بقلم رئيس التحرير علــي قـاسـم
لا يحتاج الحديث عن الدور المصري قياساً على أدائه في الأشهر والأسابيع الأخيرة، إلى كثير من الشرح أو التفسير بحكم أن ذلك الدور تخلّى طوعاً أو قسراً عن أحد أهم عوامل قوته، حين أدار ظهره لمسلّمات وثوابت في التعاطي مع قضايا المنطقة،
واتّبع سياسة التقطيع والوصل على مزاج المساحة الممنوحة له، ليكون إضافة في غير موقعها ولا دورها.
واعتماداً على ما شهدته القاهرة في التعاطي مع الأزمة في سورية من بوّابة المعارضة حصراً الممهورة بعباءات النفط يتكشّف الكثير من الجزئيات كما هو الأمر في العناوين، فيما البيان الذي صدر عن الاجتماع الأخير لما سُمي اصطلاحاً بالمعارضة بما فيه وما عليه لا يعني السوريين في شيء، لأن أحداً لم يأخذ رأيهم وحتى الذين وقّعوا عليه اعترفوا بأن الكثير مما جاء فيه لم يكن من إنتاجهم، ولا هو من صياغتهم!!
والأمر ينسحب على الهوامش التي يتحرك عبرها الدور المصري إقليمياً، والتي بدَت في أحيان كثيرة مجرد صدى للصوت الخليجي وتحديداً السعودي، بل كانت تحاكي في ظروفها ومعطياتها ما يطابق ذلك الصوت، ليكون إلى جانبه وأحياناً تقدَّم عليه في بعض الطروحات والمواقف ذات البنية التصادمية مع محيطه الإقليمي وواقعه القومي والعروبي.
اللافت أن الهوامش المصرية المسموح بها داخل العباءة السعودية بدَت ملتبسة حتى على المصريين الذين جالوا في فضاء السياسة الإقليمية غرباً وشرقاً بحثاً عن موضع قدم، كانت السياسة المصرية قد ارتضت التراجع عنه وبطيب خاطر في بعض الأحيان، ما خلق مساحات وفراغات سمحت لدول إقليمية أن تتمدمد وتتوسّع، وجالت معها بعض السياسات الخليجية تحت وَهم المشاركة في ملء الفراغ، وبعضها استطال في أدواره وتورّم إلى الحدّ الذي لم يسلَم منه الدور المصري ذاته إضافة إلى خلق حالة من الصدام المتبادل بين تلك الأدوار واستطالاتها المتورّمة.
الأمر لم يتوقف هنا، بل ذهب أبعد من ذلك حين حاولت تلك المشيخات أن تصادر الدور المصري والموقف المصري، بل في بعض الأحيان أصبحت تنطق باسمه فيما وقف متفرجاً دون أن يعترض، ما أثار حفيظة الكثير من المصريين، ولا سيما فيما يتعلق بالموقف من قضايا المنطقة التي تمسّ الموقف المصري مباشرة وترتبط بأمنه الإقليمي والقومي كما هو بالوطني بالطبع..
الواضح أن النفخ في القربة المثقوبة -كما هو معتاد- قد تجاوز الفاصل الزمني بين ما قرّرته لوائح أمر العمليات الأميركي، وبين ما فضحته خفايا الكواليس المعدة والكلمات والمصطلحات المرسلة بالبريد العاجل، والذي برز فيها الخط السعودي متفرّداً عن سواه من خطوط إقليمية، اعتادت العبث على مدى السنوات الماضية واحترفت التلاعب بهشيم المنطقة وفق مقتضيات الحاجة الأميركية.
ورغم القناعة بأن الاكتفاء بالهامش يشكّل بحدّ ذاته أمراً مريباً لجهة توقيته وأوراقه المعدة سعودياً وبشكل مسبق ليطرح الإشكال من بابه الواسع حول الصيغة المصرية التي تحاكي في الحدّ الأدنى التبنّي الكامل للنهج السعودي، بعد أن وجدت فيه حاملاً وقائياً يستبعد بحكم الأمر الواقع الوجود القطَري والتركي معاً، ليخرج علينا بحلّة سعودية خالصة لم يعدّل فيها اللبوس المصري شيئاً بقدر ما أضاف المزيد من الشكوك حول المرحلة القادمة وما تحمله من بيانات حرب إرهابية قادمة.
فالمسألة لا تتعلق بحلول سياسية متوقفة بأمر عمليات أميركي صريح وواضح، بقدر ما ترتبط بثقافة سلوك لتسويق ما عجزت عنه بيانات الإرهاب الميدانية والسياسية، سواء كانت مزنّرة بكلمات الحرب أم مفخّخة بمصطلحات السياسة، حيث الواقع يدحض الفكرة من أساسها، ويجعل أي حديث عن الحلّ السياسي مقدمة لبكائية سياسية لا تتوقف عند حدود الوهم، ولا تقتصر على التمنيات المدفونة بما فيها البحث عن سراديب الوصول إلى السلطة، وما عداه مجرد هوامش يمكن تأجيلها.
على هذه القاعدة لم يكن الحراك أو التحريك حتى اللحظة مجرّد تورية في رمال متحرّكة ولا هو غرق في مستنقع يبتلع ما راكمته أشهر الانتظار للعودة المصرية فقط، بل يحمل ملامح بيانات إغراق المنطقة في أتون الصراع المحتدم، لن يكون بريئاً منه الدور المصري وإن اقتضى أن يكون بحامله السعودي.
فمصر التي نعرفها لا تستطيع أن تكون خارج دورها ولا موقعها، حتى لو انكفأت لبعض الوقت أو ارتضى بعض سياسييها أن تكون غير ذلك، ومصر لا يمكنها أن تسمح بمصادرة دورها حتى لو توّهم البعض ذلك أو اعتقد أن بمقدوره أن يبقيه محكوماً بالهوامش الافتراضية، فهو مشتبه لأن مصر أكبر من عباءة نفطية، وأوسع من الوصاية وأقوى من المصادرة.
a.ka667@yahoo.com