بورصات وأسواق – آية قحف

يعتبر دور الاتحادات والنقابات أساسياً وحيوياً في أي مجتمع على اعتبار تمثيل المذكورة شرائح متعددة من المجتمع ، وعلى صعيد سورية كان للاتحاد العام لنقابات العمال بصمة كبيرة في كل المهام الموكلة لها فكان خير ممثل للعمال ، وحمل همومهم ومطالبهم ، ساعياً لتحقيق كل ما يمكن تحقيقه ضمن الإمكانيات المتاحة  ، على اعتبار أن الأزمة خلفت ورائها الكثير من المصاعب والهموم التي لحقت بالعامل وحياته المعيشية ، وللتعرف أكثر على الإنجازات المتحققة والخطط المستقبلية  للاتحاد ، كان لبورصات وأسواق هذا الحوار مع رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري .

دور إنتاجي

 بداية ، كشف  القادري أن أدوار الاتحاد  ومهامه متعددة ، فمثلاً على الصعيد الإنتاجي هدفهم  اليوم إطلاق المعامل التي توقفت بفعل ما قامت به العصابات الارهابية في بعض المواقع ، والعمل مع الجهات المختصة في الحكومة لتأمين كل ما يتطلبه سير العملية الإنتاجية ، على اعتبار أن البلد اليوم ما تزال في حالة حصار قاسية انعكست على كل جوانب الحياة وعلينا تلمس كل السبل و الإمكانيات لتفعيل أي مفصل إنتاجي بحيث يستطيع القطاع الانتاجي عموماً بالتكامل مع القطاع الخاص أن يسد كل الاحتياجات أو على الأقل كل ما يمكن تأمينه ، لضمان استمرار عمل الاقتصاد  وإن كان ضمن الحدود الممكنة وليست المثالية .

توجيهات لتحقيق الأهداف

وتابع رئيس الاتحاد بأنهم  يطورون و يجددون على صعيد التوجهات و الأهداف والآليات بهدف تحقيق الأهداف التي يسعى الاتحاد إلى تحقيقها ، فمثلاً في الجانب الوطني مهمة الشريحة المنتجة أي العمال في المجتمع تصليب صمود الوطن وتأمين استمرار دوران العجلة الاقتصادية ، وأما على الصعيد الطبقي فمهمة الاتحاد تأمين فرص العمل وتحسين أجور وتعويضات العمال ، وهذا لا يتحقق إلا بانطلاق العملية الإنتاجية بشكل خال من المشاكل والشوائب رغم كل الظروف المحيطة ، مشيراً إلى تعاونهم مع جميع المفاصل التنفيذية لتحقيق هذه الأهداف الوطنية التي يعتبر تحقيقها  مسؤولية الجميع .

المطلبية أساس في عملنا

ونوه القادري بأن القضية المطلبية مهمة جداً ، لا سيما  أن ظروف الحرب و مفرزاتها خلقت واقع إنتاجي وعمالي واجتماعي  قاس جداً ، فالجميع  يعانون من آثار الحرب لكن العبء الأكبر يقع على أصحاب الدخول المنخفضة ، وبالنسبة للاتحاد هم جميعاً عمال و هذه المشكلة التي نعمل على حلها ، فواقع الحرب الاقتصادية التي تعانيها البلاد أدت إلى تآكل القدرة الشرائية للدخول و بالتالي انعكست بصعوبات كثيرة على الواقع المعيشي ، مشدداً على ضرورة تنسيقهم مع الحكومة على تلمس بعض السبل التي تحسن الواقع المعيشي الذي لا يتحسن فقط بتحسين واقع الدخول النقدية والتي هي مسألة أساسية ، لكن هناك منافذ أخرى مثل التخفيف من فاتورة العلاج على العامل و أسرته ،أو فاتورة التنقل بين مكان العمل الإقامة ، هنا من الممكن التخفيف من التثقيلات على أجور العامل ، وزيادة الكتلة النقدية المتوفرة لديه للاستهلاك .

