رولا يازجي-سيريانديز
هناك لغط كبير و جوهري تم العمل على تسويقه لسنوات حتى بات مسيطراً على الوعي الجمعي عند الحديث عن إيران, سواءً الحديث عنها بصفتها دولة /شيعية / أو بصفتها تملك مشروع ثوري / تمددي / أو خلال التطرق للحديث عن قوتها وحصرها بما تملكه من /النووي /..تم العمل حثيثاً على تغبيش هذه المفاهيم الثلاث بما يخدم المشروع الصهيوأميركي..حتى بات الإنقسام العربي المنقسم لشقين ,قائم كلياً في أحد شقيه على التحشيد المذهبي وملحقاته من مصطلحات خاطئة ترسخت عبر التحريض وتزوير الحقائق, فبالحديث عن توصيف إيران بكونها فارسية /شيعية/ بالمطلق ,هناك تعتيم مقصود على التنوع الذي تحظى به بنيتها الداخلية ,فهي إمبراطورية متعددة الأقوام والإثنيات واللغات , وأما بمحاولة تصوير مشروعها الثوري على أنه مشروع / تمدد صفوي / والتي كان لملك الأردن السبق في تسويقها وتمريرها لتحتل الوعي الجمعي العربي بما يتطابق كلياً مع الرغبات الإسرائيلية ,فأجزم أن الغالبية العظمى من المؤيدين اليوم لما تحاول المملكة العربية السعودية تسويقه على أنه صراع سني-شيعي في وجه التمدد والهيمنة و وقف مشروع تصدير الثورة الإيرانية,لا يعرفون شيئاً عن أهداف هذه الثورة وإلا لكانوا السباقين في تأييدها,إسقاط الملكية وحكم الشعب ..ليتبعها فور توليها للسلطة وقف التعاون مع إسرائيل وإغلاق الثكنة الإسرائيلية في طهران وتحويلها إلى معسكر للمقاومة,وفتح سفارة لفلسطين ,هذه هي أهداف الثورة الإيرانية التي تقلق الحكم الملكي في الخليج والعدو الصهيوني في فلسطين,رسخت نظام جمهوري ديمقراطي عبر الإستفتاء وأعادت البوصلة نحو إسرائيل,وعملت على النهوض بصناعتها وعلمها بما بخدم مصلحة الشعب...أليست هذه رغبة كل الشعوب العربية التي تخضع لأنظمة ملكية وراثية !! أليست هذه رغبة الشعوب العربية التي لا ترى عدواً في هذه الأمة سوى إسرائيل!! نعم بالتأكيد,لذا كان لا بد من التعتيم وتشويه الحقائق عبر التحريض المذهبي, أما بالحديث عن أن قوة إيران الإقليمية ونفوذها في المنطقة قائم على إمتلاكها للنووي,فهو أيضاً عنوان تسويقي وهمي ,كانت حتى أيام قليلة تتكنى به إسرائيل حتى خرج علينا نتنياهو ليكشف القلق الحقيقي بعد التوصل لإتفاق مبدأي بشأن الملف النووي..فما كان يريده نتنياهو وفريقه المحالف له إن كان من جمهوريين أميركيين أو بعض دول "الإعتدال" العربي للأسف , هو أن تشن الولايات المتحدة حرباً على إيران بحجة إمتلاكها للنووي..لكن وبما أن سياسة أوباما جنحت بإتجاه التوصل لإتفاق بدلاً من شن حرب تشعل المنطقة..