الأربعاء 2020-11-25 20:06:14 **المرصد**
رشاد كامل يتحدث عن عالم ما بعد كورونا.. العودة إلى المستقبل
سيريانديز- خاص
خبراء كثر بدأوا عملية التبشير لعالم ما بعد الكورونا او (كوفيد ١٩) كما يحلو لهم تسميته، و يتبارون عن الحديث عن عالم ما بعد الكورونا، العمل فيه من المنزل ، والمعاملات الحكومية رقمية وتتم عن بعد تماماً، و الدراسة عن بعد ولجميع المراحل وبشكل دائم، والاجتماعات الافتراضية ولا عودة عن ذلك، والتسوق عن بعد، حتى أنه بعض مواقع التسوق الالكتروني بدأت فعلاً عرض بيع منتجات السمانة (الخضار والفواكه والحليب وغيرها) عبر تطبيقاتها، متصورة ان المستقبل مستقبل ما بعد الكورونا لا شخصي فيه الا فيما ندر ... وتطول لائحة التنبؤات...
الامم المتحدة خلال هذا العام أطلقت مئات المبادرات حول العالم لعالم ما بعد الكورونا، وبدأت بالتبشير لحكومات اكثر مرونة واستجابة وشفافية واقل فساداً واكثر تقنية، في محاولة يائسة منها (أي مؤسسات الأمم المتحدة بأنواعها) في تنفيذ اختراقها الناعم على تمترس تلك الحكومات وبيروقراطيتها... عمليا اصبح (كوفيد ١٩ وعالم مابعد كوفيد ١٩) قبلة لكافة أعمال ومشاريع تلك المنظمة بمؤسساتها والتي اظنها ستتفاجأ قريباً جداً انها اضاعت سنة من التفاؤل بأن وباء الكورونا من الممكن أن يقحمها في عملية التغيير المستعصية عالمياً و خاصة في دولنا المنتمية للعالم الثالث محلياً..
إذا عالم مابعد كورونا لكن يشهد اختراقات تنموية ، سيعود الى ماكان عليه...
الصناعة، التجارة العالمية، الطيران، المطاعم، وكل ومن تأثر سلباً ام ايجاباً من سنة الوباء تمعّن في دراسة نبوءات عالم ما بعد الكورونا، فأمواله واستثماراته على المحك، وكل من تم صرفه من عمله، وكل من تم إعادة جدولة توظيفه باجور اقل بحجة الكورونا، ايضاً يدرس مستقبله لعالم بعد الكورونا..
والان قد انقشع الخوف وباقي امام البشرية أشهر قليلة لتعود للحياة الطبيعية، هل هناك عالم مابعد الكورونا فعلاً؟ وهل سيكون مختلف عما قبله؟ أي عالم ما قبل الكورونا؟
لنبدأ بالهدف التاريخي الاول الذي نحلم دائماً بتغييره أو تطوريه.. أي الحكومات، ما الذي حدث فعلاً... أو برأيي ما الذي سيحدث للحكومات حول العالم عموماً وفي منطقتنا خصوصاً؟
الحكومات حول العالم أوقفت موظفيها عن العمل، وفي مرحلة لاحقة ولبعض المؤسسات الجاهزة رقمياً طلبت الحكومات من قسم من موظفيها العمل من المنزل، وبعدها بأشهر طلبت منهم العمل ضمن المؤسسات الحكومية لكن بنسبة الثلث (أي فقط ثلث الموظفين يحضرون الى العمل)، وبعدها النصف، والى الان لم تعد الحكومات حول العالم للعمل بطاقتها القصوى، والواقع أن ما توقف، توقف، ولم تكن كل الحلول التقنية ولا الحكومة الالكترونية، ولا العمل عن بعد، ولا حلول الدوام الجزئي قادرة الا على انجاز البسيط من الخدمات الحكومية الأساسية وذلك حتى في الدول التي تعتبر الأولى في العالم في هذا المجال، فما بالكم بنا نحن .... على كل حال أمام هول الجائحة والاغلاق توقفت أعمال المؤسسات والأفراد ليس بسبب توقف المؤسسات الحكومية عن العمل أو بطئه، وانما لتوقف إمكانية العمل نفسه من بناء، أم تنقل ونقل، وتوقف المعامل، والإنتاج، وضرورات التباعد الاجتماعي، وتوقف دورة الدفع والقبض أو كما ندعوها "الكاش" ... وتأثير الحكومات وتوقفها الكلي عن العمل كان تأثيره عملياً لا شيء، فقط اكتسبت تلك الحكومات حجة كانت تنتظرها لعدم كفاءتها وهي سوء وبطئ ادائها بسبب الظروف ... الظروف القاهرة...