وعود حكومية 

ولفت القادري إلى  تلقيهم وعوداً من الحكومة بتحسين الرواتب نتيجة وجود فجوة متراكمة خلال سنوات بين متطلبات الحياة و الرواتب ، ففي نهاية العام الماضي كان هناك زيادة و عدة مراسيم حسنت من تعويضات الراتب مثل المرسوم القاضي بمنح كافة التعويضات على الراتب على أساس الراتب من بدء التعيين ، وهذا حل مشكلة كبيرة فكانت كل التعويضات تحسب على أساس راتب عام 2013، لكن هذا المرسوم يعتبر قفزة في مجال تحسين الراتب ، وتحسين التعويض العائلي خطوة للأمام أيضاً حتى لو كانت بحدود منخفضة .

مراسيم قادمة مبشرة

وبين رئيس الاتحاد أنهم يعملون بالتنسيق مع وزارة التنمية الإدارية و الحكومة لتحسين الحوافز الإنتاجية و استطاعوا في بعض القطاعات  رفع قيمة الحافز لـ 40 ضعفاً وهذا رقم ليس بالسهل ،  مضيفاً عملهم  على معالجة أوضاع التعويضات بعض القطاعات كالإطفاء مثلاً ، فبالرغم من أن طبيعة عملهم صعبة جداً إلا أن تعويضاتهم تبلغ 5% فقط ، وهناك مشروع مرسوم لرفع طبيعة العمل الخاصة بهم إلى حوالي 35 %، ذاكراً أنه فيما يتعلق بالضريبة على الدخل هناك اتفاق مع الحكومة على إعفاء الحد الأدنى من الرواتب ، و يوجد مشروع مرسوم قادم بإعفاء الـ 100 ألف الأولى من الراتب من الضريبة بما يساعد في التخفيف من التثقيلات على الرواتب ، بما يحسن الدخل المتاح للإنفاق ، وصولاً إلى إعفاء كامل الدخل من الراتب ، مضيفاً بأنهم لتحسين حال المتقاعدين اتفقوا مع وزارة المالية على مشروع مرسوم لتشميل المتقاعدين من كل القطاعات بالتأمين الصحي ، من خلال بوليصة تأمينية للمتقاعد ممولة من الخزينة العامة للدولة ، ولكن لإثبات الجدية في استخدام البطاقة يتحمل المتقاعد 10% من قيمتها .

مطالب محقة

وأكد القادري أن هناك قضايا كثيرة يعمل الاتحاد عليها مثل القضايا الحقوقية فهناك عشرات الحالات التي يتدخل الاتحاد في مفاصلها وتكون حاصلة في مكان العمل ، بما يضمن حلها و ضمان استمرار العملية الانتاجية ، منوهاً بأن كل مطالب الطبقة العاملة هي مطالب محقة بالمطلق سواء كانت مادية أو حقوقية وبالتالي يعملون على بلورتها بشكل دوري، فمثلاً أنهوا خلال شهري كانون الثاني و شباط كافة المؤتمرات النقابية الخاصة بالاتحاد وتم جمع كل المطالب العمالية ومناقشتها في اللجنة الاقتصادية لتنفيذ كل ما يمكن تنفيذه في هذه الظروف ، لافتاً لوجود تجاوب إذ اتخذت عشرات الإجراءات وهي قيد الصدور ضمن الامكانيات .

تعديل قانون العاملين ضرورة

وشدد القادري على ضرورة تعديل قانون العاملين الأساسي في الدولة لأنه يحل قضايا حقوقية كثيرة ، فمثلاً هناك العديد من العاملين اضطرتهم الظروف للتعيين على أساس شهادة أقل من التي كان يحملها بسبب وجود اختلال في سوق العمل خلال الحرب ، و العرض كان أكبر من الطلب بالتالي من يملك شهادة جامعية كان يقبل على العمل بشهادة الثانوية و القانون رقم 50 لا يتيح للعامل تعديل وضعه ،وهذه المادة هي ضمن المواد الـ 15 التي تم تعديلها ورفعت لوزارة الشؤون الاجتماعية و العمل و بالنقاش مع المعنيين في وزارة التنمية الإدارية كان الحديث عن وجود قانون للخدمة العامة سيبدأ العمل به ضمن مشروع الإصلاح الإداري و سيشارك الاتحاد فيه ،وكل مكتسبات العمال سيتم الحفاظ عليها.

