حسن م. يوسف
رغم أن خبرتي قلمت أظافر دهشتي، باعتبار أنني لست ابن البارحة إلا أنني، والحق يقال، دهشت عندما أبلغني الأستاذ محمد السواح رئيس اتحاد المصدرين السوريين أن البلدان المجاورة تشتري منتجاتنا الزراعية «دوغما»، أي دون تعليب وتوضيب، ثم تقوم بتعليبها وبيعها بثمانية أضعاف ثمنها.
وقد تحولت دهشتي إلى غيظ عندما علمت أن تركيا تشتري الكرز السوري، الذي هو من أفضل أنواع الكرز في العالم وتخلطه بما تنتجه من كرز قبل أن تضعه في عبوات صغيرة أنيقة وتطرحه في الأسواق العالمية بأسعار فلكية! وهذا يعني أن الكرز السوري يظلم مرتين، مرة عندما يبخس ثمنه ولا يحصل منتجه إلا على ثمن ثمنه الفعلي، ومرة ثانية عندما تطمس هويته الوطنية ويخلط بالكرز التركي لرفع نوعيته وتسويقه على أكتافه!
بعد بضعة أشهر من بداية الحرب الظالمة على بلدنا الحبيب سورية التقيت شخصاً يقدمونه في التلفزيون على أنه خبير اقتصادي، سألته إلى أين تسير الأمور في البلد، فتهدلت ملامحه وراح يهز رأسه بأسي كما لو أنه يقدم لي واجب العزاء بشخص عزيز، وبعد لحظات من الصمت الدرامي تنهد وقال، بما معناه، أن اقتصادنا المنخور بالبيروقراطية والفساد «إن احتمل لوحة فلن يحتمل الثانية». وقد تذكرته قبل قليل فوددت لو أعرف في أي البلدان ألقى عصا الترحال، كي أقول له إن بلدنا يمر الآن بمنتصف «اللوحة الرابعة» واقتصاده ما يزال يحتمل اللوحة تلو اللوحة! بل هو على ذمة الخبراء الجدد في تحسن مطرد!
لست خبيراً في الاقتصاد ولا متابعاً له، لكن توقف انحدار الليرة السورية وظهور مؤشرات على انتعاشها كان ولا يزال يثير اهتمامي حقاً.
بعض الجهابذة ارتأوا أن سر بقاء الليرة السورية واقفة في الميدان لا تفسير له إلا المبالغ الطائلة من العملة الصعبة التي ضختها وتضخها السعودية وقطر في جيوب أعضاء العصابات المسلحة الناشطة على الأرض السورية. فأموال هؤلاء تصب في السوق المحلية، وتساهم في دوران العجلة الاقتصادية. ومع أن هذا الأمر قد يكون له دور ما إلا أنه لم يقنعني أبداً.
قبل يومين قرأت وجهة نظر أثارت اهتمامي للسيد محمد السواح رئيس اتحاد المصدرين السوريين، يرى الأستاذ سواح أن انخفاض سعر صرف الليرة الذي تسببت به «القوى الضاغطة» التي كانت تعمل على ضرب الاقتصاد، قد أدى لتحريك عجلات عشرات الآلاف من المصانع التي تعمل في الظل باعتبار أن معظمها غير مسجل لدى الدولة ونظراً لأن «البنية الصناعية والزراعية والحرفية موجودة والمواد الأولية محلية الصنع موجودة أيضا» فقد بدأت البضائع السورية «المطلوبة لرخص أسعارها وجودتها» تشق طريقها بقوة في كل مكان، وخاصة في أسواق دول الجوار! مما أدى لارتفاع الصادرات بدلاً من توقفها، ففي العام السابق ارتفعت الصادرات إلى العراق «من مليارين إلى ثلاثة مليارات ليرة سورية. والعلاقة مع العراق لم تكن استثناء إذ ارتفعت الصادرات لمعظم الدول التي تستورد البضائع السورية مما أدى لانتعاش الاقتصاد كما لو أنه يوجد في سورية «اقتصاد ظل»!
صحيح أن معرض سيرياموتكس 2 الذي نظمه اتحاد المصدرين السوريين بالتعاون مع هيئة تنمية وترويج الصادرات في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في الفترة ما بين الخامس عشر والثامن عشر من الشهر الحالي، في بيروت، لم يحقق كل الأهداف المرجوة منه، رغم مشاركة أكثر من 200 شركة فيه، بسبب عدم تمكن تجار عدد من الأسواق العربية الهامة من القدوم إلى لبنان لحضور فعاليات المعرض. إلا أن المعرض اعتبر من قبل المراقبين بمثابة إعلان على خروج الصناعة السورية من عنق الزجاجة! والفضل في ذلك يرجع لديناميكية الإدارة الجديدة لاتحاد المصدرين السوريين الذي تأسس عام 2009.
أعتقد أن المنتجات السورية الصناعية منها والزراعية بحاجة ماسة لأن تتم حمايتها من ضعاف النفوس الذين يريدون تحقيق ربح سريع على حساب سمعة المنتج الوطني، لذا أرى أنه لابد من إحداث مركز علمي مستقل وموثوق للتحقق من جودة المنتجات الصناعية والزراعية قبل تصديرها، ويجب أن تكون شهادة هذا المركز ذات مصداقية حقيقية، تجعل المستهلك يقبل على السلعة بمجرد أن يرى عليها العبارة التالية: «المركز السوري للتحقق من الجودة يضمن هذا المنتج».