نحو تحالف اقتصادي وطني قادر على مواجهة التحديات القائمة والمتوقعة والمتمثل أقصاها في قانون “قيصر” الأمريكي، وقبله المنافسة الإقليمية الشديدة العربية والأجنبية، سواء ما كان منها قبل الأزمة أو خلالها وما سيتلوها، هو العنوان الرئيس لقطاع الطيران المدني السوري بجناحيه العام والخاص، وهذا هو فحوى الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس في وزارة النقل وخصَّه لـ”قطاع النقل الجوي العام”، حيث تم التركيز على مرحلة جديدة من الإجراءات لإعادة الإنعاش التدريجي والكامل لقطاع النقل الجوي عموماً، ولمؤسسة الطيران العربية السورية خصوصاً.
محطة تقويمية رغم تأخرها نسبياً، إلاَّ أنها جاءت في توقيت اقتصادي صائب، وضع قطاع طيراننا المدني على مدرج مرحلة إعادة البناء والإعمار، باعتباره أحد أهم المحركات الرئيسة لاقتصادنا الوطني، استعداداً لما بات -برأيه- أداة لقياس معدلات تقدّم أي بلد، ووسيلة فعّالة لترويج السمعة الطيبة ونقل الصورة المضيئة والناصعة عنه، ناهيكم عن الجانب الاستثماري القادر على فتح جبهات عمل وتشغيل وعائدية مالية وبالقطع الأجنبي.
ولعل في دعوته الجميع للعمل بإجراءات نوعية لاجتياز الصعوبات والتحديات، من أجل إعادة السمعة لهذا القطاع الاقتصادي الحيوي، الذي كان وصل في مرحلة ماضية إلى مرتبة متقدمة عالمياً على مستوى الكفاءة وجدارة الأداء والأمان، خطوة مقدَّرة باتجاه تشكيل أرضية متكاملة يتشارك بها العام والخاص، لينطلقا نحو مرحلة جديدة، تتناسب ومقوماتنا وإمكانيات هذا القطاع على النمو والتطور، حيث حان الوقت لنيل حصته الحقيقية من سوق النقل الجوي المحلي والإقليمي والعالمي.
ما يثلج الصدر أنه خلال اجتماع رئيس مجلس الوزراء بالقطاع في وزارة النقل السبت الفائت، كانت وعلى بعد بضع مئات من الأمتار وفي التوقيت نفسه، شركة “إيست وست إيرلاينز”، المشغل الجوي الوطني الثالث، تنهي المتطلبات والإجراءات القانونية والفنية والتشغيلية للدخول إلى السوق السورية، عبر المسابقة التي أجرتها على مدار يومين لاختيار- من أصل 1100 متقدمة ومتقدم – نحو64 مضيفة ومضيفاً جوياً، ومن ثم إجراء دورة تدريبية تخصصية لهم، تحضراً للعمل على متن طيرانها، وذلك استكمالاً لمجمل الكادر الذي تحتاجه الشركة والبالغ 154 موظفاً كحد أدنى: (30 إدارياً وفنياً وطياراً، و64 موظف حجز ومبيعات، و60 مضيفة ومضيفاً جوياً).
الـ”البعث” والتي تم دعوتها لمواكبة ما يشهده القطاع من تحضيرات وتطورات، تابعت حيثيات المسابقة التي أجرتها لجنة متخصصة تضم طيارين قادة على مستوى عالمي، وخبراء ضيافة وجودة إلى جانب عميد كلية السياحة، وكان لها لقاءات مع المدير العام للشركة الدكتور ناصر قيدبان والطيار القائد عماد شاهين مدير العمليات والتدريب، وعميد كلية السياحة الدكتور أيمن ديوب، حول أهمية هذا القطاع من مختلف الجوانب، وما سيحدثه دخول “الخاص” إليه، والانعكاسات الاقتصادية وغيرها، على مشهدنا الاقتصادي.
أكثر من ملحة..!
الدكتور قيدبان، شدد على أن الحاجة أصبحت أكثر من ملحة لترخيص شركات طيران تجارية خاصة (وتحديداً التي تثبت الجدية والملاءة) لتكون ليست منافسة لـ”السورية”، بل داعماً ورديفاً ومكملاً لها، تعمل جنباً إلى جنب معها لدعم الاقتصاد الوطني بموجب اتفاقيات تجارية مجدية اقتصادياً للطرفين، معتبراً أن سوق النقل الجوي السوري من أهم الأسواق في الشرق الأوسط، كونه سوقاً اقتصادياً وسياحياً وثقافياً.
