كتب: مجد عبيسي
لعل من اغرب الاخبار الملفتة ان دولة مثل الولايات المتحدة والتي "تفتخر" بأنظمتها القانونية والضريبية، تواجه ازمة تهرب ضريبي على مستوى عالي من قبل أثرياء أمريكا الذين يدفعون ضرائب أقل من العمال والأسر متوسطة الدخل!
في الخبر أن العديد من كبار الأثرياء يستطيعون تقليص فواتير الضرائب الفيدرالية الخاصة بهم إلى لا شيء أو ما يقارب الصفر باستخدام استراتيجيات ضريبية قانونية، كما أن بإمكانهم خفض فواتير ضريبة الدخل الخاصة بهم عن طريق التبرعات الخيرية وسحب الأموال من دخل الاستثمار بدلاً من دخل الأجور.
وإن وقفنا عند هذه الثغرات في القانون الضريبي الامريكي، نجدها كانت مجرد محفزات استثمارية في وقت مضى، قدمتها الحكومة لدعم أهداف المسؤولية الاجتماعية والاستثمار.
ولكن في وقت لاحق، أدى هذا الى انخفاض التحصيل الضريبي لدى الخزانة الامريكية بمعدلات ضخمة، وبفارق غريب بين الاثرياء ومتوسطي الدخل وصل قرابة 16% في التحصيل بينهما!
وهنا نتحدث عن عشرات المليارات من الدولارات الضائعة، اذ أن ثروات نحو 25 ثري قفزت إلى اكثر من 400 مليار دولار خلال اربع سنوات فقط، ولم يكن التحصيل الضريبي منها سوى 3% من قيمة الارباح!
ورغم وعي الادارة الامريكية الجديدة للامر، ومقترحات التعديل في التحصيل، الا ان ذلك لم يشكل الا تغيرا طفيفا على الضرائب كون القانون الاساسي يحميهم ويؤمن لهم صناعة ثروات نقية دونما ضريبة.
وان وقفنا على هذا، نجد القانون 18 الجديد الناظم للاستثمار لربما ارتكب نفس الفعل حين افرد اعفاءات ضريبية للمستثمؤين بنسب 100% و75% و50%، أي أنه بعد عدة سنوات ستشح موارد الدولة مقابل تضخم نقي بثروات البعض "دون او مع" ضرائب طفيفة.
حينها ستظهر معضلة بضرورة تعديل هذه المواد بعد ان تكون قد تشكلت كيانات اقتصادية ضخمة شبيهة بكيانات اثرياء الحرب، مما سينعكس على توسيع الهوة الاجتماعية اكثر وانعدام الطبقة الوسطى.
ونحن هنا امام مفارقة.. اذ أن أمريكا لم يتأثر اقتصادها كثيرا نتيجة التهرب الضريبي "القانوني" كونها سارقة لاقتصادات الدول، أما في اقتصاد اعادة اعمار بعد حرب ضروس، فإن الخزينة بحاجة لكل قرش من صناعة او زراعة او تصدير، فلا يمكن ترك الاثرياء يحصدون ثروات نقية في وقت يوجه فيه الحمل الضريبي الاكبر للطبقة الوسطى، والتي يمكننا القول بأنها تلاشت تقريباً.