|
|
|
|
المنتجات البلاستيكية... بين قرارات دعمها وحملات محاربتها.. أين البدائل؟ بعد ثلاث سنوات من النقاش واللجان والموافقات.. البلاستيك المتحلل مرفوض!! |
|
سناء يعقوب
حين أعلن العالم حربه على البلاستيك كانت بلادنا تتجه إلى استخدامه بشكل واسع لاعتبارات عديدة منها، أنه خفيف الوزن وسهل التصنيع وقليل الهدر الصناعي ورخيص الثمن، ويمكن استعماله في كثير من المجالات من بناء وزراعة وصناعة وتغليف وتعليب وغير ذلك.
وهذا ما جعل الأمر يختلط علينا، حتى بدأنا نشك في أن المواد البلاستيكية تزرع على الأشجار والطرقات وحتى في البحار، لكثرة ما نراها؟ وكانت المشكلة الأكبر إضافة إلى مخاطرها الصحية والبيئية في أن هذه النفايات لا تتحلل ولا تتآكل إذاً كيف يمكن التخلص منها؟!. وزارة البيئة وبعد صمت سنوات طويلة تبنت حملة للوقوف في وجه البلاستيك وكانت حملة إعلامية إعلانية فاشلة لم تؤت ثمارها لأن البدائل كانت غائبة، في حين إن دول العالم كلها ومنذ سنوات طويلة فرضت حظراً وضرائب على أكياس البلاستيك، بينما في بلادنا كانت صناعتها تزداد وتنتعش، وهنا بدأت الأصوات ترتفع.. ماذا نفعل بالمصانع الموجودة التي يعتاش منها الكثير من الناس؟ فإغلاقها كارثة ووجودها كارثة أكبر... ولكن على الأقل... فلتتوقف أي رخص جديدة لمعامل البلاستيك. ما الحل؟ الجميع بات يدرك أن النفايات البلاستيكية تشكل عبئاً كبيراً على البيئة، باعتبارها غير قابلة للتحلل العضوي والتفكك، لعدم وجود بكتيريا قادرة على هضمها، أما حرقها فيؤدي إلى تلوث البيئة عدا عن تشكيل مركبات سامة جداً، تعرف باسم الدايوكسين وهي كلمة تشير إلى مجموعة من المواد الكيماوية والتي تبقى وتدوم فترة طويلة في البيئة، والدايوكسين يسبب الكثير من المشكلات الصحية منها مشكلات مع الرئة والسرطان، والعقم عند الرجال والنساء وكذلك الإجهاض إضافة إلى صعوبات في التعلم عند الأطفال وتدني مستوى الذكاء، وخلل في الجهاز المناعي ومشكلات جلدية وكذلك مرض السكري والتشوهات الجنينية. هنا بدأ البحث عن الجديد في الصناعة البلاستيكية.. إذ تقدمت بعض الشركات لوزارة البيئة بعروض تُعنى بموضوع البلاستيك القابل للتحلل، حينها قامت الوزارة بدعوة الجهات المعنية للاجتماع لدراسة هذه العروض، وبعد المناقشات تم الاتفاق على ضرورة تأمين كل الوثائق المصدقة المتعلقة بالتقنيات المقدمة من العارضين لتتمكن الجهات المعنية من اتخاذ القرار النهائي، وقيام الشركات العارضة بتحليل عينات من المواد المقدمة في أحد المخابر الدولية المعتمدة لدى وزارة الصحة قبل أن تقوم الوزارة بإعطاء الرأي الفني النهائي في هذه المواد، والتأكد من أنها آمنة من الناحية الصحية، وضرورة استصدار مواصفة قياسية خاصة بالبلاستيك القابل للتحلل، وذلك بعد موافقة الجهات المعنية على اعتماد هذه التقنية وتضمينها جميع البيانات التفصيلية التي تقترحها الجهات المعنية والاستئناس بتجارب الدول العربية التي اعتمدتها، مع التأكيد على عدم السماح باستخدامها في الغذاء.. ويبقى السؤال: ماذا حدث بعد تلك الاجتماعات المكثفة؟ ماذا عن سورية؟ لأن البيئة تعني كل إنسان في بلدنا سواء الجهات الحكومية أو الخاصة فقد كان لابدّ من متابعة الموضوع للوقوف على آخر المستجدات بموضوع البلاستيك المتحلل، ولماذا هذا التهافت على استخدام البلاستيك في حين أن البدائل غائبة، وأكثر من ذلك: لماذا لا يتم اعتماد البلاستيك المتحلل عضوياً.؟ الدكتور موفق الشيخ علي- مدير عام شركة الأرض للتنمية المتطورة للموارد والخبير في التنمية والموارد الطبيعية يقول: إن سورية دخلت جدياً باب النقاش عن الأكياس البلاستيكية منذ آب 2009 عندما أطلقت وزارة الدولة لشؤون البيئة حملتها الشهيرة «لا لأكياس البلاستيك» التي أثارت الكثير من ردود الفعل بين الجهات المعنية... وحسب وزارة الصناعة في سورية، فإن قرابة 145 ألف طن هي الكمية التقريبية للمواد الأولية اللازمة لصناعة الأكياس والرقائق البلاستيكية التي تستوردها سورية في العام الواحد، ونستطيع أن نقول: إننا ننتج ونستهلك قرابة أربعة عشر مليار وخمسمئة مليون كيس بلاستيك فيما لو استخدمت كل تلك الكميات لإنتاج الأكياس البلاستيكية، وأشارت إحدى الدراسات إلى أن هذه الكمية تكفي لتغطية كامل مساحة القطر بطبقات تسع من الأكياس البلاستيكية في كل عام. وأيضاً، حسب وزارة الصناعة تشير إحصاءات الوزارة عام 2009 إلى أن عدد منشآت تصنيع البلاستيك المرخصة تبلغ /532/ منشأة توظف آلاف العمال، ورأسمالها مليارات الليرات السورية، يضاف إليها /676/ مشروعاً جديداً سيوظف ما يقارب ثمانية آلاف يد عاملة، و6 منشآت لفرم وتجديد وإعادة تدوير البلاستيك.. وحسب المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة فقد بلغت كمية النفايات البلاستيكية عام 2009 في سورية 543 ألف طن وأن نسبة النفايات البلاستيكية تقارب 12% في الحاوية وتصل إلى 40% في المكبات، أي إننا ندفع تكلفة 40% من حجم المكب لدفن نفايات بلاستيكية. يشير الدكتور موفق إلى أن دول العالم بدأت بالعمل منذ سنين للحد من استعمالات الأكياس البلاستيكية وقد ذهبت للأخذ بحلول متوازية منها الحد من الاستعمال عن طريق وضع ضرائب ورسوم تجعل قيمة الكيس البلاستيكي مرتفعة «نسبياً»، ما يدفع الناس للاقتصاد في استعماله أو استعماله عدة مرات إن أمكن، وطرح البدائل ويشمل ذلك الأكياس الورقية والأكياس البلاستيكية متعددة الاستعمالات التي يمكن أن تحل محل جزء من الاستعمالات المحدودة للأكياس البلاستيكية، ويبقى البلاستيك القابل للتحلل هو البديل الذي تم طرحه في أكثر من 100 دولة حول العالم. أما المنع، المطلق كما يرى الدكتور موفق، فهو حل مكلف مادياً، على اعتبار أن هذا سيؤثر في قطاع إنتاجي مهم ولاسيما لناحية العمالة والعمال من ناحية، أو لناحية التكلفة المادية الأعلى للبدائل التقليدية. ما هو البلاستيك القابل للتحلل؟ تعمل المادة المضافة على خفض الوزن الجزيئي للبوليمرات من خلال تقطيع السلسلة الطويلة للبولي ايتلين، ما يسبب تكسر البلاستيك ثم تقوم البكتيريا الموجودة في الطبيعة بهضمه وتحلله بيولوجياً، كما أن المواد المضافة تتحكم في العمر الافتراضي، وكمثال على ذلك: يحتاج كيس النفايات إلى 18 شهراً قبل أن يبدأ في فقدان قوته بينما يحتاج كيس الخبز إلى بضعة أشهر فقط. إن البلاستيك القابل للتحلل الإحيائي لا يحتاج إلى بيئة غنية بالميكروبات حتى يتفسخ، إذ إن التفسخ يمكن أن يحدث حتى وإن ترك البلاستيك في الهواء المكشوف أو داخل البحر. لقد تم اختبار البلاستيك القابل للتحلل البيولوجي وفحصه بصورة مكثفة من قبل مؤسسة (RAPRA) للتكنولوجيا، وهي مؤسسة أوروبية مستقلة رائدة في مجال أبحاث البلاستيك، وأيضاً من قبل اختصاصيين آخرين حول العالم، كما أن العديد من دول العالم قد شرعت هذا النوع من البلاستيك من خلال قوانين ومواصفات وطنية خاصة بها، وهو يتوافق مع متطلبات وكالة الأغذية والأدوية الأمريكية والمواصفة القياسية الأمريكية رقم (04-6954) الخاصة بـ(البلاستيك الذي يتفسخ في البيئة عن طريق الأكسدة والتحلل البيولوجي)، المواد المضافة مناسبة للاتصال المباشر مع المواد الغذائية، وفقاً للتوجيهات الأوروبية 72/2002 وتعديلاتها ولوائح هيئة الأغذية في الولايات المتحدة الأمريكية، الفصل 21، إن التقييم المستقل لـهذه المواد فيما يخص الاتصال المباشر بالمواد الغذائية تم إجراؤه من قبل مخابر عالمية متخصصة /RAPRA/، إضافة إلى أن هذه المضافات جار استخدامها في الاتصال المباشر بالمواد الغذائية ومنذ 7 سنوات من قبل مؤسسات رئيسة في العالم. أين نحن؟ مع انطلاق حملة «لا لأكياس البلاستيك» وبجهود العديد من الجمعيات الأهلية والشركات الخاصة، تم تقديم اقتراح العمل على تنويع البدائل، وبدأت حملات أهلية تحت عناوين مختلفة «بالناقص كيس»، «الأكياس القماشية هي الحل» وغيرها... ولكن متى تم طرح فكرة البلاستيك المتحلل؟ حسب الدكتور موفق الشيخ علي: في أواخر العام 2009 تم طرح تقنية الأكياس القابلة للتحلل في سورية من خلال عدة ندوات وورش عمل بالتنسيق الكامل مع وزارتي البيئة والصناعة والتعريف بتقنية الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل بتقنية d2w... وفي شهر شباط 2010 قامت وزيرة الدولة لشؤون البيئة السابقة بتشكيل لجنة تضم قرابة 12 جهة عامة من وزارات البيئة والصناعة والصحة ومركز الاختبارات الصناعية ومركز البحوث العلمية وهيئة المواصفات والمقاييس وغيرها لدراسة هذه التقنية وتقديم الرأي....... وتاهت الأمور في رحاب اللجان فمن لجنة البيئة إلى الصحة إلى الصناعة وغيرها!!! في شهر تموز 2010 تقدمت شركة الأرض للتنمية المتطورة للموارد بعرضها إلى وزارة الصناعة لإجراء تجارب على إنتاج أكياس بلاستيك قابلة للتحلل لدى معامل الوزارة على أن تقدم شركة الأرض مادة d2w والإشراف التقني وإجراء الاختبارات اللازمة، تم إجراء تلك التجربة وإرسال عينات للتحليل في بريطانيا ولدى مركز الاختبارات الصناعية، وتم تقديم تقارير الاختبار للوزارة، وبينت تلك الاختبارات أن المنتج قابل للتحلل مع تباين في المواصفات الفيزيائية بين مختبري مركز الاختبارات الصناعية والمخبر البريطاني. مع العلم بأن وزارة الصناعة قد طلبت رأي وزارة الزراعة والصحة في الموضوع فكان جواب الصحة بالموافقة وجواب الزراعة بالموافقة، شريطة أن تكون المادة مستخدمة في بلد المنشأ، وهو ما تم تقديم الوثائق الخاصة به لوزارة الصحة والصناعة. واستكمالاً لإجراءات الموافقات اللازمة لطرح الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل بينت وزارة الصحة السورية بموجب كتاب رسمي في تاريخ 21 كانون الأول 20110 رأيها العلمي الذي استند إلى الوثائق المقدمة من شركة الأرض للتنمية المتطورة للموارد والتي تم الحصول عليها من الشركة البريطانية المنتجة والمصدقة من الجهات المعنية في بريطانيا والسفارة السورية في لندن، والذي أكد بشكل واضح أن مادة d2w هو مضاف آمن لإنتاج وتصنيع الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل.. ولكن عاد الموضوع للدوران بين متاهات اللجان... واليوم، وبعد ثلاث سنوات من الدخول في هذا النقاش، وبعد أن طبقت أكثر من 113 دولة في العالم وضمنها دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وغيرها تقنية الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل كبديل في دولها لإدراكها بأن المشكلة في الكيس البلاستيكي تكمن في عدم إمكانية تحلله، وبعد اجتماعات ولجان عديدة قررت الجهات المعنية التخلي عن فكرة استخدام البلاستيك المتحلل. وماذا بعد؟ في حين أن هناك بعض القرارات التي تصدر لمصلحة بقاء البلاستيك موجوداً وبقوة رغم مخاطره البيئية والصحية.. نسأل باستغراب: إذا كان كل ذلك الإصرار على المنتجات البلاستيكية فلماذا لا يتم اعتماد البلاستيك المتحلل بيئياً أسوة بالعديد من الدول؟ أم إن القرارات الارتجالية والتخبط في صنعها وإصدارها سيبقيان السائدين وإلى متى؟! s. yakoob@mail. Sy
|
تشرين |
|
2013-02-13 00:34:25 |
|
|
|
|
|
|
|