أيمن قحف
في بلدنا طبقة من الموظفين والمديرين الذين يقومون بممارسات يكاد المرء يعجز عن إيجاد تفسير منطقي أو ايجابي لها!.. في بلدنا حجبت البيروقراطية الشمس عن أداء المؤسسات فغدا العفن سيد الروائح.. في بلدنا احتكر"الرفاق" التعيينات في المناصب فجاؤوا بجيش من المغفلين على رأس وزارات ومؤسسات مهمتها خدمة المواطن فتحولت لخدمة المسؤول الذي ترك الإدارة للبيروقراطيين "العفنين" ليتحكموا بالعباد وتفرغ هو للبريستيج والبزنس!
في بلدنا أصبحت الهوة كبيرة جداً ما بين "السياسات" الجميلة والتنفيذ المتعثر الفاشل المطعم بالفساد.. ندوخ"السبع دوخات" حتى نأتي بالمغتربين ليستثمروا، وعندما"يتورطون" نذيقهم أشكال العذاب وهذه إحدى القصص التي تطلعون على تفاصيلها في هذا العدد: مغترب سوري في ايطاليا صدق الحكاية وبدأ العمل في المنطقة الحرة بعدرا، عمل بشكل جيد رغم العقبات البيروقراطية، ربح وخسر حسب مقتضيات السوق، ولكن في لحظة ما صدر مرسوم بغايات نبيلة لحل مشكلة عمرها عقود تتعلق بالمتروكات في الساحات، ترجمه القائمون على المناطق الحرة بعقلية "عصملية" بأنه أباح لهم مصادرة آليات وسيارات الرجل التي لا يتجاوز عمر وجودها في الساحات عدة أشهر!!! يستطيعون أن يسوفوا ما شاؤوا لكن لن نقتنع أن من حقهم تدمير الرجل لأنه تأخر شهرين عن تطبيق مرسوم صدر لغرض آخر!! لقد داسوا عشرات القوانين عندما أرادوا أن يكونوا مرنين ولم يسألهم أحد واليوم غيروا رأيهم ولا ندري لماذا؟!
حالة أخرى هذه المرة في وزارة السياحة حيث تسهر هيئة التدريب الفندقي على "تأمين الكوادر"عبر تهديد معاهد التدريب بالإغلاق والغرامات في هذا الوقت بالذات!! .. أحد المعاهد "المحترمة"طور نفسه وانتقل لبناء عصري مميز ليمارس أفضل تدريب فندقي وسياحي، لكنه ارتكب "جناية" قبول سبعة طلاب زيادة عن مخصصاته! فهو في بنائه القديم الصغير سمح له بـ91 طالباً وفي البناء الضخم الجديد قبل 98 طالباً!!!
يا لثارات قريش!
لقد انتهك المعهد كل المحرمات والنتيجة: غرامة بحوالي مليوني ليرة وتهديد بإغلاقه نهائياً!!! وبالطبع من جرائم المعهد الذي يستخدم الكومبيوترات وتجهيزات بسيطة أنه "تأخر" في تقديم موافقة وزارة البيئة!!! وأنا أستمع لقصة صاحب المعهد أحسست أننا في سويسرا وفي زمن الهدوء والترف حتى وصلت الأمور لهذه الدقة!!
في كل يوم نستمع لهكذا قصص، موظفون لم يتغيروا ولا يدركون خصوصية الواقع الذي نعيشه، لا نريد أبداً أن تنتهك القوانين، ولكن نريد تعاملاً مسؤولاً يريح الناس ولا يستفزهم.. هناك أجواء تسامح لحماية البلد، هناك مراسيم عفو شملت حتى من حمل السلاح والمحكومين، خرج عشرات الآلاف ممن ارتكبوا جرائم مع تعهد بعدم تكرار الأخطاء وفتحت لهم صفحة جديدة، صدرت مراسيم إعفاء من غرامات وفوائد المصارف وغيرها .. الجميع يعمل على نشر روح ايجابية إلا الرؤوس العفنة وأمامنا ثلاثة تفسيرات لما يقومون به: أولها أنهم ذوي عقول متحجرة لا يستطيعون التصرف بشكل مرن وهذا لا يناسب الوقت الراهن، أو أنهم فاسدون يريدون الاستفادة عبر عرقلة أمور الناس، أو أنهم يتعمدون استفزاز الناس لأغراض غير بريئة وغير وطنية ليجبروهم على سلوك طرق تشوه صورة الدولة السورية في الداخل والخارج!
من يحب سورية والسوريين عليه أن يتصرف بمسؤولية تجاه البلد، وأن يفكر في كل كلمة أو قرار يصدره باسم هذه الدولة، ومن لا يرعوي لن يكون بإمكاننا أن نفسر تصرفاته ببراءة بعد اليوم!