خرج علينا نتنياهو بكل وقاحة ليعبر عن أسباب قلقه الحقيقية حيث قال / نريد من إيران أن تعترف بإسرائيل /,إذاً قوة إيران ليست بإمتلاكها النووي وهي أعلنت مراراً عن إستعدادها لإعطاء كل الضمانات بأنها لا تسعى لتصنيع قنبلة نووية وأن النووي هو لتطوير أبحاثها ومشاريعها العلمية, القلق الحقيقي هو بتطوير دفاعاتها الصاروخية التي لم ولا تهدأ حتى في ظل الحصار الإقتصادي ,من البديهي أن تقلق إسرائيل فهي عدو معلن بالنسبة لإيران,لكن ماذا عن قلق الدول العربية وليس في تاريخ إيران كلها أي إعتداء أو مشاركة بعدوان على أي بلد عربي !! ماذا عن دعمها للمقاومة الفلسطينية! وماذا عن عرضها منذ سنوات بوضع كافة قدراتها العسكرية والتكنولوجية في خدمة الأمة العربية والتوجه معاً لمحاربة لإسرائيل,ذاك العرض الذي رفضته دول الخليج عبر إصرارها بتصوير إيران عدواً وليس جاراً مسلماً تجمعه نفس المخاطر بها ونفس العدو..حكام الخليج يحاسبون إيران على تقصيرهم ,في الوقت الذي كانت تسير فيه إيران إلى الأمام مع إلتزامها بقضايا المنطقة وتصديها للهيمنة الأميركية,كان حكام الخليج يوغلون بالتراجع إلى الخلف يربطون سياساتهم وإقتصادهم وعسكرتهم بأميركية في إطار التبعية وليس الندية... وأما بالحديث عن سورية ..ومحاولة تصوير ماتعرضت له من عدوان لا يغدو عن كونه ورقة من أوراق اللعب الأمريكية مع إيران ,وليست سوى بضحية لإنهاء الملف النووي ,فهذا تصوير قاصر ,سورية هي النقطة المركزية في قوة إيران و عمود محورها الفقري الواصل لإسرائيل, ولو أن سورية سقطت لكان تم عزل إيران عربياً وإقليمياً إلا فيما خلا إتفاقيات إقتصادية,إذاً الخوف هو من البوصلة الموجهة بإتجاه إسرائيل والتي تعرقل إتمام مشروعها في المنطقة ,هذه البوصلة تصبح منتهية الصلاحية من غير سورية,لذا لا نرى مبررات لدى المتخوفين من أن يكون الإتفاق على حساب سورية وليس في صالحها.... سورية بالمحصلة لم تدفع ثمن المواجهة الصهيوالأميركية مع إيران..هذا غير صحيح بالمطلق لا منطقياً ولا تاريخياً,سورية دفعت ثمن المشروع الذي إختارته لنفسها منذ عقود ..و الذي بناءً عليه وثقت علاقتها الإستراتيجية مع إيران لاحقاً,سياسة الرئيس الراحل حافظ الأسد والموقف من القضية الفلسطينية والتصدي للإمبريالية العالمية ,تسبق الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه و حَولت البوصلة بإتجاه إسرائيل عام 1979والتي تزامنت بعد عقد إتفاقية كامب ديفيد مباشرةً ..وهذا يُسقط نظرية / تصدير الثورة / التي يُقال بها,عندما خاضت سورية حربها ضد إسرائيل عام 1973 لم يكن هناك وجود للثورة الإيرانية بعد ,فحيث هناك قوى توجه بوصلتها إلى إسرائيل وتقف في وجه الهيمنة ,فمن الطبيعي أن تتحالف هذه القوى مع بعضها ,كما تحالفت حماس /السنية / مع إيران ومع سورية,وكما تحالف حزب الله مع إيران وسورية,سعت إسرائيل والقوى الغربية جاهدة لتحييد القوى السنية متمثلين بحكام الأمة عن القضية الفلسطينية ,لتصوير الصراع على أنه صراع سني-شيعي وليس عربي-إسرائيلي..لذا نرى أن الإصطفاف العربي المنقسم اليوم لموقفين,وقع أحدهما في فخ وهمي إسمه الصراع المذهبي..وهذا تبدى واضحاً من خلال موقفهم المؤيد للعدوان الأميركي-السعودي على اليمن العربي ,فإن كانت دوافع العدوان هي وقف الهيمنة الإيرانية فلماذا لم تطال هذه الغارات طهران بدلاً من اليمن! وأيهما أقرب جغرافياً للهيمنة على اليمن ,السعودية الجارة أم إيران !!