وأشار القادري إلى مطالبتهم  بإصدار التعديلات ريثما ينتهي النقاش حول قانون الخدمة العامة القادم ، الذي يأمل أن يكون عصرياً يقارب كل القضايا التي تحتاجها الطبقة العملة والواقع الإنتاجي ، ويحدد العلاقة بدقة بين الحقوق الواجبات لكلا طرفي العملية الانتاجية وهي رب العمل المتمثلة بالحكومة و العمال.

مصلحة العمل الأساس

وبين رئيس الاتحاد  أنه بكل مجالس إدارة الشركات والمؤسسات يوجد ممثلون عن الاتحاد يمارسون دورهم المطلوب بشكل كفؤ وعند وجود أي خلل بمصلحة العمل يتحفظون على سبب الخلل ويرصدون أيضاً بعض مظاهر الخلل ، ليضع الاتحاد السلطات المختصة بصورتها ليصدر قرار بمعالجة الخلل  ، وأي ممثل يشعرون أنه لا يأخذ دوره بالشكل المطلوب يتم العمل على تغييره دون مراعاة اي اعتبار آخر سوى مصلحة العمل .

أمثلة حية

وقدم القادري نماذج وأمثلة مختلفة عن مجالس إدارة تصطدم بخيارات قاسية ، وبظروف شبه مستحيلة ، مثلاً هناك بعض الشركات الانتاجية تمارس العمل بخطوط إنتاج قديمة ، وطالب الاتحاد بضرورة الاستبدال و التجديد للتقانات المستخدمة منذ ما قبل الأزمة وكان هناك بعض التراخي في هذا الموضوع ، وخير مثال  قطاع الغزل و النسيج التي تعتبر سورية من الدول الرائدة فيه وكنا نعول علية ليكون قاطرة للنمو في سورية باعتبار أن كل مدخلاته محلية إلا أنه يعاني من واقع قاس جداً ، فبعض الآلات قديمة من عام 1950، والقطاع يواجه تحديات قديمة بعضها وضعناها نحن مثل اتفاقية منطقة التجارة العربية الكبرى بالعام 2005 فأي قطعة إنتاجها 40% عربي تدخل السوق وهذا وضع القطاع بمنافسة غير متكافئة ، فالقطاع غير قادر على منافسة بضاعة تصنع بآلات حديثة جداُ بالنسبة لآلاته ، بالإضافة إلى اتفاقية تحرير التجارة مع تركيا التي خلقت مشكلة مشابهة ، فقطاع النسيج العام والخاص دخل في منافسة غير متكافئة ، وهذا ولد إغلاق 6000 منشأة للتريكو في حلب و دمشق ، بالاضافة لندرة القطن و الغزول لتشغيل الشركات .

إدارة مالية ذاتية

ونوه القادري بأنهم يديرون أملاك الاتحاد بمنتهى الكفاءة فما هو قابل للاستثمار يتم استثماره من خلال الإعلان وإتاحة الفرص لكل العاملين في هذا المجال وما هو غير قابل للاستثمار يتم العمل على تأهيله ليكون منتجاً ، ومن هنا أمن الاتحاد مستلزماته بشكل ذاتي ،فمثلاً في العام 2021 قام الاتحاد العام بتقديم 10 مليارات إعانة للعمال ، بتمويل ذاتي ، استفاد منها نحو 140 ألف عامل ، عدا عن وجود   6000 جريح وأسرة شهيد أحدث لهم صندوقاً مركزياً يمنحهم إعانات شبه مستدامة كانت بداية كل 3 أشهر ، و بعد تحسن الموارد أصبحت كل شهرين ، ونعمل لتكون شهرية ، مشيراً إلى تأسيسهم وحدات إنتاجية لتمويل الصندوق كالمطابع و وحدة صناعة أحذية و وحدة لصناعة الألبسة ، ويذهب 40% من إيراداتها لدعم الصندوق ، كما أطلقوا مشروع دعم اقتصاديات الأسرة العاملة استفاد منه الآلاف وهو موجه للمرأة يهدف لتدريب أحد أفراد العائلة العاملة على أي مهنة منزلية ، بالاتفاق مع هيئة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتنفيذ الدورات ، و الدورة مدتها شهر ، وانتخب الاتحاد 50 مهنة منزلية ، والمشروع على ثلاثة مراحل أولها التدريب ، ثم تأمين احتياجات العمل ، والآن اتفقوا مع شركة تمويل صغير لمنحهم قروض ، والمرحلة الثالثة هي التسويق ، إذ استفاد من هذا المشروع نحو 6000 أسرة ، ومستمرين بكل المحافظات .

