرها الحراك الذي لا ينضب. ويُعمل اليوم على تطويرها ولكن بحذر، وتعمد الوزارة إلى تنظيم فاعليات مترافقة مع المناسبات الدينية. ويُعَدّ لفعالية في مدينة اللاذقية خلال النصف الأخير من الشهر الحالي، وهي عبارة عن مهرجان موسيقي، إضافة إلى إقامة يوم تطوعي لإطعام القاطنين في مركز إيواء المدينة الرياضية، والوزارة مستمرة بفاعلية «يوم السياحة السوري» حول العالم.
وبالنسبة إلى استقبال الوفود، يؤكد الوزير أنهم يتلقون دائماً طلبات لتنظيم زياراتهم ولكنهم يحرصون عند منح موافقتهم على التأكد من القدرة التامة على تأمين سلامة القادمين، لهذا يميل إلى التريث قبل منح الموافقات، لأن أمن السائح أولوية لدى الوزارة، وهي السياسة ذاتها التي يعتمدها عند التعامل مع الوفود المحلية التي نشطت مؤخراً.