كتب: مجد عبيسي
منشور من بضع كلمات لوزير الزراعة.. فتقت الجروح والهموم المتراكمة لعقود في قطاع الزراعة، وتنذر بالأحمر إن لم تسعف بالمقترحات البناءة. قال الوزير في منشوره: "الى كل مواطن سوري يملك ارضاً. لا تتركوا قطعة ارض بلا زراعة الارض تنتج ذهباً" خمسة عشرة كلمة وثلاثة أسطر، أثارت شهية المئات بالتعليق بين مهلل ومنتقد ومقترح، فقد وجدوا على ما يبدو وزيراً قريباً منهم، ويتحدث لغتهم، فصوبوا وعتبوا، وسلطوا الأضواء على زوايا لربما كانت مخفية في عالم سورية الزراعي، وتعد هموماً لدى كثيرين لم يجدوا يوماً من يسمعهم أو يفهمهم.. فهجروا الأرض.
أسباب هجر الزراعة:
معظم الردود كانت أنهم على قلب واحد مع الطرح، ولكنهم بحاجة للمواد اللازمة للزراعة!!
وهنا نتساءل: وهل فقدت مستلزمات الزراعة حقاً؟! إن صح ذلك فهذا ناقوس خطر يجب أن لا يكف عن القرع حتى تهرع جيوش المسؤولين والمفكرين في مراكز القرار للإنقاذ، فهذا أمر لا يهمل، وإن فعلوا.. فباطن الأرض خير من ظاهرها لشعب بلد زراعي بامتياز مثل سورية.
يقول أحدهم: استغرب كيف لنا ان نزرع ونؤمن كل المستلزمات بأسعار السوق السوداء، أين الربح في هكذا مشروع ..؟
وآخر يعلق: الفلاح أرضه غاليه مثل ولد من أولاده
لكن مع الغلاء الفاحش للمصاريف والخسائر المتلاحقة، سيتجه الفلاحون لزراعة المحصول المضمون النتائج والسعر، وهو القمح لان تكاليفه الأقل بالزراعة وبالتالي سنرى فجوة وخلل كبير، وافتقاد محاصيل مهمة مثل البطاطا والخضار بأنواعها..
وهذا التعليق ينذر بنوع آخر من الخطر، وهو أن زراعة مادة قد تؤدي لفقدان مواد أخرى، إن لم توضع خطة صحيحة لتوزيع أنواع المحاصيل بالأراضي ودعمها بشكل متوازن.
وآخر علق بأن آفة ترك الأراضي هي فتح باب الوظيفة كمصدر للحياة لشريحة كبيرة من شباب القرى، وهنا ستنسى الناس الارض والزراعة، وتزداد الهجرة من الريف الى المدن، وبالتالي سيصبح المزارع قطع نادر وستزداد أجور عمال الزراعة عدة اضعاف لعدم وجود من يعمل بالارض.. أس أزمة تتوالد من أزمة.
وفي سياق متصل عزا آخر ترك الأراضي بوراً بسبب أن أغلب أصحاب الاراضي إما مهجرين ونازحين في غير قراهم، أو مهاجرين خارج البلد، أو عسكريين لا تسريح لهم، فأصبحت أراضيهم بوراً..
وتحدث آخرون أنهم يفتقرون في قراهم لجميع مقومات الزراعة التي لا يستطيعون تأمينها وحدهم مثل طرقات العبور والماء والكهرباء والبذار، والأسمدة والقروض والمبيدات.. إلخ
الفساد.. يحطم الزراعة:
ويسلط الضوء أحدهم على طريقة تعاطي المصرف الزراعي مثلاً مع الفلاحين، ومنح الدعم لناس على حساب ناس،
وتوفير البذار والأسمدة المغشوشة، والمحروقات مفقودة بطريقة غريبة..
إضافةً أن المنح الزراعية -وخصوصاً من المنظمات- توزع لأشخاص لا يزرعون!!!
وبالتالي تضيع بين التجار كسلعة تجارية، ويبقى الفلاح الحقيقي دون الدعم الموجه ولايملك قدرة الشراء!!
