سيريانديزـ نجوى صليبه
يستعد الإعلامي والكاتب جورج درويش للعرض المسرحي "قبل آخر صفحة" من كتابته وإخراج اللبناني مازن سعد الدّين، ويحدّثنا عن فكرة العمل: "لا يتناول العرض العلاقات السّورية ـ اللبنانية، بل يتحدّث عن معاناة شاب لبناني تنطبق على الشّباب السّوري والعربي أيضاً، أي يمكننا تشبيهه بأيّ شاب عربي يريد تأسيس مستقبله المهني والاجتماعي، وعلى الرّغم من كلّ الضّغوطات العامة والخاصّة المتمثّلة بالعائلة التي قد تفرض على ابنها أموراً لا يقنع فيها ـ وهذا حال الكثير من العائلات العربيةـ، يحاول الهروب إلى زاوية خاصة يعيش فيها واقعه الذي يحبّ.. العرض جريء بالطروحات والكلمات، لكنّه لا يحتوي ألفاظ نابية، بل تعابير جريئة يفهمها المشاهد.. نحن نعرف ماذا نريد فلماذا نستخدم جملاً إيحائية".
وحول نشوء الفكرة ولاسيّما أنّها تتحدّث عن واقع لبناني لم يعشه سابقاً، يوضّح: "الحقيقة هي أنّي عانيت في سورية الشّللية، وعانيت صعوبة في وصول نصوصي إلى المعنيين.. البعض قرأها لكن كان لديه مشكلة في الطّرح الجريء، لأنّ معظم الجهات مسيسة وتريد أفكاراً محددة، فلم أستطع الاتّفاق معهم، على الرّغم من أنّهم أحبّوا نصوصي وما أزال على صداقة مع أكثرهم، لكن أنا لا أتعامل بهذه الطّريقة، وعنيد في هذا الموضوع، وهذه الشّخصية ظاهرة في العرض، لذلك ذهبت إلى لبنان وقررت الكتابة هناك، سألت نفسي في البداية، كيف أكتب عن واقع لا أعرفه ولم أعش معاناته، وأنا أعيش بين سورية ولبنان والإمارات، لكن زياراتي إلى لبنا كانت بقصد العمل، أنهي عملي وأغادر.. انتقلت إلى لبنان وعشت الواقع، ورأيت أوّل شخص وحضرت مسرحيته هو رالف معتوق وتحدثت إليه وقلت له لديّ نصّ أريدك أن تقرأه، وأخبرني أنّه يتابع كتاباتي على صفحة التّواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأعطاني موعداً بعد أسبوع والتقينا وقدّمت بعض الأفكار، واتّفقنا على فكرة النّصّ، لكن كان لديّ صعوبة في كتابة المصطلحات اللبنانية، فساعدني في هذا الجانب أيضاً، وهكذا أسبوع تلو الآخر اختمرت الأفكار ونضجت القصة وأكملتها بكلّ بساطة وسلاسة".
وعلى الرّغم من تخطّي المشكلات السّابقة، يبقى لدى جورج مشكلة أخرى هي الخوف من النقد والانتقاد، لكونه يقدّم برنامجاً تلفزيونياً متخصصاً بالدّراما والفنّ، يقول: "أكثر مخاوفي قبل عرض المسرحية هو أنّي بدأت بتقديم برنامج تلفزيوني نقدي، وأخاف من ألّا يكون أوّل عمل درامي لي على المستوى المطلوب، مع أنّي أثق بأنّه على المستوى من النّاحية الفنّية، وأخاف أن يقال عنّي "هذا الذي ينتقد الجميع.. انظروا ماذا يقدم".
