سيريانديز ـ نجوى صليبه
شهدت الحركة الثّقافية السّورية، مؤخّراً تأسيس عدد من الجوائز بأسماء كثيرة، ومع صدور نتائجها، يكثر الحديث عن مصداقيتها، ومدى استحقاق الفائز لها، حال هذه الجوائز حال الجوائز العالمية، وما يرافقها من إشاعات مرّة ومعلومات دقيقة مرّة أخرى، حول مصداقية أعضاء لجانها ودور العلاقات الشّخصية في تحديد الفائز، وغير ذلك..
كيف يتمّ تأسيس الجائزة واختيار أعضاء لجنة تحكميها، يقول مدير ومؤسس "دار توتول" المحامي الأديب محمد أحمد الطّاهر: "دأبت دار توتول للطّباعة والنّشر والتّوزيع منذ تأسيسها سنة 2019 على أن تكون دار نشر متميزة عن غيرها، ليس على المستوى المحلي بل على مستوى الوطن العربي، يرفدها بذلك كادر من خيرة الأدباء وهم: الرّوائي المسرحي محمد الحفري والرّوائي الإعلامي عماد ندّاف والرّوائي الرّاحل سهيل الذّيب، بالإضافة إلى الدكتورة عائدة الفهد المدير المالي والمنسق الدّائم لجائزة توتول التي تأسست فور تأسيس الدّار، فأصبحت عنواناً ترنو إليه أنظار الأدباء من كلّ أنحاء الوطن العربي، و"جائزة توتول للإبداع الروائي" السّنوية تعدّ فرصة للمتسابقين، للفوز بأحد المراتب الثّلاث التي جرت العادة أن تمنحها الدّار للفائزين، وهي ترعى سنوياً لا يقلّ عن خمسة فائزين يتأهّلون على مرحلتين، المرحلة الأولى وهي التّأهل للقائمة الطّويلة، وتشمل ستة عشر متسابقاً من كلّ الدول العربية، ثمّ المرحلة الثّانية وهي القائمة القصيرة حيث يتأهّل في العادة خمسة متسابقين للمراتب الثّلاث، وغالباً ما يتمّ منح المركزين الأوّل والثّاني مناصفةً وأحياناً الثّالث، وهذا التّأهل يستند إلى معايير أدبية وفنية دقيقة، من قبل لجنة التّحكيم المؤلفة من رئيس اللجنة الرّوائي المسرحي محمد الحفري، والرّوائي الإعلامي عماد نداف، والدّكتور الأديب عبدالله الشاهر، ونظراً لحجم المشاركات فقد انضمّ للجنة التّحكيم كلّ من الرّوائي أيمن الحسن والنّاقد الباحث أحمد هلال، وجميعهم من أصحاب الخبرة والدّراية النّقدية والأدبية، وتقوم الدّار في نهاية التّحكيم بإعلان النّتائج على صفحة الدّار، وتحدد موعداً للاحتفالية وتوزيع النّتائج، وهي طباعة العمل الرّوائي الفائز مجّاناً والحصول على شهادة التّميّز من الدّار، بالإضافة إلى درع الجائزة، وتقدم لجنة التّحكيم تقريراً فنياً عن الرّوايات الفائزة والأسس التي استندت إليها في اختيار الفائزين، علماً أنّ لجنة التحكيم توزّع عليها الرّوايات، مرقّمة بشكلٍ متسلسل، ويكون الاسم والعنوان مغفلاً، ما يجعل التّحكيم نزيهاً جداً، وما يدلّ على أنّ الجائزة قد حجزت مكانها الذي تستحقه بين الجوائز، فقد بلغ عدد المشتركين لهذا العام 2025 من كلّ الدّول العربية، 106 متسابقاً، من دون تقيّد بالسّن أو الجنسية".
