كتب ناظم عيد
“الأطباء يموتون باكراً”..عنوان جاذب ومدهش ومخيف أيضاً تضمنته دراسة حديثة لفتت إلى أن متوسط عمر الطبيب عالمياً ٥٦ عاماً.
أي إن من يتهافت عليهم البشر طلباً للشفاء والصحة والمساعدة في تمديد آجال الحياة، لم يستطيعوا تمديد آجال أنفسهم..ونتحدث هنا عن أبحاث علمية بعيداً عن حسابات مسلّمات التراث .
قديما قيل “الإسكافي حافي والحائك عريان” ..ولعله مثل لم يأتِ من فراغ، إذ دوماً في كلّ بلد و مدينة ثمة وقائع تشبه الدراما، تشي بضيق حال من يدبِّجون النصائح حول أفضل خيارات العيش للآخرين، وثبت أن ملكة السرد والتنظير لا تعني مطلقاً أن صاحبها بخير.
المقاربة الموضوعية تقودنا مباشرة إلى “نادي الخبراء السوريين” الذي تتسع دائرة الملتحقين به بشكل يدعو للدهشة، خبراء اقتصاد وتنمية وعقارات وزراعة وصناعة وسلسلة “كليشيهات” تلفحنا بجديد يومياً..لكن ماذا بعد تفاعل خبرات ورؤى كل هؤلاء..هل يبدو الحال أفضل، والأهم هل يتوافق “خبراؤنا” على رأي واحد في شأن ما، والأهم الأهم هل تبدو أحوالهم الشخصية على ما يرام..بما أن أكثر المنظرين بالشأن العقاري يسكنون بيوتاً مستأجرة؟؟؟
الواقع أن مزادات النظريات الجديدة والاجتراحات الخارجة عن المألوف، قد شتتت الجميع من أصحاب القرار في الأروقة التنفيذية، إلى الفلاح البسيط في أقاصي مناطق الريف السوري..وهذا هو “التشويش”، المصطلح البغيض فعلاً بمعناه ونتائجه الكارثية على الأرض.
المشكلة أن تشريعاتنا تخلو من عقوبات واضحة بحق “المشوشين” ..رغم أننا نستبعد تماماً النيات الخبيثة لدى محبي تسجيل الحضور في ميدان الخبرة، لكن النيات الطيبة لا تشفع عندما يكون الفعل و الأثر سلبياً.
بالعودة إلى المعلومة المتعلقة بمتوسط أعمار الأطباء التي بدأنا بها حديثنا، يمكن أن نستنتج كم هي صحيحة وجميلة مقولة “كلٌّ طبيب نفسه” ..
وبالقياس؛ علينا أن نقتنع أن الفلاح أكثر خبرة بعمله ورزقه من كل خبراء الزراعة، والمستثمر يجيد إدارة أمواله واختيار المطارح الملائمة أكثر بكثير من كل منظّري الاقتصاد..حتى نظريات كارل ماركس وآدم سميث و كينز لم تعد صالحة لهذا الزمان..فكيف ستكون نظريات “خبرائنا” الجدد صالحة في بلد يصارع من أجل البقاء و يدبِّر أوضاعه يوماً بيوم؟..
تخيلوا أن يكون الرجوع إلى تدابير أيام زمان هو الخيار الأكثر نجاعة، ونحن نجلد أنفسنا بنظريات و حكايا “خبراء” قد تكون جلّ غايتها حصد شارات الإعجاب والتفاعل على حساباتهم الشخصية في وسائل الميديا الجديدة..؟!
“دعه يعمل، دعه يمر” هي النظرية الأبلغ والأكثر إقناعاً اليوم.. دعوهم يعملون بلا تشويش.
* رئيس التحرير