أيمن قحف
مع صدور هذا العدد أكون قد تحررت من عملي السابق في جريدة البعث التي قضيت فيها سنوات عديدة تشكلت فيها شخصيتي الإعلامية وتراكمت خبرتي..
منذ خمس سنوات دخلت في إجازة طويلة بلا أجر"استيداع"انتهت منذ وقت قصير بتركي صحيفة البعث التي تبقى في قلبي وذاكرتي لأتفرغ خلال تلك السنوات لعملي الإعلامي الخاص دون الوقوع في "شرك الازدواجية"..
لم أكن "بعثياً" لكن "البعث" احتضنتني وأعطتني الفرصة..
لن يكون الأمين القطري المساعد ورئيس مكتب الإعلام في القيادة القطرية من رؤسائي الكبار في العمل لذلك سأتحدث باستقلالية أكثر..
في سورية ما زال حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب الحاكم بحصوله على أغلبية برلمانية مع حلفائه تكفيه للاستمرار في"قيادة الدولة والمجتمع"بدون الحاجة لقوة المادة الثامنة من الدستور القديم!!
وبالتالي فقد تم تشكيل الحكومة بأغلبية بعثية مع الحلفاء في الجبهة ونسبة متزايدة من المستقلين.
إذا أردنا التركيز على الجانب الاقتصادي،فهناك اليوم مفارقة لا يمكن شرحها بدون مقارنة اليوم مع الأمس؟
المؤتمر القطري لحزب البعث أقر الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي في 2005،وانتخبت قيادة قطرية على هذا الأساس قادت إلى صدور الخطة الخمسية العاشرة التي مرت عبر الحكومة ومجلس الشعب وصدرت بقانون وقعه السيد رئيس الجمهورية لتكون سياسة عامة للبلد بحالة قريبة من "الإجماع"..
بدأت الحكومة العمل بهذا الاتجاه ولكن المفارقة أن جهات عديدة عرقلت عملية الانتقال وعلى رأسها القيادة القطرية نفسها!!
كنا نتابع كلام ومواقف العديد من أعضاء القيادة التي تنتقد وتهاجم سياسة اقتصاد السوق بشكل بعيد عن"البروتوكول"،وتم شخصنة الأمر وكأنه منتج قدمه شخص واحد هو النائب الاقتصادي عبد الله الدردري في حين أن الحقيقة تقول أنها سياسة بلد متفق عليها على كل الأصعدة...
مضت سنوات الخطة الخمسية،نجحت الحكومة في أماكن وفشلت في أخرى،ولكن الانتقال المنشود لم يتم وكان يتم"اختراقه وتنفيسه"من مواقع عديدة،ولم يقبل كثيرون قبول آلام المرحلة الانتقالية!
اليوم يعيش الاقتصاد السوري بلا هوية،فهو اقتصاد أزمة،تجد فيه قمة الانفتاح من جهة وقمة المركزية والحصرية من جهة أخرى.
بيضة القبان في عملية الانتقال كانت-وما تزال-هي تحرير أسعار المحروقات في إطار إعادة هيكلة الدعم وايصاله لمستحقيه،وتحت سياسة الأمر الواقع صدرت في الأشهر الأخيرة قرارات متتالية على طريق تحرير الأسعار،المفارقة التي ذكرناها اليوم تتمثل في الايجابية والدعم الذي تقدمه القيادة القطرية لاتخاذ هكذا قرارات،بل وحسب معطيات بين أيدينا فإن الحكومة تسير أبطأ مما ترغب به القيادة التي باتت مقتنعة بضرورة المضي قدماً باتجاه التحرير الكامل لأسعار المحروقات!!
للحكومة مبرراتها وظروفها المنطقية المتعلقة بوتيرة الانتقال،ولا سيما ضرورة تأمين الطرق الأمثل لإعادة توزيع الدعم ولا سيما مع وجود أحزاب حليفة –وخاصة الشيوعية-تعارض هذا التوجه وتدعو لدور أكبر للدولة والحفاظ على مكتسبات الطبقات الفقيرة في المجتمع.
كما أن للقيادة رؤيتها"الانفتاحية"التي تعكس حيوية جديدة في رؤية حزب البعث للجانب الاقتصادي.
بكل الأحوال،نأمل من القيادة أن تواصل هذا النفس الانفتاحي البناء وأن تواصل تعاونها مع الحكومة والفريق الاقتصادي و خبراء أكاديميين ومستقلين لإنجاز ملف إعادة هيكلة الدعم وتأمين حزم الأمان الاجتماعي للمواطنين الأكثر حاجة و فقراً،مع التأكيد على أن دوران العجلة الاقتصادية سيزيل-تلقائياً-الكثير من الهموم عن كاهل الدولة والمواطن،فالعجلة بدورانها تؤمن فرص العمل و تدعم الناتج المحلي وفرص النمو وهكذا سيكون الجميع بوضع أفضل..
ولا ننسى في الختام أن نضع قوانين واجراءات ميسرة لعمل القطاع الخاص وجذب الاستثمارات،والثقة بأبناء البلد وحماية استثماراتهم،فنجاح الاقتصاد يعتمد على دور متوازن ما بين الدولة والقطاعين العام و الخاص ودعم المبادرات والمشاريع الصغيرة حتى ولو كانت تشغل عاملاً واحداً!!
*هامش أخير:وأنا أختم افتتاحيتي ظهر أمامي على شاشة الفضائية السورية الخبر الذي يزعجني منذ ربع قرن...الاحتفال بتنسيب تلاميذ الصف الأول الابتدائي لمنظمة طلائع البعث؟!!!!!
دعوا الأطفال لطفولتهم فهم ليسوا في سن يسمح لهم أن يقرروا سوى اللعب والتعلم،وتذكروا أن تغيروا اسم المنظمة لتستوعب كل أطفال سورية الحبيبة فقد تغير الدستور منذ عامين ونصف!