وتابع الرئيس الأسد: “بعد عشر سنوات من الناحية العلمية هناك قطاعات جديدة ظهرت، هذا من جانب، وهناك بنفس الوقت في سورية تغيرات كبيرة، يعني لو لم يكن هناك حرب فعشر سنوات كافية لكي تغير أي مجتمع بشكل تلقائي، لكن عندما يكون هناك حرب فالتغيرات هي جذرية وبالتالي لا بد للعملية التعليمية أن تتغير بجوهرها باتجاه التطور بما يتماشى مع التغيرات العلمية من جانب والاجتماعية والوطنية من جانب آخر بمعنى أننا يجب أن نفكر باتجاه المستقبل والتطوير من خلال الدروس المستفادة من هذه الحرب”.
وقال الرئيس الأسد: “عندما تم تأسيس المركز في العام 2009 كان الهدف الأساسي في ذلك الوقت هو أن ندعم عمية التطوير التي تحصل في سورية بكوادر متميزة لأنه لا يمكن للتطوير أن يكون مستوردا بل لا بد أن يكون هناك إنتاج علمي وفكري وإبداعي محلي أما اليوم وبعد ما حصل في سورية وانطلاقاً من الدروس المستفادة فهناك مهام إضافية تضاف لكوادر المعهد الخريجين لاحقاً ليست فقط في المجال العلمي وهو ضروري وأساسي وبديهي وإنما في الجانب الاجتماعي، ما دمر سورية هو الجهل وهذا الجهل أخذ الناس باتجاهين، جزء من الناس ذهب باتجاه الإرهاب تحت عناوين مختلفة خاطئة وجزء آخر أخذ أشخاصاً يحبون وطنهم ولكنهم لم يفهموا في البداية حقيقة ما حصل، ولأن الجهل منتشر ذهبوا بالاتجاه الخاطئ وخدموا الإرهاب وخدموا الأعداء من دون معرفة ومن دون قصد، فإذا هناك دور أساسي يجب أن نفكر فيه للمستقبل يختلف عن الأدوار التي فكرنا فيها قبل الحرب ولكن لكي نتمكن من القيام بذلك لا بد من أن نسير في عدة اتجاهات من الآن فصاعداً بعد العودة إلى هذا المركز.
وأضاف الرئيس الأسد: “تطوير المعارف وهي طبعاً تعتمد بالدرجة الأولى على المعلومات ولكن لكي نستفيد من المعارف لا بد من أن نرفع قدرة التحليل كي نحلل المعلومة ونستفيد منها، ولكي نستفيد من التحليل لا بد من أن نعزز الحوار لأن الحوار هو الذي يحول التحليل من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية والحالة الجماعية هي الحالة الأكثر فائدة والأكثر إثماراً وإنتاجاً وصحة بشكل عام، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا بد من التركيز على الصفات الشخصية للخريجين وهذا الكلام أنا لا أقوله للأساتذة وإنما أقوله للطلاب أيضاً لأن مهمة تطوير الشخصية هي مهمة الأستاذ ومهمة الطالب أيضاً، يجب أن يعي المدرس أو المدرب هذه النقطة ويجب أن يعي الطالب أيضاً هذه النقطة، ويجب أن يعرف أن هناك واجباً عليه هو في تطوير شخصيته باتجاهات محددة”.
وتابع الرئيس الأسد: “عندما أعود إلى التحليل والحوار فالتحليل والحوار هي صفة ترتبط بالجانب العلمي وبالجانب الشخصي فلا نستطيع أن نفصل بين الأولى وبين الثانية، ولكن عندما افتتح المركز في العام 2009 كان موضوع تطوير الشخصية هو أيضاً العنوان الأساسي، يعني قلنا إن هناك عدة جوانب يختلف التفوق عن التميز فيها ولكن الأساس هو الشخصية، لم يختلف المبدأ، ما اختلف هو المتطلبات وهذه المتطلبات لو عدنا إلى ما رأيناه خلال الحرب نستطيع أن نرى بوضوح ما هي النقاط التي يجب أن نركز عليها وأنا سأبدأ من أشياء قد تبدو لكم هي من البدائه، سأقول أول نقطة بالشخصية هي محبة الوطن، لكن أريد أن أوضح نقطة، هي ليست القضية الحب بمعنى العاطفة، فلو سألنا سؤالاً هل يحتاج الوطن إلى عواطفنا، لا, هو لا يحتاج إلى عواطفنا، الموضوع مختلف تماماً، حب الوطن هو إنجاز وعمل، الوطن ليس بحاجة إلى عواطفنا بل هو بحاجة لعملنا، هو بحاجة لما نقدمه له، الوطن بحاجة لمن يضحي من أجله، لمن يعمل من أجله، لمن يقدم له، لمن يطوره، لمن يدافع عنه، هذا هو حب الوطن”.
