سيريانديز- كتب:دريد أكرم زينو
كل ما قد يواجهنا في الحياة يكون إما محضَ صدفةٍ وقدر, أو نتيجة إصرارٍ ومتابعةٍ وعمل.
وجودي كمديرٍ لِمخبز آلي هو نتيجة إصرار وجهد وثقة من أصحابِ القرار الذين يرونني أحد العمالِ المثابرين والذين يبذلون أقصى طاقاتهم في خدمةِ عملهم ووطنهم " بحسب قولهم".
لكن أن يكون عملي في وزارةٍ يُديرها الوزير الدكتور عبد الله الغربي فهو لا شك قدرٌ مرسومٌ وفرصةٌ كبيرة لإثبات أننا نستطيعُ وبقليلٍ من التحفيز تخطي حدود مقدرتنا والتفوقَ على أنفسنا ضمن ذاتِ الإمكانيات وذاتِ الظروف الصعبة.
هذا ما حدث فعلاً في مخبز المزة الآلي الذي شاءت الظروف أن أكون مكلفاً بإدارته في ظلِ هذه الحرب اللعينة.
بدأ السيد عبد الله الغربي- الذي لم نسمع به قبل تسلمه حقيبة التجارة الداخلية وحماية المستهلك -أهمِ مفاصلِ الوزارة وأكثرها ملامسة للحياة المعيشية للمواطن ألا وهي صناعةُ الرغيف, تابع الغربي خطوة بخطوة عودة اللون الأبيض للرغيف الأسمر ولم يغب عنه للحظة.
استهل الوزير الغربي قراراته بالإقالة والإعفاء والإحالة إلى القضاء في أغلب مؤسسات الوزارة, ولم نسمع طوال عدة شهور من حملته الميدانية عن أي مكافأةٍ أو ثناء قبل أن يشرفنا بزيارته الليلية الأولى إلى المخبز بتاريخ 29-10-2016 والتي يبدو وأنها رغم انعكاس وقعها الإيجابي علينا كعمال من خلال الثناء الشخصي الذي كرمني به أو المكافأة المادية التي نالها العمال إلا أنها كانت فاتحة لزياراتٍ تكررت كثيراً فيما بعد من قبل السيد الوزير, يقول قائل "يحبكم .. رغيف الخبز قضيته الأولى ولن يتركه" ويقول آخر"إنه غضبٌ علينا ومحاولة منه لاصطياد غلطة الشاطر" ..!!.
فيما يقولُ صديقي هي نعمة, ونقمة: تقول زوجتي التي لم أعد أراها لأكثر من ثلاث ساعات في الـ 24 ساعة.
لايمكن لأحد أن يتنبأ بما يدور في خلد الوزير الغربي, فهو دائم التحرك وموجود في كل مكان.
لقد استطاع الوزير الغربي تحويلنا من عمال مخابز مجهدون منسيون يبذلون أقصى طاقاتهم إلى أبطال خارقين ينجزون ماكان شبه مستحيلٍ في ظروف عمل صعبةٍ للغاية كعملنا.
وفي الحقيقة انه لو لم يكن الشعب السوري بأكملهِ مثال حي للأبطال الخارقين لما استطاع البقاء على قيد الحياة في هذه الحرب .. وإثباتنا في مخبزنا, فبمجرد دخولك إلى المخبز تستطيعُ ان ترى بأم عينك كيف أن "سوبر مان" يجمع الخبز و"المرأة القطة" تعبئه .. "بات مان" يسحب عربة الخبز إلى صالة البيع, وهناك سترى "سبايدر مان" يبيعه للمواطنين, وإن تعمقت قليلاً في أرجاء المخبز سترى "الخارقون الأربعة–fantastic four" يعملون في قسم العجين حتى أنك قد ترى بعض التنانين الصينية تنفثُ النار لإنضاج رغيف الخبز, ومن المؤكد أنك لن تستطيع التفريق بين العامل والفني ورئيس الواردية عن المدير ففي أغلب الأوقات أكون كـ "الرجل الأخضر" أحاول منع المتنفذين من دخول المخبز أو "المفتش كادجيت" أتحرى عن البائعين أمام صالة البيع وفي أغلب الأوقات نكون جميعاً نشبه وجه "الرغيف العجيب" في نهاية يوم عملٍ مضني لا ينتهي أبداً, فقد اعتدنا أن نصل الليل بالنهار والجمعة بالسبت والأحد و وو ... إلى مالا نهايةٍ للتعب .
كل ذلك لأجل أن يصل رغيف الخبز إلى كل مواطن يحتاجه برغم محاولات الكثيرين للاصطياد في الماء العكر والتي لم تثنينا عن مهمتنا نحن رجال ونساء المخابز الخارقون .
الرغيفُ الذي حاربه الإرهاب والفساد منذ بداية الحرب, في محاولة لإنهاك الدولة السورية والشعب الأسطوري .. استطاع الصمود وسيبقى طالما هناك عمال مؤمنون بأن حقوقهم المنسية لابد سيأخذونها يوماً ما, الأمر الذي أكده الوزير الغربي في كل مرة من المرات الخمس التي زارنا بها والتي لامسنا وبشكل مباشر بأنه يعمل جاهداً لتحصيلها.
من المهم جداً أن نعي بأن الوطن باقٍ والتعب زائل لا محالة, وأن عجلة الحياة لن تتوقف في غياب مسؤول أو حضور آخر وعلى كل فردٍ منا ومهما كانت مهمته ومكانته في هذا الوطن أن يكون صانع رغيف خبز للحياة السورية في أي مكانٍ أو زمان ..
فرغيف الخبز لسوري ليس مجرد دقيق وماء .. إنه وبكل فخر رمزٌ للصمودِ السوري الأسطوري, ولنتذكر دائماً أنهوهناك على جبهات القتال .. رجالٌ وضعوا أرواحهم على أكفهم دفاعاً عن الوطن والأرض والعرض .. أولئك الرجال قد لا يصلهم شيء يأكلونه سوى رغيف خبزكم السوري .. فتذكروا هذا جيداً .