لكن هناك إيجابية اكتشفها المواطن من الكورونا وهي ان الحكومات حول العالم استطاعت تمديد صلاحية كل الوثائق المنتهية الصلاحية بقرار، قرار بسيط " كل الوثائق من الباسبورات والهويات والاقامات وكل الوثائق والوكالات ... و، و .... قابلة للتجديد قد تم تمديد صلاحيتها في معظم الأحيان الى نهاية العام 2020”.. مما يطرح سؤال حقيقي، لم يوجد إذا صلاحية زمنية لتلك الوثائق أساساً؟!!!
اكتشف المواطن والحكومة معاً أن اكذوبة الاتمتة الشاملة، أصبحت واضحة للجميع وأن الكثير من معاملات الدولة غير قابلة الآن للأتمتة الشاملة، هناك سلسلة من الإجراءات ، والوثائق والموافقات المتسلسلة، ومن جهات متعددة ، والتي لا يمكن هكذا ببساطة إنجازها الكترونياً وذلك لكلفتها العالية اولاً، ولحاجتنا لموظف يتقن التعامل مع الانظمة الرقمية العالية والمعقدة ثانياً، ولعدم تواتر طلبها من المواطنين بالشكل الذي يبرر اقتصادية تنفذيها ومردوديتها، فمعاملات التراخيص للمنشآت بأنواعها، والبناء، والاستيراد والتصدير الخاصة بالمواد الخطرة والسريعة العطب، وغيرها من المعاملات التي تحتاج الى الكشف البشري حالياً ومستقبلاً هي أمر غير ممكن ... لذلك سقطت أكذوبة الحكومات الذكية والالكترونية .... وفي الغالب سنعود بصمت الى أساليبنا القديمة في العمل، أي رقمنة العمل نفسه داخل المؤسسات، لكن الخدمة بالنتيجة يجب أن يتابعها المواطن بنفسه أو عبر وكيله ...
وخلال أشهر، سنشكر ربنا ان الحياة العادية الحكومية البيروقراطية قد عادت الى الدول، ونرضى بنوعية وسرعة الانجاز التي كانت قبل الجائحة، ونعتبرها إنجازاً...
إذا الخلاصة أن الحكومات ما بعد الكورونا هي أكثر استقراراً على أساليبها القديمة، وستتطور آليات تحصيل الرسوم والضرائب عن بعد، هذا برأي أكثر ي ما شغل تفكيرهم الآن ...
أما في قطاع التسوق عن بعد، فقد حدث عملياً تراجعان، الاول هو غزو المنتجات المقلدّة لتلك الاصلية في مواقع التسوق الالكترونية، تلك التي ترفع مسؤوليتها عن جودة المنتج وأصالته، فهي في نهاية اليوم (سوق بسطات) لا شركة مسؤولة عن منتجاتها...
والتراجع الثاني هو متعة التسوق الشخصي نفسه وتجربة التسوق والتحدث مع الباعة، فهي جزء مهم اشتاق له البشر حول العالم، لا بل بشكل جمعي ادركوا أن مستقبل التسوق الالكتروني يعود بأرباحه على قلة قليلة من ملاك منصات التسوق العالمية، ولكن التسوق الشخصي في الأسواق المحلية، يفيد المجتمع، ويزيد من فرص وجود أعمال حقيقية للمجتمعات في كل بلد، وهناك دعوات شبابية عالمية للعودة الى التسوق الشخصي، ليس لمتعته فقط وإنما لما شهدوه من تخلي لكبريات منصات التسوق التي ربحت المليارات خاصة في هذه الجائحة عن دعم موظفيها، مما عزز أفكار معارضة "لاقتصاد الغيغ" أي اقتصاد الاستئجار لخدمات الناس عوضاً عن توظيفهم (مثل أمازون- اوبر ... وغيرهم ).