وهناك من اتهم مؤسسة الريجة بالفساد، وبإبرام صفقات فاسدة لشركات معينة، مما أدى لضرب مواسم التبغ لعدة اعوام متتالية، والتي يدفع المزارع أضعاف السعر بحكم أنها على الموسم.
مقترحات "قد" تنجح:
أبرز التعليقات كان ان الدولة هي مالكة لأكبر مساحات اراضي زراعية، ومعظمها غير مشغولة.. لماذا لا تستثمرها؟ الامر الذي ايده مواطن آخر بسؤال الوزير بأن من يرغب بالزراعة وليس لديه أرض، ألا يوجد إمكانية من الدولة لمنحه قطعة أرض في الريف القريب منه، كأن توجر الدولة أرض من أملاكها بمبلغ رمزي لمدة محددة؟! طرح آخر طالب بتوجيه الرابطات الفلاحية لإعطاء الفلاحين اولاً..!! فعلى ما يبدو أن الرابطات الفلاحية نسيت الهدف الذي أنشأت لأجله!! هناك من تسائل عن الخطط الانمائية لسهل الغاب، ولم يقصد هنا الخطط حبيسة أدراج المكاتب، بل خطط انمائية اسعافية بحيث يدخل الغاب مرحلة الإنتاج العلمي..؟ أحدهم اقترح طرح مبيدات وبذار مدعوم كرافد للقروض الزراعية، و إنشاء صيدليات زراعية نقابية او تابعة لدوائر الزراعة، مدعومة ومكفولة المواد. هناك من قضى بأنه يجب توزيع شتول وبذار مجانية لكل شخص يزرع، ودعم تسويق الانتاج، وعدم تلاعب سماسرة سوق الهال بالمزارع. كذلك ورد اقتراح بالتعاون ما بين وزارة الزراعة وإيكاردا لزراعتها.. حيث تبلغ مساحة ايكاردا في حلب ٩٤٧ هكتاراً وتصلح لزراعة القمح والشعير والبقوليات. ووجه أحدهم طرحاً لوزارة الزراعة مفاده أنه بإمكانكم وضع خطة متكاملة لمنطقة زراعية، تتوفر بها افضل من غيرها البنى التحتية المناسبة، وتأمين كل مستلزمات الانتاج مع اعفاءات ضريبية وتسهيلات تقدمها كافة الادارات المعنية، على ان تنشأ ادارة مستقلة للتسويق والمتابعة مع القطاعات الخاصة والعامة، ووضع هذه البرامج بتقليد دولة مثل هولندا.. وبعد نجاح المشروع يمكن تعميمه بالتدريج على كافة المناطق الزراعية في سورية. ولم تخل المقترحات من التغريد بعيداً قليلاً عن السرب بأن طالب أحدهم بزراعة السدود والانهار والمسطحات المائيه وخزانات السقاية الصغيرة والكبيرة بسمك كارب ومشط، وأن تربى الأسماك في أقفاص عائمة محمية.
ختم:
اليوم الدولة تحتاج قمح ولكنها لا تقدم اي حوافز او تشجع الفلاحين على زراعته، اليوم كل مواد الزراعة من السوق السودا وأهمها سماد يوريا ومازوت، الحل للنهوض بالزراعة هي كف يد التجار والسماسرة المسؤولين عن التلاعب بتعب الفلاحين، اليوم تحتاج لعمل لا إجتماعات وتوجيهات بالكلام.
ولكن من جانب آخر، لاحظنا أن هناك الكثير من الدعوات لتقديم الدولة الدعم بشتى الطرق للمزارع، وهنا السؤال: هل الدولة مازالت قادرة على التقديم وتمتنع عن ذلك؟!... ولم لا يعتمد المزارع على نفسه ويطلب طلبات منطقية قابلة للتحقيق لناء على الوضع الراهن من الدولة، كتسهيلات وموافقات؟
ولم ما زالت الحكومة تعول على الفلاحين بإمكاناتهم الضعيفة وأعدادهم الهزيلة؟!.. لم لا توجه رؤوس الأموال للاستثمار في الزراعة أسوة بكثير من دول العالم أقام أثرياؤها مشروعات زراعية ضخمة؟!