سيريانديز
طقس شتائي بارد ، هذا اليوم ، زاده كآبة وحزنا ، ما فعله التنين البحري ، بمواسم مزارعي محافظة طرطوس .. وكأن المصائب لا تأتي فرادى !
تأخر خبر اجتماع مجلس الوزراء اليوم ، وقد انتظرت – مثل كثيرين غيري – ما سينبثق عنه من قرارات ، بخصوص كورونا ، وبخصوص الواقع الخدمي والمعيشي والتمويني على وجه التحديد .
مع ورود الخبر في آخر ساعات العصر ، سألتني إحدى الزميلات إن كان من المناسب أن نبث تصريحا لأحد الوزراء ، تحدث فيه عن أن الأسعار في سورية لا تزال أدنى منها في دول الجوار ، وكان اعتراض الزميلة ، أن جمهور المتلقي ، سيبدأ بالنيل من القناة ، لا من التصريح .
كان جوابي أن يتم بث التصريح ، فوسيلة الإعلام لا تتحمل مسؤولية ما يصرح به المسؤولون ، وإن كان التصريح فعلا مستفزا ، لمن يقف للحكومة العتيدة " على دقرة " .
توالت مقتطفات من قرارات الجلسة الحكومية ، بين وزارات التربية ، والتعليم العالي والبحث العلمي ، والصحة ، وحين علمت بأن الحكومة قررت ترفيع طلاب الصفوف الانتقالية ، تذكرت اللغط الذي دار حول الموضوع قبل أسبوع ، واكتفيت بابتسامة من يسلم أمره لربه .
ومع تصريح الوزير الأكثر هدوءً واتزانا ، أعني وزير الزراعة والإصلاح الزراعي ، فإن باقي القرارات ، والتوصيات ، لم تعنني شخصيا ، وهي بالكاد تعني بعض المتابعين .
وقد أزف موعد مغادرتي عملي ، علمت بنبأ شفاء بعض الحالات ، ثم بنبأ إصابة جديدة بالفيروس اللعين .
قفز إلى ذهني سؤال لطالما ألح عليّ في الآونة الأخيرة ، هل الفيروس بمرحلة انحسار أم بمرحلة انتشار ؟
حسب تصريحات وزارة الصحة ، وحكومتنا العتيدة ، ومنظمة الصحة العالمية ، فإنه بحالة انتشار ، وحسب الإجراءات التي أسمع بها يوميا ، فكأن المشهد يشير إلى انحسار ..
غادرت مع هذه " الدويخة " ، وأثناء مروري بسوق الشيخ سعد ، انتابني إحساس أن هذا المكان ليس في الكرة الأرضية ، إذ لم أشاهد أي دليل على أن البلد يخشى وباء عالميا ، بل شاهدت اكتظاظا بشريا ، وباعة ، وسيارات ، ومواطنين ، ولا كمامات ، ولا قفازات ، ولا تباعد اجتماعيا !
الطقس بارد بالفعل ، وكيلو الليمون بـ 2000 ليرة سورية كما هو مدون على قطعة كرتون فوق كومة من الليمون ، في السوق ، البطاطا بـ 600 ، البندورة بـ 650 ، الخيار بـ 400 ، أما العوجا المسكينة فقد انخفض مؤشرها على 400 ليرة ، ليرتفع مؤشر الأكدنيا إلى 5000 ليرة سورية .
المضحك المبكي أن 4 خسات بـ 1000 ليرة سورية ، والبيضة الواحدة بـ 65 ليرة سورية !
الطقس ما زال باردا في الخارج ، والهواء يعصف ، وأنا أشعر بكآبة ما بعد الشراء ، حيث دفعت 800 ليرة سورية ثمن علبتي دخان حمراء طويلة جديدة .
بعد أن تسوقت تبغي ، ودفعت هذا المبلغ القاصم للظهر ، وحمدت الله ، على نعمة التدخين ، وإن كان البعض يعتبرها نقمة !
ماذا يفعل الفقير ؟
للفقير رب يطعمه ، بلا شك ، لكن ذلك ظل مسيطرا على خيالي ، حتى بعد إغفاءة ما قبل الإفطار ، والإفطار ، وما بعد الإفطار ، حيث صدمني فيديو نشره صديق عن كاميرا خفية في سوق للخضراوات واللحوم في العراق العظيم .
طفل يقصد باعة في السوق يطلب منهم " حسنة " أن يعطوه لأسرته الفقيرة ، ما يسد الرمق ، فيجيبه الباعة إجابات تستحق أن تخلدها الكاميرا ، وهم يغدقون عليه بالعطاء ، ليكتشف المرء أنهم ودونما إعلام وبهرجة ، يجمعون يوميا من فضل مالهم ، وربما مما هم أكثر حاجة إليه ، ليمدوا الفقراء بما يعينهم على نوائب الأيام القاسية ..
أبكاني الفيديو ، دمعت عيناي بحق ، وأنا على يقين أن بين فقراء بلدي ، من هم أكثر كرما ، وأن من بينهم من يوقف اللقمة عن نفسه ليعطيها غيره ، " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " ، وقد قال نبي الإنسانية : طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الأربعة !
أما اللئام ، فلطالما أوقفوا توزيع المعونة ، بسبب عطل في الكاميرا ، على ما يتندر بعض الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي .
ستزول الغمة بإذن الله ، وأتمنى أن نكون تعلمنا دروسها !
سامحونا !
(حسام حسن مدير أخبار قناة سما)