"قبل آخر صفحة" هو أوّل عمل مسرحي احترافي لدرويش، وقبله كان له تجارب مع منظّمات دوليّة كالأمم المتحدة، ومحلية كدائرة العلاقات المسكونية والتّنمية، نذكر من هذه العروض "بكرا أحلى" الذي عرض في عام 2016 ضمن فعالية "بكرا أحلى" في "مهرجان رباح المسرحي"، وهي مسرحية كوميدية مستقاة من الواقع المعاش في الرّيف، و"لوّن حياتك" الذي عُرض في حمص في عام 2019 على خشبة المسرح اليسوعي، ويتحدّث عن الصّراع بين الخير والشّر داخل كلّ إنسان، وكيف كلّ شخص يختار طريقه بحسب تربيته، لكن يبقى العرض الأكثر أهمية كما يقول درويش هو "دولاب" الذي قدم على خشبة مسرح دار الثّقافة في حمص عام 2018، ويتناول فيه حياة شاب معوّق على كرسي وموهوب بالعزف، يتجاوز مع أهله مشكلاته مع المجتمع.
درس جورج درويش هندسة البترول، لكنّه لم يعمل باختصاصه، بل اتّجه إلى الإعلام والكتابة المسرحية وقبلها كتابة الأغاني: "منذ كنت في الحادية عشرة وأنا أكتب، وملكة الكتابة موجودة في أسرتي، فوالدي وأختي يكتبان الزّجل، وأختي تكتب الخواطر أيضاً، والكتابة صارت لديّ أسلوب حياة وروتين يومي، أكتب عندما أفرح وعندما أحزن، إنّها مثل الأكل والشّرب، لكنّي شحذت هذه الملكة بدورات وورشات كتابة منذ عام 2016 وكان أكثرها أهمية مع الكاتبة المصرية أسنات عوض مدربة مهارات كتابة إبداعية، وآنذاك كانت أوّل مرّة أخضع لورشة كتابة لذلك تشربت الطّريقة المصرية في الكتابة كالسّيناريو الطّويل والمشاهد الطّويلة المليئة بالمشاعر، وبعدها خضعت لأكثر من دورة في لبنان مع كتّاب مصريين ولبنانين، لكن غالبية تدريبي كان على يد مصريين".
وبسؤاله عن كتابة الأغنيات، وعدم متابعته في هذا المجال، يجيب درويش: "تابعت لكن لم يكن هناك مجال لعمل مشترك بيني وبين نجم مغنّي، فكان همّي أوّلاً التّخرّج، ومن ثمّ العمل سرقني، إذ سافرت إلى دبي وبقيت فيها مدّة سنتين ونصف، وسرقتني كتابة المحتوى، وصار لدي همّ آخر هو الحصول على فرص العمل، وفي كلّ هذه الزّحمة لم أنسى الأغاني، لكن لم أسعى إلى بيع الكلمات، واليوم هناك من يقرأ لي وهو الملحّن السّوري علي حسون، على أمل أن يخرج عمل على العلن، هناك بعض المطربين والملحنين أخذوا أغاني للقراءة، من بينهم الملحّن اللبناني خليل أبو عبيد.
في هكذا حال، أي تعدد المواهب وتنوّعها والعمل على أكثر من جبهة، غالباً ما أسأل عن إمكانية التّشتت، يوضّح درويش: "بالتّأكيد هذا التّعدد يؤثّر على الأداء، لذلك أتوقّف في جوانب وأرّكز في جانبين فقط، مثلاً ـ حالياًـ أنا متفرّغ للمسرح والإعلام، ومتوقّف عن كتابة الأغاني.. اليوم نحن يجب أن نمتلك ملكات كثيرة نعمل عليها لكي نعيش، ولأنّ الكتابة هي ما أحبّ اشتغلت في كتابة المحتوى محتوى إعلانات وبرامج وأعدّ برنامجي وأقدّمه، وأكتب لأي شخص يطلب منّي كلمات أغاني، مضطر أن أشتغل كلّ هذا، لأنّي أعيش من موهبتي، وشهادة الهندسة نسيتها، ربّما لو وجدت فرصة عمل في اختصاصي لركّزت على مهنة واحدة فقط بالتّوازي معها.