وقال الرئيس الأسد: “فكرة التضحية ليست فقط التضحية بالروح، وإنما هناك أشكال مختلفة للتضحية، بذل الجهد بالحد الأقصى هو تضحية، العمل بالظروف القاسية جداً غير المعقولة، والبعض منكم مر بها خلال السنوات العشر الماضية أو زملاؤكم، هو تضحية، هناك الكثير من المتفوقين الذين أحبوا وطنهم ولكنهم لم يقدموا شيئاً له خلال الحرب وهناك مجموعات من هؤلاء أحبت وطنها ولكنها قررت أن الظروف صعبة وعليها أن تدير ظهرها وتهاجر وتسافر وغير مستعدة أن تتعذب، هي تحب الوطن ولكن تحب نفسها أكثر من الوطن، فإذا ما قيمة هذه المحبة وما قيمة هذا التفوق، لا شيء، لذلك عندما بدأت بكلمة محبة الوطن أو حب الوطن، ليس المهم أن نحب الوطن المهم كيف نحب الوطن، بالعمل وبالتضحية وبالدفاع وبالعلم وبالتقديم وبالإنجاز الخ، هذا جانب لكن الجانب الآخر لا يكفي أن نسأل أنفسنا كيف نحب الوطن، هناك سؤال مهم جداً، ماذا نحب بالوطن، لو سألت هذا السؤال الآن الكل سيقول الأرض والشعب؟ الشعوب تحب بعضها من خلال الأشياء المشتركة، المفاهيم المشتركة، العادات، التقاليد، العقائد كل ما يؤمن به الشعب، هذه هي المحبة، وعندما نحب الوطن نحب هذه الأشياء وننتمي إليها، إن لم نتمكن من الانتماء إلى هذه الأشياء فلا يمكن أن ننتمي للوطن، لا يمكن أن نكون ضد هذه الأشياء أو منفصلين عنها ونتحدث عن الانتماء، طبعاً عندما نقول ننتمي لكل هذه الأشياء والمفاهيم وغيرها لا يعني أنه لا يوجد أشياء سلبية يجب أن نتخلص منها ولكن لا نستطيع أن نتخلص من شيء أو أن نطوره أو أن نعالجه إن لم ننتمي إليه بالأساس، فاذاً لا بد من ان ننتمي لكي نتمكن من الإصلاح ومن محبة الوطن”.
وأضاف الرئيس الأسد: “ولكي ننتمي للمفاهيم والتقاليد والعادات يجب أن نفهم ونعرف ونقرأ التاريخ، لماذا، لأن الحاضر هو ابن الماضي، فلا نستطيع أن نطور الحاضر من الحاضر، يجب أن نفهم الحاضر انطلاقاً من فهم الماضي، وعندما نفهم كليهما نستطيع أن نعالج مشاكلنا، نستطيع أن نتلافى المشاكل القادمة ونمنع الوطن من الوقوع في أزمات مستقبلية بغض النظر عن نوع هذه الأزمات”.
