الأحد 2025-10-26 11:39:54 تحقيقات
اعادة الاعمار في سوريا.. بين تضارب الارقام وتعقيدات الواقع
اعادة الاعمار في سوريا.. بين تضارب الارقام وتعقيدات الواقع
خاص- سيريانديز
تحولت تقديرات تكلفة إعادة الإعمار في سوريا إلى ما يشبه بورصة متقلبة حيث يصل التفاوت بين تقدير وآخر أضعاف مضاعفة ما يثير تساؤلات حول الأسس المعتمدة في إصدار هذه الأرقام، ومدى دقتها وواقعيتها.
البنك الدولي قدر في بيان أصدره منتصف الأسبوع الماضي تكلفة إعادة الإعمار بـ 216 مليار دولار واصفا ذلك بأنه "أفضل تقدير متحفظ" لا سيما وأن الأضرار تشمل 82 مليار دولار للبنية التحتية، و75 مليارًا للمباني السكنية، و59 مليارًا للمرافق العامة، قبل أن يرد عليه وزير الاقتصاد والصناعة د. محمد نضال الشعار بتصريحات على هامش منتدى “المرونة المستقبلية” في لندن ليرفع تقديراته إلى تريليون دولار معتبرا أن إعادة البناء وفق المعايير الحديثة سترفع التكلفة إلى مستويات غير مسبوقة، مؤكدًا أن العملية ستستغرق سنوات طويلة وأن بناء المنازل وحده قد يمتد بين ستة إلى سبعة أعوام.
خبراء محللون اقتصاديون اعتبروا أن هذا التباين في التقديرات يعكس غياب دراسات علمية دقيقة وممنهجة، ويطرح إشكالية في منهجية احتساب الأضرار وتحديد الأولويات متسائلين هل تعتمد الجهات الدولية على صور الأقمار الصناعية؟ أم على تقارير ميدانية؟ وهل تُؤخذ الأبعاد الاجتماعية والسياسية بعين الاعتبار مؤكدين أن بقاء هذه الأسئلة بلا إجابات واضحة يعزز الضبابية التي تحيط بملف الإعمار.
وتؤكد المعطيات والدراسات أن عملية إعادة الإعمار تواجه تحديات عميقة أبرزها استمرار عدم الاستقرار الأمني في مناطق واسعة، وتدني الناتج المحلي الإجمالي الذي انخفض من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى 21.4 مليار في 2024 ناهيك عن العقوبات الدولية، وعلى رأسها قانون "قيصر" والتي تشكل عائقًا كبيرا أمام جذب الاستثمارات وتمويل المشاريع الحيوية.
وزير الاقتصاد في تصريحه علق آمالا كبيرة على إمكانية التوصل لاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من أجل دعم ملف إعادة الإعمار عبر منح الحكومة موارد طبيعية ومالية أكبر، خاصة أن "قسد" تسيطر على معظم الاحتياطي النفطي السوري البالغ نحو 2.5 مليار برميل، معتبرا أن هكذا اتفاق قد يفتح الباب أمام مشاريع استثمارية مجدية ويحقق "قفزة نوعية" في الناتج المحلي.
ويذهب فريق من الخبراء والاقتصاديين إلى أن رفع العقوبات وإعادة فتح طرق التجارة قد يساهمان في إنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار خاصة إذا تحسن استقرار قطاع الطاقة وارتفع عدد العائدين من اللاجئين، الذين بلغ عددهم نحو 780 ألف لاجئ و1.7 مليون نازح داخلي حتى منتصف 2025.
ولكن هذه النظرة المتفائلة تصطدم بواقع اقتصادي هش إذ توقع البنك الدولي نموا "متواضعا وغير كافٍ لتعويض الخسائر" مع استمرار ارتفاع معدلات الفقر وبلوغ الدين العام الخارجي نحو 104% من الناتج المحلي، ما يقيد قدرة الحكومة على الإنفاق الاجتماعي والاقتصادي، مع التأكيد إلى أهمية باقي المجالات الاجتماعية والخدمية والأمنية في إنجاح عملية أعادة الإعمار وفي هذا السياق يرى الخبير الاقتصادي تمام ديبو إن إعادة الإعمار ليست مجرد ترميم للبنية التحتية بل "إعادة كتابة للعقد الاجتماعي" وإعادة توزيع للفرص السياسية والاقتصادية، مؤكدا أن أي عملية إعمار ناجحة يجب أن تسبقها إصلاحات سياسية واجتماعية عميقة.
بينما يؤكد الخبير يوسف شريبا على أن الإعمار يجب أن يبدأ بإعادة بناء المؤسسات الخدمية وفق برنامج واضح وقابل للقياس حيث يسلط الضوء على انهيار الخدمات الأساسية، خاصة القطاع الصحي، حيث يوجد سرير واحد لكل 2000 شخص وهو أقل بثلاثة أضعاف من المعدل في دول الجوار.
في نهاية المطاف، تبدو إعادة الإعمار في سوريا أكثر من مجرد مشروع هندسي أو اقتصادي؛ إنها اختبار حقيقي لقدرة السوريين على تجاوز إرث الحرب وإعادة بناء الإنسان قبل الحجر، وبين تقديرات متضاربة، ومعوقات وتحديات اقتصادية، وتباين في الرؤى بين الداخل والخارج، يبقى السؤال مفتوحا: هل يتم إعداد خارطة طريق واقعية للانطلاق نحو الإعمار في الفترة القريبة القادمة.. أم أن هذا الملف سيظل معلقا بين طموحات معلنة وواقع لا يزال يفرض شروطه بقسوة؟
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2025