خاص- سيريانديز
مع إعلان حاكم مصرف سوريا المركزي عن إصدار عملة سورية جديدة وبدء تداولها اعتبارا من 1 كانون الثاني 2026، تصاعدت وتيرة النقاشات في الأوساط الاقتصادية التي أجمعت على أهميتها كبارقة أمل لإطلاق إصلاح نقدي طال انتظاره يهدف إلى تبسيط المعاملات وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية دون أن تغطي هذه الآمال العريضة على مخاوف البعض من تداعياتها المحتملة في ظل الظروف التي يمر بها الاقتصاد السوري حاليا، وبين هذه الآمال والمخاوف تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى جاهزية البلاد لتنفيذ هذا التحول النقدي وما إذا كانت الخطوة تمثل بداية حقيقية لإصلاح شامل أم مجرد إجراء تقني محدود الأثر. حذف الأصفار..
تبسيط أم اعتراف بالتضخم؟
أثارت فئة الـ1000 ليرة الجديدة، التي تعادل فعليا 100 ألف ليرة من العملة الحالية بعد حذف صفرين جدلا واسعا، فبينما يعتبرها المصرف المركزي خطوة تقنية تهدف إلى تسهيل التداول وتحسين كفاءة النظام النقدي دون المساس بالقوة الشرائية، يرى خبراء اقتصاديون أنها تعكس حجم التضخم المتراكم وتعيد البلاد إلى دوامة فقدان الثقة بالعملة وفي هذا السياق رأى الخبير الاقتصادي إيهاب حمدان في تصريح لشبكتنا أن حذف الأصفار قد يكون مفيدا من الناحية الإجرائية، لكنه لا يعالج جذور المشكلة، مشيرا إلى أن "التحسن في شكل العملة لا يعني بالضرورة تحسنا في قيمتها، ما لم يترافق بإصلاحات اقتصادية حقيقية.
مخاوف من تعويم الليرة
لم يتوقف الجدل عند حدود الأرقام، بل امتد إلى التكهنات حول نية الحكومة تعويم الليرة السورية، فإصدار فئات نقدية كبيرة، بحسب بعض الاقتصاديين، قد يكون تمهيدا لتعويم مُدار للعملة، خاصة في ظل تسريبات سابقة حول هذا التوجه وقد أثار هذا السيناريو قلقا من انعكاسات محتملة على استقرار سعر الصرف وارتفاع الأسعار،
وفي هذا السياق، حذر اقتصاديون من أن "أي خطوة نحو التعويم دون وجود احتياطي نقدي كافٍ وسياسات مالية واضحة قد تؤدي إلى مزيد من التدهور في قيمة العملة"، مشددين على ضرورة الشفافية في إعلان السياسات النقدية المرتقبة. تحديات التنفيذ: الجغرافيا والسياسة من التحديات البارزة التي أثيرت أيضا، صعوبة تنفيذ عملية استبدال العملة في ظل الوضع المعقد في بعض المناطق، حيث أشار خبراء اقتصاديون إلى أن الوضع الراهن في محافظة السويداء ومناطق شرق الفرات يجعل من فترة التعايش المحددة بثلاثة أشهر غير كافية الأمر الذي يحتم إعادة النظر في الجدول الزمني لاستبدال العملة القديمة مع ضرورة الإسراع بإطلاق حملة توعية شاملة حول آلية الاستبدال لضمان تحقيق جميع الأهداف المتوخاة من هذا التحول الجذري في الاقتصادي الوطني.
استقلالية المصرف المركزي والالتزام بالمعايير الدولية
الاقتصادي عامر شهدا سلط الضوء على جانب قانوني حساس حيث اعتبر في منشور له على فيسبوك أن تفويض المصرف المركزي باستلام العملة الجديدة، كما ورد في المرسوم رقم 293 لعام 2025، قد يُفهم على أنه مساس باستقلاليته، وهو ما يتعارض مع قانون النقد الأساسي والدستور السوري.
وشدد شهدا على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية التي تفرض الشفافية في إعلان حجم الكتلة النقدية، والاحتياطي الأجنبي، وسياسات إدارة سوق الصرف، لضمان الثقة الدولية ودمج سوريا في النظام المالي العالمي فوائد محتملة... ولكن بشروط رغم الانتقادات، لا يمكن إنكار أن استبدال العملة يحمل في طياته العديد من المزايا والفوائد، ومن أبرزها تعزيز الثقة بالليرة السورية وتسهيل التداول النقدي وتبسيط المعاملات المالية ومعالجة مشكلة العملة التالفة وإصدار أوراق نقدية أكثر أمانا وأصعب تزويرا إضافة إلى المساهمة في استقرار سعر الصرف إذا ما رافقها إصلاح اقتصادي شامل.
توصيات للمضي قدماً
يرى خبراء أن نجاح عملية طرح العملة الجديدة يتطلب تشكيل مجلس نقد وتسليف يضم خبرات مصرفية مستقلة التزام صارم بالمعايير الدولية للشفافية والإفصاح وإطلاق حملات توعية للرأي العام وتهيئة الظروف السياسية والأمنية لضمان شمولية الاستبدال. وفي المحصلة العملة السورية الجديدة خطوة جريئة في مسار الإصلاح النقدي، لكنها محفوفة بتحديات معقدة تتطلب إدارة دقيقة وتوافقا وطنيا ورؤية اقتصادية واضحة تضمن عبورا آمنا نحو استقرار اقتصادي طال انتظاره.