وتابع الرئيس الأسد: “كيف نحب كل هذه المفاهيم ونعمل من أجل الوطن ونضحي ولكن لا نحب شيئاً أساسياً هو لغة هذا الوطن، لماذا اللغة، لاستعراض الفصاحة، لا، لكي نتعصب لشيء لأننا ننتمي إليه، أيضاً لا، اللغة هي حامل الثقافة والهوية بكل بساطة، إذا كان لدينا الكثير من الثقافة والفكر والمفاهيم والعادات والتقاليد ولكن لا يوجد شيء يحملها فقيمتها صفر، يعني الهوية غير موجودة، هذا هو أساس اللغة، لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن هناك مفهوماً خاطئاً بأن لغة العلم والإنتاج اليوم في العالم هي اللغة الإنكليزية، هذا كلام غير صحيح، كل الدول المتقدمة والتي تحترم نفسها تنتج بلغتها، الإنتاج العلمي باللغة الوطنية ولكن لغة التواصل بين العالم هي اللغة الاجنبية، فأنا أؤكد على أن تعلم اللغة الأجنبية هو ضروري بنفس المقدار ولنفس السبب لأننا لا نستطيع أن نفهم الثقافات الأخرى إلا بلغتها، لا يمكن أن نفهم الثقافات الأخرى بلغتنا، الفلسفة الأساسية التي أتى من خلالها العلم والتطور والسياق الاجتماعي والتاريخي لا نفهمه إن لم نفهم اللغات، لماذا تهتم الدول المتقدمة بلغتها، أولاً لأن اللغة هي التي تعبر عن الهوية باعتبارها هي الحامل للثقافة من جانب، ومن جانب آخر لأن اللغة هي أهم عامل من عوامل جمع الشعوب، فعندما تبدأ اللغات بالتراجع يبدأ المجتمع بالتفكك”.
وقال الرئيس الأسد: “الانضباط يبدأ بالفكر، انضباط الفكر، وهو ما نسميه المنهجية، تنظيم التفكير، احترام الوقت، احترام الزمن، لأن الزمن ثمين، في الدول المتخلفة والنامية لا يعرفون قيمة الزمن، التقيد بالقوانين، التقيد بالأنظمة، تقديس هذه الأشياء، تقديسها لا يعني بأنها لا تبدل، تبدل وتطور وهي دائماً فيها ثغرات ولكن طالما أنها موجودة يجب أن نتقيد بها، مهما امتلكنا من أدوات التطور والتطوير لا يمكن ان نحقق شيئاً من خلال الفوضى، والفارق بين التطور والتقدم هو هذه النقطة بالدرجة الأولى”.
وأضاف الرئيس الأسد: “الاحترام، أنا أريد أن أتحدث عن الاحترام بالمعنى العام، الاحترام لا يعكس الشخص الذي نحترمه، الاحترام يعكس انفسنا، يعكس تربيتنا فعندما نحترم الآخرين فنحن نحترم أنفسنا، وعندما نحترم أنفسنا سيحترمنا الآخرون، وعندما يحترموننا سيدعموننا، وفي العمل العام والعمل الوطني كلنا بحاجة إلى دعم الآخرين لكي ننجح”.
وتابع الرئيس الأسد: “كل هذه النقاط مهمة جدا لتشكيل مفهوم الانتماء، هذه النقاط الشخصية هي التي تعطي الجانب العلمي القدرة على أن يتحول إلى جانب تطبيقي، عدا عن ذلك فإذا كنتم متميزين بجوانب ضيقة ومتفوقين فلا يمكن أن تقدموا سوى العلم النظري الذي لا يمكن أن يكون جزءا من عملية تطوير الوطن، هذه النقاط هي التي تجعلنا متميزين علمياً وعملياً وقادرين على طرح الحلول للمشاكل الاجتماعية التي تواجهنا سواء كانت اجتماعية عامة أو قضايا تتعلق بالمؤسسات التي سنعمل فيها مهنيا في المستقبل، ودوركم عندما تمتلكون هذه الرؤية مع الوقت وتنضج أن تقوموا بدور اجتماعي، لا يكفي أن نكون متفوقين في المواد العلمية أو الأدبية أو غيرها، إن لم نكن قادرين على أن نكون مؤثرين في المجتمع في كل يوم فلا قيمة لكل هذه العلوم، لأنه بمقدار ما تبنى المجتمعات على التقدم العلمي بمقدار ما يبنى العلم والتقدم العلمي والتطبيق العلمي على مجتمعات متقدمة، فالعملية هي تبادلية”.
