الأحد 2010-09-12 05:44:20 **المرصد**
العيش في التناقضات
العيش في التناقضات
كتب أيمن قحف
كتب علينا نحن الصحفيين أن نكون على مقربة من الجميع في قمة الهرم وفي القاع، في أقصى اليمين، وأقصى الشمال، بين المسؤولين وبين العمال، بين رجال الأعمال وبين أفقر الناس، بين الصناعيين والتجار وبين مستهلكين لا يملكون ثمن ما يرغبون باستهلاكه..
كتب علينا أن نعيش مع كبار المسؤولين والشخصيات في النهار وأن ننام في بيوتنا البسيطة بالليل، ومعظمنا يرحل إلى بلده وأهله الفقراء ما بين الفينة والأخرى ليعود إلى تربته الأصلية.
لا يمكن لنا أن نصف عيشتنا إلا أنها “العيشة بين المتناقضات، وهو أمر تعودنا عليه وبدأنا نلبس أقنعتنا كل صباح لنواجه المسؤول بوجه متملق، لنخرج من عنده نتحدث بلسانه بدلاً من تبني موقف المواطن في كثير من الأحيان، ومن ثم نقابل رجال الأعمال بربطة عنق فاخرة، فنتحدث معهم وعنهم حول هموم المستثمرين، و“معاناتهم”.
ندخل الأزقة المظلمة فنبكي ألماً على ساكنيها الذين يحلمون بقليل من الشمس أو بعض الهواء وكسرة خبز، نكتفي بحزننا الآني ونغادر إلى حيث قد نجد الرفاهية وننساهم.
ندخل أقسام الإسعاف في بعض المشافي العامة، لنرى الموت يترصد الزوار الطارئين والتململ يبدو على وجوه العاملين الذين يتكونون في الغالب من أطباء متدربين، وممرضات ينتظرن بفارغ الصبر نهاية الوردية، نتأثر قليلاً وسرعان ما ننسى، وإن كتبنا عن هؤلاء ثمة من يتأثر ولكنه أيضاً سرعان ما ينسى.
إنها متناقضات تآلفنا معها، ولكن في وقتنا الحاضر بات علينا أن نتعايش مع متناقضات أكثر غرابة يدخل فيها النفاق عنصراً أساسياً، فهناك متناقضات داخل الشخص نفسه، ففي لحظة تدمع عيناه وهو يتحدث عن الوطن والمصلحة العامة، وفي نفس اللحظة تجده يوقع قراراً يستفيد منه ببضع دراهم وتخسر الدولة بمقابله الملايين و“ضمن الأنظمة والقوانين النافذة “ !!!.
في مكان آخر نرى تناقضاً ما بين الخطاب المدهش لهذا المسؤول أو ذاك الـ”بزنس مان” والذي تعتقد لأول وهلة أنه أنموذج يصلح للتدريس، ولكنك عندما ترى كيف يدير الأمور تستغرب من التناقض بين خطابه وأدائه.
ثمة تناقض آخر نراه في تطبيق القوانين والمراسيم التي تصدر لأهداف نبيلة ولكن من “يسهر” على تطبيقها يذهب بها إلى مكان آخر، يلغي تماماً روح المرسوم وأهدافه الطيبة.
وإلى المزيد من التناقضات التي نعيشها والمثال هنا عن نظرة المسؤول إلى سلفه حيث يعتبر معظم أصحاب المناصب أنهم “استلموها خرابة” وهم يعيدون البناء من جديد، ثم ما يلبثون أن يخرجوا من المنصب ليأتي غيرهم لاستلام “الخرابةمن جديد، هؤلاء أنفسهم يتحدثون عن نظرائهم وكأنهم حفنة من الاميين الذين لا يفقهون شيئاً، ويقنعوننا تماماً أنهم يعملون بمحيط جاهل لدرجة أننا نقول “أعانهم الله”..!
ولا يختلف واقع رجال الأعمال عن واقع المسؤولين فهم يجاملون بعضهم ويحضرون حفلات بعضهم البعض ويسافرون معاً في الوفود الاقتصادية، ولكن النفاق يغلب على العلاقات وترى الرجل يتحدث في وجه زميله بأفضل ما يكون وفي لحظة ينقلب عليه بمكان آخر، لـ”يطق له برغي” في مكان مؤثر ويهزأ حتى من خصوصياته الذي أطاعه عليها “بحكم الصداقة “ !!!
و لا يختلف مجتمع الصحفيين عن هذه المتناقضات فالصحفي اللامع والناجح يستقبله زملاؤه بالإشادة والثناء، وعندما يدير ظهره يتناولونه بأبشع الصفات، وتسمع من البعض في المجالس كلاماً يشعرك بأنك أمام أعظم الصحفيين، ولكنك عندما تقرأ نصاً له تستغرب وتكاد تقول له: إما أن تكتب مثلما تتحدث أو تتحدث مثلما تكتب، والمهم أن تعيش بالصدق الذي تكتب به للعموم.
حياتنا امتلأت بالنفاق وأصعب ما فيها أن النفاق تغلغل في مراكز القرار حتى يصعب على المرء أن يميز بسهولة بين المنافق والصادق لذلك كتب علينا العيش في المتناقضات..
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024