سيريانديز ـ نجوى صليبه
استبشر كثير من الكتّاب السّوريين خيراً باستلام الدّكتور أحمد جاسم الحسين رئاسة اتّحاد الكتّاب العرب خلفاً للدّكتور محمد طه عثمان، لكن سرعان ما تلاشت البشارة، واضمحلت الابتسامة، مع صدور العديد من القرارات التي عدّها كثيرون غير موضوعية ومجحفة بحق الكثيرين، وأمّا أوّل هذه القرارات فهو فصل عدد من الأعضاء وعلى رأسهم الأديب حسن . م . يوسف، الأمر الذي أثار غضب الكتّاب من أعضاء وغيرهم، ثمّ تلاه قرار إلغاء المجلات الثّقافية العريقة ودمجها في مجلّة واحدة، وبعد ذلك قرار إقالة رئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي حسن قنطار من منصبه، وجاء يومها في بيان أصدره الاتحاد بتاريخ 11-12-2025، ونشره على حسابه في الـ"فيسبوك" أنّ القرار صدر بناءً على ما تمّ رصده من قيامه بمنع نشر مقالة لأحد الكتّاب بما يتعارض مع مبادئ حرية التّعبير والرّأي التي تمثّل جوهر ثورة السّوريين وقيمها، كما ذكر البيان أنّ الاتحاد ألغى الرذقابة المسبقة على المواد المنشورة، تعزيزاً لقيم الحرية والمسؤولية، وهذا ما نفاه، يومها، محمد منصور عضو المكتب التّنفيذ (مجلس تسيير الأعمال) في الاتّحاد وصاحب المقالة الممنوعة من النّشر، إذ قال إنّ ما ورد في ذاك البيان عار عن الصّحة وأنّ رئيس الاتّحاد الدّكتور الحسين هو من أصدر قرار المنع وأبلغه عن طريق رئيس تحرير "الأسبوع الأدبي" أنّ بإمكانه نشر مقالته في أي مكان آخر.
قرار جعل منصور يغادر الاتّحاد كلّه لا جريدته فحسب، إذ قدّم استقالته من عضوية المكتب التّنفيذي، وأعلن عن مغادرته الاتّحاد، وبقائه في سورية حيث حلمه الذي يتحقق، ومثله فعل الدّكتور محمد سعيد العتيق، ورداً على هاتين الاستقالتين أصدر الاتّحاد بياناً رسميّاً أعلن فيه عن قبوله استقالة منصور والعتيق، اللذين قدّما خلال فترة عملهما في الاتّحاد جهوداً مشكورة ومساهمات قيّمة في خدمة الحركة الثّقافية والأدبية، متوجّهاً بالشّكر والامتنان لهما على كلّ ما قدّماه، ومتمنياً لهما التّوفيق في مسيرتهما الإبداعية، وأكّد البيان أنّ الاتّحاد يسعى إلى تجديد الهياكل الإدارية وضخّ دماء شابّة ورفد المؤسسة بكوادر جديدة تتفاعل مع المتغيرات الثّقافية والاجتماعية، وتسهم في تعزيز الحضور الأدبي السّوري وتطوير أدوات العمل بما يتناسب مع طموحات الجيل الجديد من الكُتّاب والمثقفين.
وهنا لا بدّ من التّذكير أيضاً بأنّ منصور وقّع على بيان ـ أقفل بتاريخ 16/ 11/ 2025ـ صادر عن مثقّفين سوريين ومجموعة من أعضاء اتّحاد الكتّاب العرب في سوريا، وننقل البيان كما ورد "نحن الموقّعون أدناه من الكتّاب والإعلاميين والمثقّفين في سوريا، نعبّر عن بالغ أسفنا للتّطورات الأخيرة المتمثذلة بقرار إلغاء المجلات الثّقافية العريقة ودمجها في مجلة واحدة، بقرار من رئيس اتّحاد الكتّاب العرب يفتقر للإجماع المطلوب... ناهيك عن منع نشر مقال مخالف لرأيه وإصدار بيانات مضللة باسم الاتّحاد، لها صفة التّلاعب في محاولة لتضليل الرّأي العام، فضلاً عن تفرّد رئيس الاتّحاد الجديد بالقرارات الصّادرة عن الاتحاد.. لوحظ في الآونة الأخيرة عدم التّشاور مع الهيئات المتخصصة والعودة إلى الأطر التّنظيمية في اتّخاذ القرارات المتسرّعة الأمر الذي يعدّ تجاوزاً لطبيعة الدّور الثّقافي الذي تأسس الاتحاد من أجله والقائم على احترام التّنوع الفكري وتشجيع الحوار وضمان حرية التّعبير للكتّاب والمبدعين، ودعمهم بدل تقليص منابرهم.. إنّ الممارسات الأخيرة تقوّض العمل الجماعي داخل الاتّحاد وتلغي مبدأ الشراكة في اتّخاذ القرار وتقصي أصحاب الخبرة، وهو أساس أي عمل نقابيّ أو ثقافيّ مسؤول، وبما أنّ المخزون الثّقافي لبلدنا هو انعكاس لتراث السّوريين والسّوريات الذي تراكم على مدى آلاف السّنين بتعبيراته المختلفة فليس من الجائز أن توضع مقاديره في أيدي كوادر لا تتمتع بالخبرات الثّقافية أو الرّصانة الكافية للحفاظ عليه وتطويره، وبدلاً من توسيع قاعدة النّشاط الثّقافي في البلاد، يتعرض هذا النّشاط لانتكاسة بل لاستهانة ولاعتداءات جسيمة مقابل تصدير صور ونشاطات استعراضية لرئيس الاتّحاد وحده.. من هنا نؤكّد ضرورة إعادة العمل بالمجلات الثّقافية بوصفها منابر تنوير وإبداع واحترام حق الأعضاء في نشر آرائهم من دون تقييد، كما ندعو إلى فتح حوار فوري وشامل بين أعضاء الاتّحاد وهيئاته المعينة، وإلى مراجعة القرارات التي نرى أنّها تضر بسمعة المؤسسة الثّقافية.. إنّ الحفاظ على استقلالية الاتّحاد وحرية أعضائه الفكرية هو واجب لا يمكن التّهاون فيه.. ونرجو ونتطلع إلى أن ترتفع المؤسسات الثّقافية في سوريا بممارساتها وقراراتها ولاسيّما النّقابية منها إلى مستوى يحقق مصالح العملية الثّقافية ودعمها ونمائها وصون حريّتها وأن تضع هذا الواجب على رأس مهماتها، لما فيه من آثار إيجابية على حالة الثّقافة والفكر الذي تبنى عليه أسس النّهضة والتّطوّر في البلاد".
أمّا ماذا تحمل الأيّام لاتّحاد الكتّاب العرب، فلا يمكن التّنبؤ بها، ولا حيلة في الأيدي، سوى رفعها والابتهال والرّجاء والتّمني بأن تكون هذه المؤسسة العريقة حاضنة لمثقفي سوريا جميعهم على اختلاف مشاربهم.