لكن لماذا يشارك الأدباء على اختلاف مشاربهم في هكذا مسابقات؟ يجيب الرّوائي خليل العجيل: "حصلتُ على أكثر من جائزة عن رواياتي، لكنّني لا أكتب من أجل الفوز، بل من أجل البقاء.. الكتابة ليست هوايةً ولا مهنةً، بل امتدادٌ لحياتي وجزءٌ من روحي، ما يضجّ في داخلي من قصصٍ وتجاربَ لا يسكن إلّا حين يُسكب على الورق، لكل إنسانٍ رسالةٌ في الحياة، وأنا أؤمن بأنّ لي رسالةً لا أقبل أن تُختزل في رقمٍ عابر، أو أن أمرّ في هذه الحياة كأنّني لم أكن.. أكتبُ لكي لا أبقى على هامشِ الوجود، ولديّ الكثيرَ من التراكمِ والمخطوطاتِ التي أتمنى أن تصلَ إلى القارئِ والعالمِ قبل أن تتوقفَ حياتي، وحين أكتب، لا أفكّر في لجنةِ تحكيم، بل في القارئِ الذي يبحثُ عن نفسه بين السّطور، لا عن الكاتب.. أكتبُ لنفسي أوّلاً، ولمن يقرأني بصدقٍ، لا لمن يقيّمني بورقةٍ".
وحول الفارق بين الكتابةِ الحرّةِ والكتابةِ الموجّهةِ نحو الجوائزِ، يحدّثنا العجيل: "الفارق واضحٌ.. الكتابةُ الحرّةُ تنبعُ من حاجةٍ داخلية، من صوتٍ لا ينتظرُ تصفيقاً ولا يخشى رفضاً. أما الكتابةُ للجائزة، فهي غالباً مشروطة، تراعي ذائقةَ لجنةٍ أو شروطاً مسبقة، وقد تفقد بعضاً من روحها الأصلية في سبيل التكيّف مع المعايير، أنا أشاركُ في المسابقاتِ التي تمنحُ النصَّ فرصةً للنّضوج، وتضعه أمام لجانٍ نزيهةٍ، متخصصةٍ، هدفها تسليطُ الضّوءِ على ما يستحق.. كلَّ فترةٍ أنافسُ لأرى أين وصلَ نصّي، وأين وصلتُ أنا معه، ليس محلياً فحسب، بل عربياً وعالمياً، لأصلَ إلى قلوبِ القرّاءِ وعقولِهم في كلِّ مكانٍ في العالم، وعلى الرغمَ من كلِّ الظروف، أكتبُ وأعملُ وأكسبُ من عرقِ جبيني، حتى لو كانت أعمالاً شاقة، فقط لأبقى حرّاً، لا أتقيّد بجهةٍ، ولا أكتبُ لإرضاءِ أحد، وإذا صادفَ أن نالتْ كتابتي جائزةً، فهذا يعني أن أحدهم أنصتَ لما لم أجرؤ على قوله، وهذا وحده يمنحُ الكتابةَ معناها، ويمنحني سبباً للاستمرار".
