كتب الاعلامي اياد ناصر
كنت في الجامعة عندما قررت أن أشترك في صندوق البريد، ليكون ( ص. ب رقم...) هو وسيلة التواصل الأهم لدى أبناء جيلي، نراسل الأصدقاء في المحافظات، أمارس شغفي في مراسلة الصحف والمجلات الرياضية ( شغفي الأول صحيفة الموقف الرياضي ومسؤول صفحة القرّاء الاستاذ الراحل الصحفي والكاتب أ. لؤي عيادة وأول رسالة أرسلتها للصحيفة عام ١٩٨٤ َكنت في الصف التاسع وتم نشر المساهمة الأولى وكانت بعنوان / الإحصاء أصبح علماً/. تم نشرها كما أرسلتها عبر صندوق الشغف ).
كنت أراسل البرامج الإذاعية والتلفزيونية لطلب سماع أغنية عبر ظرف الرسائل الذي نضع فيه مشاعرنا ومن ثم يمر اللسان على المادة اللاصقة أعلى الظرف من أجل الاغلاق المحكم لإرساله بعد كتابة عنوان ( المرسل إليه:....) في ظهر الظرف. كانت سعادتي لاتوصف عندما أنزل لمبنى البريد وأفتح العلبة البريدية الخاصة بي فأجد رسائل الأصدقاء وردود بعض مجلات ثقافية كنت أرسل لها مواداً للنشر أو أجد إشعاراً بوصول مجلة اشتركت بها أيام معرض دمشق الدولي القديم، أو اتلقى رد نجم كروي بعثت برسالة إعجاب بفنه الكروي ( وقتها ارسلت للنجم الكبير عبد القادر كردغلي وكم كانت فرحتي كبيرة عندما ارسل لي رداً وصورة له ومازلت أحتفظ بالرسالة والصورة التي احتواها ظرف الرسائل وعليه ارقام الصندوق المرسل والمرسل إليه)، تلك مرحلة لاتنسى وفجأة اخترقت حياتنا تطورات الاتصالات والتواصل بخصوصية تكنولوجية مذهلة ورغم ذلك حافظت إلى اليوم على اشتراكي السنوي بصندوق البريد لأنه مسكون في روحي. سنوات عديدة مرّت وقد أصبح الصندوق فارغاً إلا من الحنين، أنزل مرة كل عام لأدفع رسم الاشتراك السنوي عبر الكوّة الخاصة بالمشتركين وأتوجه لعلبة البريد على أمل رسالة من ذاك الزمن، رائحة شوق عابرة التكنولوجيا من زمن اتسم بالبراءة والصدق والشغف وإذا بالصندوق فارغ إلا من شريط ذكريات ودفء يصارع صقيع حياتنا اليوم. عقود مرّت والصندوق فارغ طغى عليه الموبايل وعائلته التكنولوجية.
أجل لكل زمان رائحة روحه. لكن رائحة الأصل تبقى تفوح ولا أحلى من عطرها الأبدي.