مكتب اللاذقية سيريانديز – طرطوس – سعاد سليمان
مفاتيح صدأة تتصدر صالة صغيرة تؤكد للمتفرج في الصالة أمام خشبة المسرح دخوله عالم فندق صغير متواضع، يذكر بفندق صح النوم الكوميدي للفنانين دريد ونهاد، لكن ظهور الشابة الجميلة بلباس الحداد ، يغير المشهد ، وهي تنفض الغبار عن الطاولة، وتصرخ بألم وتعب وملل من غبار طال المكان كما طال الروح ، وتراكم في حرب أخذت ، ولم يبق مع الشابة إلا نزيلين في فندقها المتواضع شبه المهجور، فندق ورثته عن والديها الذين قضيا في تفجير ما، وتحدث حبيبها الذي تراكمت الغبار على صورته المعلقة فوق جدار في غرفة الاستقبال تلك في الفندق البسيط، وهي مصرة على ترك الغبار تخبئ الوجه الجميل الذي احتفظت به في قلبها، وبينما يرفض عقلها الواعي وجود شاب هو كاتب روائي ماهر، تأخذه الثورة بأفكارها الوهمية في الحرية والديموقراطية إلى أماكن الحرب حيث يتعرض للسجن والتعذيب من أصحاب الثورة ، ويتمكن أخيرا من الهروب والعودة إلى حبيبته متعبا كرجل عجوز، فيجدها وقد تحولت هي الأخرى إلى امرأة هرمة ، قلبها يريده، وعقلها يرفضه إلى أن يجلس مسترخيا ويستسلم للموت .
في جو مأساوي سوداوي كئيب ينتهي بموت الحبيب العائد للتو ، وهروب نزيلي الفندق ليتزوجا بعيدا عن وفاء البطلة المهزومة ،
وفي غرفة الاستقبال ذاتها، في مشهد جديد، تعود البطلة وفاء لتنفض الغبار ، وتزين الغرفة بالورود ، كما تزين رأسها بوردة حمراء ، وتبتسم .
في اللحظة ذاتها،يدخل إلى الفندق عروسان، شاب وصبية مقبلان على الحياة عبر فندق وفاء الحزين الذي أضاء للتو ليؤكد استمرار الحياة ، وبداية مرحلة جديدة نأمل أن تبدأها سورية قريبا، بالخروج من نفق الإرهاب المظلم والعودة إلى الفرح بالنصر الأكيد .
مخرج العمل الفنان علي إسماعيل تحدث عن العمل قائلاً: المسرحية قد تكون صادمة لأنها تقول الحقائق كما هي .. فالمسرح فعل حياة لابد منه في مواجهة أفعال الخراب، والموت التي يتم الترويج لها عبر فضائيات الفتنة.. وهي دعوة للحوار والتفكير، وإعمال العقل في كل ما جرى ويجري في بلدنا، ونفض الغبار عن عقولنا كي نرى الأمور بشكل أوضح، لأن الدم السوري الطاهر الذي سال في شوارعنا، وعلى ترابنا يستحق منا تلك اللحظة من التأمل لرؤية المستقبل بشكل أفضل.
المعد الكاتب والصحفي محمد حسين قال : المسرحية محاولة لقراءة ما يجري في بلدنا بعيداً عن التابوهات، والشعارات الفضفاضة الجاهزة التي تكرست عبر يوميات الأزمة دماً ودماراً، ولذلك فهي تقول الأمور بشكل واضح لا لبس فيه أن ما جرى، ويجري في بلدنا ليس "ثورة" وأن من تغرر بهم لم يكونوا سوى (حطب) لهذه الثورة المزعومة التي حرقت الأخضر واليابس، ودمرت البشر والحجر، وعاثت فساداً لم تعرفه البشرية قطعاً للرؤوس وأكلاً للأكباد.
وقال : المسرحية تحاكم عقلياً المقولات التي تم تسويقها إعلامياً عن طهرانية "الثوار" والثورة الطاهرة.. وتلبيس الآخر لباس ابليس عبر شيطنته، عبر حكاية حب تجمع بين كاتب شاب وصبية حالمة عاشقة فرقتهما سنين الأزمة ليعود إليها خائباً مهزوما،ً وهي التي فقدت أبويها في تفجير إرهابي، أو قذيفة هاون لا فرق هنا، والمونولوج بين الشخصيتين هنا يشكل البعد البؤري للعمل إبداعيا،ً وصولاً إلى النهايات المفتوحة على الأمل بغد أفضل بعد انجلاء هذا الكابوس الثوري الدامي.
يذكر أن العرض المسرحي "قلادة الدم" الذي بدأ عرضه يوم الأحد الفائت على خشبة المسرح القومي بطرطوس من إخراج الفنان علي اسماعيل، وإعداد الكاتب والصحفي محمد حسين، وتمثيل الفنانين علي عبد الهادي _ ياسمين خدام _ محمد لطش_ حنين خليل _ علي سلمان _ مارلينا خليل، أما الإضاءة فللفنان نصر مغامس، والديكور للفنان بهجت عبد الرحمن.