وبلغة الرقم والمعلومة المقارنة، قال: قبل الأزمة كان هناك 36 شركة طيران عربية وأجنبية تشتغل في سوقنا إلى جانب “السورية”، ورغم ذلك كانت السوق بحاجة ماسة إلى شركات طيران تجارية خاصة تعمل إلى جانبها؛ لأنها لم تستطع بمفردها منافسة باقي الشركات، ولم تتمكن من نقل النسبة المفترض نقلها من الركاب، حيث تراوحت نسبه نقلها عام 2010، ما بين 11 – 18% كحد أقصى، فقد نقلت آنذاك ركاباً دوليين مغادرين فقط 176.648 راكباً مغادراً من مطار دمشق الدولي، بينما نقلت الشركات العربية والأجنبية 1.378.160 راكباً مغادراً دمشق الدولي، أي بنسبه ما بين ما بين 82 – 89% ، مرجعاً السبب إلى عدم وجود شركات طيران سورية تستطيع أن تشكل تحالفاً قوياً مع الشركات الخاصة في وجه المنافسة الحادة من قبل الشركات العربية والأجنبية التي تتحالف بعضها مع بعض، وفي هذا السياق أثنى قيدبان على تعاون وزارة النقل، ومؤسسة الطيران المدني، متفائلاً بما حققوه وما سيتم تحقيقه في ظل هذا التعاون المستمر، الذي سيعيد لقطاع طيراننا المدني حضوره الفاعل، عبر استرجاع حصته السوقية، وما يعنيه هذا من دعم كبير للاقتصاد الوطني، سينعكس زيادة في الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح قيدبان الأهمية القصوى لتوفير فرص عمل جديدة، وما يعنيه هذا من تكلفة، حيث ارتفعت كلفة الفرصة الواحدة إلى 115 مليون ليرة، بعد أن كانت في عام 2009 نحو 22 مليون ليرة، لافتاً إلى أن هناك فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، كما أن وجود شركة طيران جديدة سيشغل عدداً من القطاعات، ومنها مكاتب السياحة والسفر داخل سورية وخارجها، وهذا بدوره سيخفف نسبة البطالة، ويصب في عجلة الاستثمار الحقيقي، لافتاً أيضاً إلى ما تتحمله الدولة من تكاليف كبيرة لتوفير فرص عمل جديدة، وما على “الخاص” من دور في التحمل والمشاركة بهذا العبء المادي الكبير، وخاصة في مثل هكذا ظروف.
دخلنا السوق الحر والمنافسة..
أما ما يعنيه دخول مشغل جوي جديد فأكد الكابتن شاهين، أن وجود مشغل جوي جديد في سورية يعني أننا دخلنا السوق الحر والمنافسة، بعد أن كنا محصورين بشركة عامة واحدة لم تكن قادرة على المنافسة، مبيناً أن التنافس يؤدي إلى وجود خدمة متميزة وفتح خطوط جديدة، ومقومات أكثر للتنافسية في مجالاتها، وفي تقويمه لجدية الشركة قال: إن كل ما أنجزته يؤكد هذه الجدية المدعومة بملاءة مالية وبكوادر خبيرة قادرة على الإدارة والتشغيل بكل كفاءة، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على مجمل قطاعنا الجوي وخدماته لناحية تأمين المواطن السوري الذي يضطر لاستخدام المطارات المحيطة، وبالتالي خسارتنا للهام من العوائد المالية وبالعملة الصعبة التي تذهب للأسواق المجاورة نتيجة لظروف الحصار والمقاطعة، مبيناً أن الطيران المدني قطاع ربحي يفتح مجالات عمل كبيرة ومتنوعة مباشرة وغير مباشرة.
وحول سؤالنا له حول تمكّن الشركة من تحقيق المعايير التي يشترطها هذا القطاع، أكد أنه ورغم تغيير وارتفاع مستوى واشتراطات الترخيص، استطاعت “إيست وست إيرلاينز” تلبيتها وتحقيقها، وأنهم حالياً يعملون على استكمالها من مختلف جوانبها، وبالنسبة للجانب الفني لأسطولها (مستوى الأمان والجودة والخدمات..إلخ)، أكد أن كل هذا مدروس ومحقق، ووفق المعايير المحلية التي هي بالأصل عالمية، لافتاً إلى أن الشركة أخذت اسماً دولياً أولاً، ومن ثم تم متابعة الأمر مع الطيران المدني السوري، منوهاً إلى أن الأخير هو جزء من الطيران المدني العالمي ومعترف به، وحين الحصول على الاعتراف المحلي بالشركة، فأتوماتيكياً يتم الحصول على العالمي.