لذلك ما بعد الكورونا سنشهد عودة كبيرة وانتعاش للتسوق الشخصي وانتهاء عصر الافتتان بالتسوق الالكتروني، وإن كان سيستمر وينمو، لكن هناك ضوابط ستوضع له وتنظمه، وبدأ الحراك القانوني عالمياً، لتحقيق ذلك.
أما أحلام العمل عن بعد، فقد بدأت فعلاً شركات عدة في التخطيط لعدم عودة موظفيها الى مكاتبهم أبداً، وأن العمل منذ الآن سيتم عن بعد ايضاً، ورغم أن هذه الدعوات تم اعتبارها في بادئ الأمر أنه أمر جيد ومستقبلي، لكنه سرعان ما تمت مواجهته بالرفض، فالعمل من المنزل، وبشكل دائم يحتاج لظروف خاصة وهي في الغالب غير متوفرة في شقق الموظفين الصغيرة التي قد تكون مؤلفة من غرفة واحدة، وفيها الرجل يعمل والمرأة تعمل، والأولاد يطلب منهم الدراسة عن بعد، وهذه عملياً تعدّ وصفة لكارثة، لا وصفة نجاح..
نعم نوفر تكاليف المواصلات من والى العمل، ولكن استهلاك الكهرباء والتدفئة في بيوتنا سيزيد، والحاجة الى بيوت كبيرة سيرتفع، والشركات ستجد نفسها مضطرة لرفع الرواتب لتعويض كل ذلك، او ان تعود الى سابق عهدها الى العمل من المكاتب...
العمل من المنزل قد يكون ممكناً لموظف خبير مدرب لديه العلاقة المناسبة في العمل وخارجه لإنجاز مهامه، لكن ماذا عن الموظفين الجدد، كيف سيكتسبون هذه المهارات؟ كيف سيبنون شبكات معارف العمل؟ وشبكات الزبائن؟ عن بعد؟ !!.. أشك في ذلك أنا والكثير من الخبراء الذين حذروا من أن العمل عن بعد يجب أن يحضّر له مناخ، هذا المناخ ربما تم فرضه قسراً أثناء هذه الجائحة، ولكن العمل عن بعد كما يجب أن يكون يحتاج الى ما بين 15 سنة الى 25 سنة قادمة ليكون فعالاً ولقطاعات محددة، فهل مثلاً من الممكن للممرضة أن تعمل عن بعد أو العمال في معامل تنتج مواد أو خامات او منتجات، هناك حدود لذلك، ثم السؤال الكبير، لماذا؟ ... هل ليحقق الموظف الذي يعمل عن بعد دخل أكبر، أم لصالح الشركات العملاقة؟... هذا سؤال جيل الشباب حول العالم يسأله وبوضوح هذه الأيام ... وسنشهد تغييرات لصالح 99 % من البشر مقابل 1% ممن يملكون عملياً كل تلك الصناعات.
إذا بعد كورونا سنعود للعمل بشكل طبيعي ... وبسعادة ... بيوتنا غير جاهزة
أما التعليم عن بعد ورغم كل ما يتم تداوله عن حلول التعليم عن بعد، هو كارثة باعتراف الكادر التعليمي، يتحملها الطالب والجهاز التعليمي والاهل، والجميع يعتبره فترة قاتمة وستمر، لكن الجميع متفق انه أقل نجاحاً من التعليم المباشر وحتماً سيتم التراجع عنه والعودة الى الشكل الطبيعي للتعليم في أقرب فرصة ممكنة...
إذاً التعليم بعد الكورنا سيعود بسعادة الى وضعه السابق
مع الأسف، خسرنا أشخاص نحبهم في الجائحة، وخسرنا أموال، وانهزت أحلام الكثير من الشركات الصغيرة الصاعدة، والتعافي النفسي والاقتصادي سيأخذ وقتناً، ولكننا تعلمنا من هذه الجائحة شيء واحد، الاشتياق الى الحياة الطبيعية، المليئة بالبشر وأصوتهم وأسواقهم وأفراحهم وأحزانهم، أنا متأكد أنه يوم إعلان الانتهاء من عالم الكورونا، سنخرج لنحتفل معاً... دون كمامة وبالتأكيد.
رشاد أنور كامل
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024