سيريانديز
رغم أهميتها.. ليس بالتبرعات يبنى الاقتصاد، فحملات التبرعات المتنقلة في عموم البلاد تحت مسميات مختلفة أوصلت رسالة مفادها حرص السوريين على المساهمة في إعادة إعمار بلادهم وإنعاش اقتصادها الوطني المنهك إلا أنها تبقى عاجزة لوحدها عن إعادة تدوير عجلة التنمية المستدامة المتوقفة نتيجة تراجع الإنتاج واستمرار فرض العقوبات الدولية على سوريا.
وربما يكون صندوق التنمية السوري الذي أطلق من قلعة دمشق مطلع الشهر الجاري عراب حملات التبرعات وأكثرها زخما حيث نجح في جمع ملايين الدولارات فور إطلاقه في مشهد عكس حجم التفاعل الشعبي والاهتمام العام بهذه المبادرة الوطنية التي تنظر إليها الحكومة السورية على أنها أحد أبرز أدوات بناء "سوريا الجديدة" من بوابة التنمية المستدامة بعد سقوط النظام البائد.
وبحسب المعلومات والتقارير الرسمية بدأ الصندوق فعليا منذ إعلانه في مطلع العام الجاري بتنفيذ عدد من المشاريع في الجنوب السوري وريف دمشق، شملت ترميم شبكات الكهرباء والمياه وإنشاء مراكز تدريب مهني للشباب العاطلين عن العمل الأمر الذي اعتبره متابعون ومتخصصون بالشأن التنموي نقطة إيجابية لجهة حرق المراحل واختصار الوقت وزج إمكانيات الصندوق في خدمة السوريين فورا وفي هذا السياق اعتبر الاقتصادي محمود سلموني في حديث لشبكة سيريانديز أن الصندوق خطوة مهمة ومحورية لجهة إشراك كل السوريين في إعادة إعمار بلدهم وانتشال اقتصادهم الوطني الأمر الذي من شأنه تقليص دور التمويل الخارجي وبالتالي التخفيف من الشروط التي يمكن فرضها على الدولة السورية.
ورغم تفاؤله بتحقيق الصندوق نتائج مهمة على الأرض خلال فترة قياسية نبه سلموني إلى أن الصندوق غير قادر على تغطية الكثير من المشاريع التنموية الملحة والضرورية على المدى المنظور نظرا لاعتماده على التبرعات الأمر الذي يحتم، بحسب تعبيره، على الحكومة تخصيص اعتمادات من الموازنة العامة للدولة للصندوق بالسرعة القصوى لتضاف إلى التبرعات الشعبية ومساهمات رجال الأعمال والعائدات الاستثمارية المنتظر تحقيقها من المشاريع الممولة.
الزخم الكبير لصندوق التنمية السوري لم يخلُ من انتقادات من باحثين ومتخصصين متسائلين عن سبب عدم نشر مرسوم تأسيس الصندوق بشكل رسمي حتى الآن رغم صدوره في كانون الثاني الماضي حيث طالب الاقتصادي سلموني بنشر تقارير دورية توضح آليات الصرف والمشاريع المستهدفة والإعلان عن الجهة التي تشرف فعلياً على تنفيذ المشاريع معتبرا أن هذه الانتقادات مشروعة لأنه لم تُعلن حتى الآن جهة محايدة تتابع أداء الصندوق أو تقيّم أثره على الأرض ليبقى التساؤل الأهم بحسب رأيه حول مدى التزام الصندوق بالعدالة والشفافية، خاصة في ظل غياب نص المرسوم التأسيسي عن التداول العام.
وبالعودة إلى موضوع التبرعات ودورها في رفد الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته لجأ عدد من الخبراء إلى أن مقارنة صندوق التنمية السورية مع صناديق التنمية في دول العالم، مثل صندوق التنمية السعودي مؤكدين أنها لا تعتمد على التبرعات الشعبية، بل تُموّل من الموازنات العامة وتُدار عبر مؤسسات فرعية متخصصة، ما يضمن استقلالها وفعاليتها، هذا النموذج أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة النموذج السوري الحالي، وما إذا كان بحاجة إلى إعادة هيكلة قانونية وإدارية.
ورغم هذه الملاحظات، تبقى حملات التبرعات على درجة من الأهمية لجهة تحمل السوريين مسؤوليتهم في بناء وطنهم مع الإشارة إلى أن تزامن هذه الحملات مع الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يعيشه عدد لابأس به من العائلات السورية يؤثر سلبا على حجم المبالغ المالية المتحققة كما يبقى صندوق التنمية السوري أداة مركزية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع وإن نجاحه الصندوق لا يُقاس فقط بحجم المشاريع، بل بقدرته على تحقيق العدالة التنموية، واستعادة الأمل في مستقبل أكثر استقراراً وإنصافاً لجميع السوريين.