وقال الرئيس الأسد: “الطلاب الأحبة، عودتكم اليوم إلى هذا المركز هي رسالة لكل من عمل على تدمير هذا المركز أو أي مراكز أخرى في سورية ، وأنا لا أقصد الإرهابيين تحديداً، لأن الإرهابي جاهل، بالنسبة له وجود مركز علمي أو عدم وجوده، وجود علم أو وجود جهل، بالنسبة له كلاهما سيان، لا يوجد فرق، ولكن أنا أتحدث عمن دفع هؤلاء الإرهابيين للقيام بهذه الأعمال التخريبية، أتحدث عمن دفع لهؤلاء الإرهابيين كي يدمروا في سورية ولمن قادهم كما يقاد القطيع باتجاهات مختلفة لتدمير هذا الوطن، هذه الجهات هي التي تعرف قيمة العلم، هذه الجهات والولايات المتحدة مثلاً، أول هدف كان لهم بعد دخول العراق هو قتل العلماء فيه وطلبوا من سورية في ذلك الوقت ألا تسمح للعلماء أن يأتوا إلى سورية كلاجئين، تخيلوا هذا الطلب الوقح، فرنسا في عام1830 عندما احتلت الجزائر أول شيء قامت به قتل أساتذة اللغة العربية لأن عدد المتعلمين في ذلك الوقت كان بالأساس محدوداً، أغلب الناس كانوا أميين، هذا يؤكد على أن هذه الجهات تعرف تماماً ماذا يعني العلم وماذا تعني اللغة وماذا تعني الثقافة”.
وتابع الرئيس الأسد: “فعودتكم اليوم هي رسالة لهم، هي رسالة البناء في مواجهة التهديم والتدمير، هي رسالة العلم في مواجهة الجهل، هي رسالة بأنه إذا كانت المدارس والمراكز العلمية ومراكز التنوير هي الهدف الأول بالنسبة لهم فهي بالنسبة لنا الهدف الأول في الأعمار كحلقة أساسية من حلقات إعادة بناء الإنسان التي نتحدث عنها بشكل مستمر في ظروف الحرب، هذه العملية عملية إعادة بناء الإنسان التي لا تبدأ في المدرسة وإنما تبدأ في المنزل طبعاً ولكنها تتطور في المدرسة وتنضج في الجامعة والدراسات العليا وتختمر لاحقاً في المجتمع، لكن المدارس تبقى دائماً هي الحلقة الأهم، لأنه في المدارس تبنى الشخصية العلمية والشخصية الاجتماعية والشخصية الوطنية، فإذا عودتكم اليوم هي رسالة شؤم بالنسبة لكل من وقف خلف الإرهابيين ودعم التدمير وتآمر على سورية أما بالنسبة لأبناء الوطن بمختلف أطيافهم الوطنية فهي رسالة فرح ورسالة فخر ورسالة أمل بعودتكم وأمل بقدراتكم وأمل بإمكانياتكم وبتفوقكم وبقدرتكم في المستقبل على طرح الحلول وأمل بإنجازاتكم”.
وختم الرئيس الأسد بالقول: “أتمنى لكم أيها الأحبة كل النجاح في مسيرتكم العلمية حاضراً وفي الجامعة مستقبلاً وفي حياتكم المهنية لاحقاً، وأتمنى للكادر التدريسي والإشرافي وللقائمين على هذا المركز في هيئة التميز والإبداع ولدى شركائهم في وزارتي التعليم العالي والتربية كل التوفيق في مهامهم النبيلة، مرة أخرى أبارك لكم جميعاً وأشكركم على جهودكم وإخلاصكم لهذا المركز وللعلم وللقيم العلمية والوطنية”.
وكان المركز الوطني للمتميزين انطلق عام 2009 في حمص كمنارة علمية وطنية وكان هدفاً للإرهاب عام 2012 فغادرت كوادره وطلابه ليتنقلوا بين عدة محافظات في مراكز مؤقتة حاملين معهم تطلعاتهم وإرادتهم التي لم تنكسر ليعود المركز اليوم بألق جديد وتطلعات أكبر في المناهج والاختصاصات وأدوات التعليم والكوادر.
وقبل 13 عاماً كان الرئيس الأسد حاضراً في انطلاقة هذا المركز واليوم في أول أيام العام الدراسي الجديد بعد إعادة افتتاحه في حمص شارك الرئيس الأسد كوادر المركز وطلابه رسالة الفرح والفخر بالعودة والأمل بالقدرات والإمكانيات والإنجازات، رسالة البناء في مواجهة التدمير، العلم في مواجهة الجهل.