الأحد 2014-08-24 08:28:42 **المرصد**
لماذا الحرب الآن ضد داعش؟

 د. أشواق أيوب عباس
باتت الحرب على داعش السيمفونية الأكثر إثارة، والتي يعزف عليها الجميع الآن، لاسيما القوى الدولية التي اُتهِمت بأنها من أنتج هذا التيار الإرهابي ودعمه، أو من سوق له ورعاه على أقل تقدير (إعلامياً ومادياً وعسكرياً وأخلاقياً). سيمفونية يبدو أنها تُظهر خللاً واضحاً، وازدواجية فاضحة في السياسة الأمريكية والغربية تحديداً. فناهيك عن تسمية واشنطن لداعش في العراق بأنه تنظيم إرهابي، إلا أنها تنفي تلك الصفة عنه في سوريا أو تتغاضى عنه، رغم كون التنظيم ذاته في كلا البلدين، بنفس القيادة، وبنفس المسميات، وبنفس الأدوات والإجرام والوحشية تحت ما يسمى دولة الخلافة الإسلامية.
لعل ما يزيد هذه الازدواجية الأمريكية والغربية تعقيداً وعدم فهم (مع تنحية الحالة الداعشية في سوريا ومجازرها الكثيرة، والتغاضي الأمريكي عنها) هو موقفها من هذا التنظيم ذاته في الحالة العراقية الواحدة. فبأي معنى كان يجب على العراقيين والعالم أن ينتظر حتى وصول قوات داعش إلى مشارف أربيل حتى يعلو الصوت الأمريكي والغربي منبهاً إلى خطر داعش. داعش ذاتها التي ارتكبت مجازر وحشية، تحت مرأى الأقمار الصناعية الأمريكية، بحق آلاف العراقيين في الموصل ونينوى، دون أن ينبس الرئيس الأمريكي أو نظرائه الغربيين ببنت شفه. داعش ذاتها التي ارتكبت مجازر بحق "أقليات" أصيلة من مكونات العراق كالمسيحيين والأيزيديين، وقامت بتهجيره الباقي، وسبي النساء وبيعهن في أسواق النخاسة تحت نظر العالم كله، لا أمريكا وأوروبا وحدها. بل إن كل ما فعلته أوروبا وأمريكا، حتى قبل وصول مقاتلي داعش لمشارف أربيل، كان فقط دعوة المسيحيين للهجرة لأوروبا، والإعلان عن عزم الغرب استقبالهم وتجنيسهم. فعل غربي يبدو أنه يتناغم بشكل واضح مع فعل داعش ذاته، فالتنظيم الإرهابي الذي يعمل بشكل منظم على تفريغ الشرق من مكوناته وأقلياته الأصيلة، كشكل من أشكال التطهير العرقي للمنطقة. كذلك الحال للغرب الذي يدعو المسيحيين للهجرة، خوفاً من داعش بدل أن يقدم لهم يد العون للوقوف في وجهه والمحافظة على بلدانهم. الغرب يمارس وجه آخر للتطهير العرقي في المنطقة، داعش بوحشيتها، والغرب بفتح يديه وتشجيعه المسيحيين على الهجرة. وهي سياسة يبدو أن كلا الطرفين يسعيان من خلالها إلى إحداث خلل في الشرق عبر تفريغه من مكوناته الأصيلة، وثقافته المنفتحة، واستبدالها ببديل ذا نمط واحد، متطرف، إرهابي يشكل خلل وخطر على الجميع.
الموقف الأمريكي، وعلى حين غرة، تغير إزاء داعش في العراق، ليس لأنها قتلت الآلاف في الموصل ونينوى، وهجرت المسيحيين، ونكلت بالإيزيديين وسبت نساءهم وشردت الباقي منهم في أعالي الجبال ليموتوا خوفاً وجوعاً وعطشاً، ولا بسبب عشرات المجازر التي ارتكبته في سوريا على مدى أكثر من ثلاث سنوات. بل الموقف الأمريكي تغير لأن داعش باتت تقارب الخطوط الحمراء للمصالح الأمريكية (كردستان). أما مبررات هذا التغير فجاهزة، وما على واشنطن سوى وصف الروشيته السياسية الموصوفة عالمياً "مضاد إرهاب".
الأمر الذي يعني أن أمريكا لا تريد محاربة الإرهاب بذاته، وإنما تريد فقط حماية مصالحها، وضبط داعش وتحركاتها، ويمكن لها أيضاً أن تعيد إنتاج صورة جديدة لها في مكافحة الإرهاب، لاسيما بعد الاتهامات التي توجه لها من هنا وهناك بأنها داعمة لداعش وراعية لها. ويأتي بند حماية مصالحها فوق أي اعتبار، فالضربات العسكرية الأمريكية لمواقع داعش في العراق، لم تأت  لحماية وخدمة الأمن العراقي ووحدة البلاد كما يصورها البعض، ولا تنفيذاً للاتفاقية الأمينة بين البلدين والمسماة "اتفاقية الإطار الاستراتيجي"، خاصة بعد عدم استجابة