وبالسّؤال عن مصداقية بعض الجوائز، يجيب الشّاعر قحطان بيرقدار وهو يؤكّد بضرورة عدم التّعميم: "موضوع شائك قيل فيه الكثير، وتناوله عدد من المهتمّين والمفكّرين والباحثين، تناولوه بالنّقد والشّرح والتّحليل ومنهم من عدّد إيجابيات الجوائز وركّز عليها، ومنهم من ركّز على سلبيّاتها، ومنهم من اتّهمها بمصداقيتها، ونفى مصداقية غالبيتها.. في هذا الزّمن أصبح الموضوع شائك جدّاً، وبالفعل هناك أمر خطر جداً يتعلّق بفقدان المصداقية.. نحن في زمن فقدنا فيه مصداقية كلّ شيء ولا ريب في أنّ الجوائز الأدبية بمعظمها دخلت في هذا المضمار، ونبدأ بالجهات المنظّمة ولا نستطيع التّعميم لكنّ غالبيتها ـ ولاسيّما الجوائز التي لها قيمة مالية كبيرة جداًـ هذه الجهات لا تقوم بالعمل لوجه الثّقافة والأدب وإعلاء راية الثّقافة، إنّما لمآرب سياسيّة واجتماعيّة وفكريّة، أي الأمر ليس خالصاً لوجه الثّقافة وخدمة الثّقافة العربية، والنّقطة الثّانية تتعلّق بلجان التّحكيم، فهناك عدد من هذه الجوائز باتت مكشوفة، وهذا الأمر بدأنا نسمع عنه كثيراً ممّن خاضوا هذه الجوائز، أي باتت لجان التّحكيم مخترقة وشريكة بالفساد الذي يتسلل إلى الجوائز الأدبية، ونرى لجان التّحكيم ربّما تتفق مع بعض المشاركين على نسبة مالية في حال كان الفوز من نصيبه، وأحيانا يُستأجر أسماء معينة للمشاركة، ويكون مثلاً عضو لجنة التّحكيم هو الذي كتب النّص الأدبي ولاسيما كما ذكرت في المسابقات الكبيرة.. الأمر ليس نزيهاً كما نتخيّل ونسمع ونقرأ، لقد بدأ الفساد يأخذ بتلابيب الجوائز والمسابقات الأدبية في الوطن العربي، أيضاً فيما يتعلّق بالمشاركين بالجوائز، هناك لغط حول مصداقية المشاركين، فهناك من يكتب لشخص آخر من أجل المشاركة في جائزة معينة ومقابل مادّي معيّن، وتلعب الأسماء النّسوية دوراً كبيراً في هذا المجال، كذلك العلاقات الشّخصية، ونضع ثلاثة خطوط تحت المشاركة الأنثى تلعب دوراً كبيراً في الفوز وتحصيل الجوائز وتحصيل أشياء أخرى، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد، ولا نعمم أبداً، أيضاً تحامل أعضاء لجان التّحكيم على أديب معيّن لأسباب شخصية ومحاولة استبعاده من جوائز معينة ولاسيّما في سورية".
وفيما يتعلّق بإقامة جوائز تحمل أسماء لا تملك رصيداً أدبياً كافياً لإقامة جوائز باسمها يقول بيرقدار: "سابقاً كنّا نرى أسماء تستحق أن تُسمّى الجوائز باسمها، اليوم اختلف الأمر وبدأنا نسمع أسماء ليس لها هذا النّتاج الأدبي الكبير وتُسمّى الجائزة باسمها لأسباب سياسيّة وتاريخيّة واجتماعيّة وأشياء غير نزيهة، مثلاً هناك جائزة قديمة جدّاً من أقدم الجوائز العربية تقام في إحدى دول الخليج باسم شخص ليس مرموقاً إبداعياً وليس جديراً بأن تحمل الجائزة اسمه، وكان الشّعراء والأدباء يشاركون فيها، لكنّه المال هو الذي يغيّر كلّ شيء ويلعب بكلّ شيء".
ويضيف بيرقدار: "أهم مقولة أركّز عليها الآن هو أنّنا قديماً كنّا نقول الجوائز الأدبية تساهم في تطوّر الأدب من خلال إبراز أسماء موهوبة حقيقية وشهرة هذه الأسماء، واليوم لم يعد هذا الأمر يتحقق، وبتنا نلاحظ أنّ الجوائز تبرز أسماء ليست مؤهّلة وليست ذات قيمة، وهذا مردّه إلى الفساد الذي يتسرّب إلى عدد كبير من الجوائز المهمّة في الوطن العربي، ولاسيّما في دول الخليج لأنّ الجوائز لها قيمة مالية كبيرة.. الفساد بدأ يتسرب إلى كثير من الجوائز، وكان الله في العون.. أتمنى أن تعود الثّقافة إلى ما كانت عليه سابقاً ويتلاشى الفساد الذي استشرى".