أما عن عدد الطائرات التي ستشغلها الشركة، فقال: هناك حالياً ثلاث: واحدة مملوكة للشركة، واثنتان مستأجرتان، والعقود منجزة ومنتهية، مشيراً إلى أن الشركة في نهاية المرحلة الثالثة من أصل خمس مراحل اللازم اجتيازها لحقيق الترخيص، متوقعاً أنه وخلال شهرين دخول الشركة حيز التشغيل والعمل. وبالنسبة لطواقم الطيارين اللازم توفرها لقيادة تلك الطائرات، قال: كل طائرة بحاجة لطيارين اثنين غير طاقم الضيافة والطاقم الفني، وسيتم الاعتماد على الطيارين السوريين ومن الشركة السورية للطيران المدني، معتبراً ذلك توسيعاً لأعمال وإيرادات السورية، وتحسيناً لمداخيل الطيارين السوريين.
قطاع أكثر من حيوي
الدكتور ديوب عميد كلية السياحة، رأى أن وجود أكثر من مشغل ومنافس في قطاع الطيران والسياحة، يعكس بشكل إيجابي مدى أهمية هذا القطاع، ومدى رغبة المستثمرين للاستثمار فيه، قائلاً: اليوم يجب أن نتفق على قضية ضرورية مهمة كثيراً في عملية الاستثمار، ومفادها أنه لو قسنا على دول العالم لناحية كيفية تشجيعها للطيران والسياحة، صحيح أنها تشتغل داخلها على عملية البنى التحتية الموجودة بالقطاع السياحي، لكن أيضاً تشتغل على البنية التحتية من ناحية ضرورة وجود شركات طيران كثيرة وتنافسية أكثر، وهذا يعني أن وجود شركات طيران جديدة ومشغلات جديدة، سيؤدي حكماً لتنافس إيجابي كبير، وبالتالي فمن المؤكد أن الكاسب الأكبر هو الاقتصاد الوطني والمسافر السوري، إذ سيكون هناك خدمات كثيرة وجديدة ستقدم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سينعكس ذلك إيجاباً لناحية التنمية الاقتصادية ولناحية تشغيل الاستثمارات، كون شركات الطيران عبارة عن مخدَّمات تخدمها عدة شركات، وهي بالمقابل تخدم عدة شركات (تشغيل المطارات، تشغيل المنشآت السياحية، سياحة المؤتمرات وغيرها، والتسويق للمنتجات الصناعات والزراعية المحلية، ودخول استثمارات جديدة… إلخ)، وبالتالي ستفتح المجال لتنامي فرص العمل ولقنوات ضرائب ورسوم جديدة، ترفد الخزينة العامة بالهام من القطع. هذا وغيره سيكون له أثر واضح في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ديوب نبه وردَّ على من يقول: إنه من المبكر العمل على وجود مشغلات الطيران..! بالتأكيد على وجوب العمل الآن وليس غداً، على كيفية استقدام واجتذاب قطاع المال والأعمال والسياح من الخارج، وعبر قطاع الطيران الوطني العام والخاص، كونه بالمحصلة قطاعاً وطنياً واحداً يسعى الكل للتعاون فيما بينهم من أجل أن يكون لطيراننا المدني وجوده الفاعل في السوق المحلية والإقليمية والدولية.
بشفافية..؟!
لعله من الضروري هنا الإشارة إلى أن جميع الدول العربية والأجنبية لديها شركات خاصة، فإيران مثلاً فيها أكثر من 20 شركة طيران خاصة، والأردن فيها نحو ١٠ شركات خاصة، والعراق نحو ٨ شركات خاصة، والسودان ومصر أيضاً فيهما أكثر من 20 شركة طيران خاصة، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يكون لدينا أكثر من مشغل جوي خاص وطني، وعلى قاعدة التكامل والتعاون والدعم المتبادل، الذي يحقق ما يصبو إليه هذا القطاع، وبالتالي اقتصادنا الوطني من نمو وتطور..؟!
قياساً على ما سبق نقول: ما دام لدينا قانون المنافسة وهو يحمي الجميع، نسأل أيضاً: هل أثر الترخيص للمصارف الخاصة وشركات التأمين والجامعات الخاصة سلباً على نظرائها..؟! وعليه وبالعودة لاجتماع رئيس مجلس الوزراء وما قاله وأكد على أهميته وضرورته، نرى من الحكمة والمصلحة الوطنية، التسلح بكل أسباب نجاح مثل تلك الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، فالهدف كبير والحصيلة مجزية، واليد ممدودة لكل ما من شأنه تعزيز صمودنا الاقتصادي، وما يعني هذا الصمود فيما نحن مقبلون عليه من استحقاقات، تعزيز يفسح المجال للجادين والجادين فقط.. وكم من جاد ينتظر..!
قسيم دحدل