واشنطن لطلبات الحكومة العراقية بمساعدة الجيش العراقي للوقوف في وجه داعش، غداة مسرحية الموصل الداعشية، وقيام مقاتلي هذا التنظيم الارهابي بذبح أكثر من 1700 عراقي في الموصل ونينوى، وارتكابهم مجازر بحق المسيحيين والإيزيديين. الضربات العسكرية الأمريكية لداعش في العراق جاءت عندما اقترب التنظيم الارهابي، أو كما يقول البعض "عناصر غير منضبطة منه"، من الخطوط الحمراء للمصالح الأمريكية (كردستان) فتحركت المقاتلات الأمريكية لتأديب الشاذين، ولتذكير داعش بالسقف المرسوم والمسموح لها في تحركها السياسي والميداني. وبذلك تكون واشنطن حققت هدفاً آخر في ذات الوقت، وهو التنصل من مسؤولية إرهاب داعش الذي وجهه العالم لها.
إن تطبيق هذا الكلام في السياسة ظهر واضحاً في قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2170(، والذي خلا من أية آليات فعلية حقيقية من شأنها أن تفضي إلى محاربة الإرهاب المتمثل اليوم بداعش وجبهة النصرة. القرار، ورغم أهميته الإعلانية والتوثيقية، في توصيف داعش والنصرة بأنهما منظمتان ارهابيتان، وإدانة من يساعد في تمويلهما، إلا أن ذلك غير كاف لمحاربة الإرهاب. فداعش باتت تمتلك مصادر تمويل خاصة به، وآليات حكم يمكن لها أن تدير شؤونها، ناهيك عن القدرة العسكرية التي زودت بها من الغرب وأمريكا حتى قبيل صدور القرار الدولي. يضاف إلى ذلك الرعاية الدولية لها، وتسويقها إعلامياً بأنها الخطر والقوة التي لا يستطيع لأحد أن يقف في وجه وحشيتها.
وحشية داعش المقصودة بذاتها، والتي تم الترويج لها إعلامياً بطريقة مدروسة وممنهجة، وغاية في الدقة، إلى الدرجة التي تدفع مقاتلي أي تنظيم لا يتفق مع داعش إلى الهروب خوفاً من بطشها، أو إعلان  الولاء لها حتى قبيل وصول  مقاتليها إلى المنطقة المقصودة.
هنا يمكن طرح الكثير من الأسئلة حول ملابسات القرار وتفصيلاته والنتائج المتوقعة منه. ليس أولها لماذا لم يدرج اسم أبو بكر البغدادي وأعوانه المباشرين على قائمة الإرهابيين التي أصدرها المجلس، والتي تضمنت  ستة أسماء (خمسة لأعضاء في جبهة النصرة، وواحد في داعش)؟ من الذي يزود داعش بالمخططات التفصيلية للمدن العراقية والسورية التي تدخلها مستغلة نقاط الضعف هنا أو هناك، والثغرات التي يمكن الاستفادة منها؟ علماً أن هذا النوع من المخططات عادةً ما يكون صورا للأقمار الصناعية. السؤال الأبرز ربما، هو أن الغرب وأمريكا يعلمون تماماً من يمول داعش، وكيف يصل المقاتلون والعتاد إليها، وهم أيضاً مشاركون تماماً، في تمويل داعش إعلامياً، ومالياً، عسكرياً، بل وبعضهم بات مستورداً أساسياً "لصادرات" داعش النفطية، ومصدراً لعتادها العسكري النوعي؟
إن مكافحة الإرهاب، سواء داعش أو غيره (الإرهاب هو واحد من افغانستان إلى الصومال، نيجيريا، سوريا، العراق، حتى في متطرفي أوكرانيا)، تقوم على أسس واضحة ومعروفة، وآليات لا يمكن إلا أن تكون على مستوى التنسيق الدولي والاقليمي للدول التي تعاني منه. المكافحة لا تقتصر على تدمير القوة العسكرية لداعش أو غيرها، بل بالقضاء على الفكرة التي تقوم عليها هذه التنظيمات "الجهادية" الإرهابية ومحاربتها، لا تغذيتها واستخدامها من قبل بعض الدول كوسائل وأدوات جديدة في سياستها الخارجية.
وهو على ما يبدو، حتى الآن، غير متوافر في النوايا والأهداف والمصالح الأمريكية والغربية والإقليمية. وإلى أن يستيقظ الجميع ويدركوا أن داعش هي خطر وجودي يتهدد الجميع, وأن وهم الاستثمار السياسي فيها هو انتحار جماعي, تكون داعش قد أصبحت في عقر دارهم, لتطبق على بلدانهم, هذه المرة, فلسفتها في "إدارة التوحش" !!

كلية العلوم السياسية – جامعة دمشق


 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024