كتب أيمن قحف
أحاول أن احلل أرقام الموازنة الاستثمارية للعام 2024 التي ستعرضها الحكومة على مجلس الشعب الاسبوع المقبل .. تبلغ الموازنة الاستثمارية للعام القادم 9000 مليار ليرة بزيادة 200% عن 2023 والتي بلغت 3000 مليار ليرة . لن أتحدث عن نسب التنفيذ الخجولة لدى العديد من الوزارات والجهات ، فهذا يناقش لاحقاً في قطع الحسابات وغيرها .. سأتحدث عن الاعتمادات وتوزعها و اولوياتها وهل هي في المكان الصحيح حتى لو كانت أحياناً ( تأشيرية)؟
أعتقد أن أكثر ما يهمنا اليوم هو الانتاج ، وهو السبب العميق للانفاق الاستثماري الحقيقي.. لننظر لحصة الوزارات الانتاجية ونقارنها بالقطاعات المستهلكة : وزارة الصناعة حصلت على 197 مليار ليرة ليس لدي فكرة كيف ستنفقها ، لكنني متأكد من أمرين : 1- الاعتمادات أقل بكثير من احتياجات احداث نقلة نوعية في الصناعة والانتاج .. 2- ليس لدى وزارة الصناعة استراتيجية حقيقية تنتج عنها الخطط والموازنات والتوجهات بل هي حالات ارتجال فردية لمؤسسات وشركات وأفراد وليست حصيلة دراسات كافية لتحديد الاولويات ولا سيما ما هو دور القطاع العام الصناعي وما هو دور القطاع الخاص في المشهد ..
لا أعرف مثلاً لماذا تم اختيار البان دمشق و شركة المنظفات لتأهيلها من بين عشرات الشركات ، وهل موافقة الحكومة على الاعتمادات كانت ضمن الموازنة أم خارجها ؟ نحتاج لآلاف المليارات في الصناعة ، وهي استثمار حقيقي ، لكن في ظل عدم وجود خطة وفريق عمل منسجم في الصناعة فانا أشك في امكانية صرف هذا الاعتماد القليل نسبياً ! وزارة الزراعة حوالي 475 مليار ليرة وهو رقم معقول اذا اعتبرنا أن معظم الزراعة قطاع خاص ، وبالتالي أعتقد أن الانفاق الاستثماري في الزراعة يجب أن ينصب على النهوض بالقطاع الزراعي ككل وليس مشاريع وزارة الزراعة ، وليست لدي فكرة عما ينوون لكنني أعرف ان هناك تخطيط قصير وبعيد المدى وفريق عمل منسجم ووزير يدرك تفاصيل المشهد بصورة احترافية .
. اعتمادات الكهرباء هي الاكبر وهذا منطقي 1061 مليار نأمل أن تحدث فارقاً لان لا انتاج ولا اقتصاد بدون كهرباء ، تليها موازنة النفط بحوالي 630 مليار ليرة ونحلم أن يعود اليوم الذي تسند فيه موارد النفط موازنة الدولة وعمليات التنمية .. ومن الارقام الكبيرة موازنة النقل 443 مليار وهو رقم منطقي ولا سيما للمطارات والمرافئ والطرق والسكك الحديدية ، والتعليم العالي 365 مليار والتربية 175 وكل ما ينفق هنا ضروري ..
لكن السؤال هنا : لماذا تحتاج ( التنمية الادارية ) 16 مليار موازنة استثمارية ؟' ألا بكفيها انها ( تستثمر ) في الانسان؟! لماذا تحتاج وزارة المالية 248 مليار استثمارات ؟ أليس من الافضل خفض نفقاتها كما أجبرت الجميع على ( خصورة) مشاريعهم ؟ السياحة حصتها فقط 60 مليار وهي قطاع منتج بامتياز ، و أي انفاق استثماري فيها يعود أضعافاً على الآقتصاد الوطني..
الرقم الاكبر حقيقة ليس الكهرباء بل الادارة المحلية فحصتها 1460 مليار ، وهو أمر مثير للجدل ولا نعرف التمييز بين الموازنة العامة للدولة وموازنات المحافظات والمجالس المستقلة ، وما نعرفه أن صرفيات المحافظات حتى من مواردها الذاتية ولمشاريع مقررة ومصدقة تخضع لموافقة الوزير الذي قد لا يوافق او يختصر نفقة معينة ، ولا ادري فعلاً العلاقة بين الموازنتين في مشروع الموازنة العامة للدولة ؟!
لن أطيل أكثر ، لكن عبر عقود من الزمن قلما لاحظت انبثاق الموازنة العامة من استراتيجية عامة بل هي تجميع لمتطلبات الجهات تختصر حسب الموارد المتاحة دون مقياس ومعيار معلن وعلمي .. وفي النهاية : ليس هناك من يسأل لاحقاً ما دامت موازنة استثمارية فأين العوائد والارباح ؟' أيمن قحف سيريانديز