فيينا - كتب أيمن قحف
كل عام وأنتم بخير .. إنه العدد الأول من بورصات وأسواق لعام 2012 .. أكتب اليوم من فيينا،حيث الهدوء يلف المكان ، ويمكن للمرء أن يتأمل أوضاع بلده بعيداً عن ضجيج الانفجارات وروائح الدماء التي تختلط بمطر الشتاء .. كلنا بحاجة للخروج قليلاً من جو “الهستريا” الذي
دخلناه ولم نعد نعرف كيف نخرج منه !
من هنا يمكن أن أدعو جميع أبناء بلدي لمراجعة مواقفهم التي تتصلب بشكل يعجزنا عن التفاهم على مسارات تحمي البلد وتدعم ثقافة “الاختلاف” دون كراهية ، والجدال دون إراقة الدماء .. لقد قررنا في بورصات وأسواق أن نستمر رغم الظروف الصعبة وتراجع النشاط الإعلاني وحتى الاشتراك في الصحف .. حتى الحكومة قررت “تخفيض النفقات” من خلال تخفيض نفقات الإعلان والاشتراكات التي لا تبلغ كلها قيمة إصلاح محرك سيارة !! قررنا أن نستمر لأننا سنبقى على تفاؤلنا بأن سورية قوية وستتجاوز المحن وستتغلب على جراحها.
قررنا أن نستمر لأن هناك عشرات السوريين يعيشون من نشاط صحيفتنا ولديهم عائلات وأطفال ، ولن نكون مثل من جنوا المليارات من خيرات البلد ثم هربوا وسرحوا عمالهم !
سورية بانتظار مرحلة جديدة ،أفضل بالتأكيد ، سيكون لدينا خلال أسابيع قليلة حكومة جديدة ، نأمل أن تكون ممثلة للسوريين بحق ، حكومة وحدة وطنية منبثقة عن إرادة الشعب السوري ، وليس حكومة “موظفين” لا حول لها ولا قوة! إن الحكومة العتيدة لن تجد صعوبة كبيرة في “إدارة” موارد البلاد الخصبة طبيعياً وبشرياً ،لأن ستكون لديها رؤية ناضجة لبناء مستقبل سورية ، وسيكون فيها رجال أكبر من الكراسي التي يجلسون عليها.
ستبني الحكومة رؤيتها على نقاش وطني تتفق على نتائجه القوى السياسية التي تمثل الشعب السوري، لذلك سيتعاون معها الجميع ولن يسمح لأحد ب”اختطاف” الحكومة لمصالحه الخاصة أو رؤيته الأحادية. ولكن مع الآمال المعقودة على حكومة قادمة قد تبكر أو تتأخر ، يكون السؤال : هل على الحكومة الحالية أن تعد الأيام حتى ترحل وتعمل –كما بدأت – كحكومة تسيير أعمال؟
باعتقادنا أن أمام الحكومة الحالية “فرصة ذهبية” لتقوم بدور “تاريخي” تجعل الشعب يذكرها بالخير ، هناك إمكانات كبيرة للقيام باختراقات قد تساهم في التخفيف عن المواطن السوري وعن الجيش والأمن وعن السلطة السياسية حتى! مصرون على أن في سورية موارد خصبة للغاية ، وأن دور السلطة التنفيذية أن تدير الموارد بشكل يفتح بوابات الأمل للناس ويحل المشكلات ويتجاوز الصعوبات .. ماذا يريد معظم المواطنين؟
يريدون فرصة عمل و معيشة لائقة وخدمات مقبولة .. يريدون “ديمقراطية” الأمر بيد الحكومة الآن لتثبت قدرتها على الاهتمام بالجميع.. يريدون “حرية” الأمر بيد الحكومة لتنشط تأسيس الأحزاب بل وتدعمها لتكون أحزاباً وطنية تعيد التوازن للمشهد السوري. يريدون “حماية المدنيين” الحكومة لديها قوات حفظ النظام التي يمكنها لو طورت أداءها وتم تدريبها جيداً أن تتعامل مع المظاهرات و الاحتجاجات دون ضحايا ودون الحاجة لإقحام الجيش . ويمكن إدارة ملف حماية المنشآت العامة بكفاءة أكبر. يريدون “حرية الإعلام” يمكن للحكومة أن تدير الملف الإعلامي بحرفية ونزاهة وذكاء يخدم الشعب السوري بأكمله ويبعد عنه صفة الإعلام “أحادي الجانب” !
يريدون “ازدهاراً” اقتصادياً ، هذا ملعب الحكومة الواسع الذي سقطت فيه بامتياز ، يمكن للحكومة أن تستدرك و تدير موارد الاقتصاد السوري وعلاقاتها الخارجية الاقتصادية بكفاءة أعلى ، يمكن للحكومة أن تستعيد رجال الأعمال الخائفين لإشراكهم في تنشيط الاقتصاد ، يمكن للحكومة أن تفتح الباب لشركات عالمية من خارج أوروبا وأمريكا والخليج العربي .
إن الاستثمار الداخلي أولاً والخارجي ثانياً هو أفضل حل لتنشيط الاقتصاد ، ومخطئ من يظن أن الوقت الحالي غير مناسب ، بل هو زمن الفرص التي سيكسب من يستثمرها ، فعندما ستهدأ الأمور ويأتي الجميع ستكون “الكعكة” بمتناول عدد أكبر أما اليوم فهي لأصحاب القلوب الجريئة الذين غالباً ما يكسبون..
نظرياً ..يبدو تفاؤلنا غريباً ، ولكن ما زلت متفائلاً بأن الشعب السوري قادر على صنع العجائب .. لأن “زمن الأعاجيب” لم يمض!