وذكر القادري أنهم يعلمون على المساعدة في حل أي مشكلة تواجه العامل ويحاولون التخفيف عنه ، فعلى سبيل المثال الجميع يعلم بأن الدروس الخصوصية أصبحت مكلفة جداً ومثقلة على العامل ، لذلك وفي إطار التخفيف عن العامل أقاموا  دورات تقوية لأبناء العمال في الشهادتين الإعدادية و الثانوية  ، بكل المواد الأساسية ، على نفقة الاتحاد ، وكان هناك مستفيدين من هذه الدورات حققوا العلامة التامة خلال العام الماضي ، وهذا العام وسعوا رقعات المشاركة ، بالاضافة إلى ذلك تم التعاون مع مديريات التربية في بعض المحافظات و يمكن التأكيد بالتزام 30 ألف طالب بدورات النقابات ، مؤكداً على انفتاحهم على  أي فكرة لاستغلال مواقع الاتحاد بما ينعكس لصالح العمال .

مشاريع استثمارية

ولفت القادري بأن مشاريعهم الاستثمارية ليست كلها للعمال ، لكن ريعها للعمال مثل مجمع صحارى السياحي ، أما في منطقة البسيط أهل الاتحاد الشاليهات لتقسم لقسمين قسم للعمال و قسم سياحي ،  ففي قسم العمال حتى العام الماضي كانت كلفة الليلة 7 آلاف ليرة سورية و هناك 250 عامل بالمشروع وخلال العام رفعت الكلفة لـ 15 ألف ليرة سورية ،مع تأمين فرش بسوية خدمية جيدة جداً ، أما العمالي  فهو متاح للجميع ، واختصروا مدة الإيفاد لـ 5 ايام ، مع منح المنظمات و الاتحادات الأخرى إيفادات ، بالإضافة لوجود صالات أفراح قام الاتحاد بتأهيلها وتقديمها بأسعار رمزية للعمال .

العمال أولاً

أما عن علاقة الاتحاد مع الحكومة فأوضح رئيس الاتحاد أنها علاقة عامل مع رب العمل ، والعلاقة تشهد بينهم مشادات أحياناً ، فليس بالضرورة وجود تنافر في وجهات النظر قد يكون هناك خلاف ، والحوار هو وسيلة للتفاهم بالنهاية ، منوهاً بالتعاون و الايجابية التي تحملها الحكومة الحالية على عكس المرحلة السابقة التي كان فيها نوع من الكيدية في العمل ، وكل الجهد الآن يبذل بهدف استمرارية سير الاقتصاد السوري وإن كان ببطء لكنه أفضل من أن يتوقف ، مضيفاً بأن علاقته الشخصية  بكل الجهات الرسمية و التنفيذية جيدة ، فإذا لم تكن علاقة النقابة مع الوسط الاجتماعي و الرسمي الذي يعمل به جيدة لن تحل أي مشكلة ، لكن حقوق العمال  تبقى في المقدمة .

الاتحاد لا يقاد من الحزب ..

وعند سؤاله عن ضرورة العمل وفق الدستور ، أي يجب فصل النقابات والمنظمات عن الحزب وهذا ما لم يتحقق فما زالت التعيينات والترشيحات تأتي من الحزب ، أوضح القادري أن الاتحاد منظمة شعبية مستقلة وإسناد  المهمات فيه يكون وفق عملية انتخابية تتم عبر قانون التنظيم النقابي ، والنقابة ليست نقابة الحزب الواحد ، وكوادرهم تضم كوادر من عدة أحزاب عاملة ومرخصة ، والعمل لديهم مسيس وهذا لا يمكن إنكاره ، ولكن عندما تتم العملية الانتخابية يحق لأي حزب أن يسمي ممثليه في الانتخابات ، ومن هنا يأتي دور حزب البعث العربي الاشتراكي وتدخله الذي كان داعماً لتوجهات المنظمة ، لافتاً لوجود تعددية حزبية ضمن الاتحاد فهناك ممثل للشيوعيين وآخر للاشتراكيين العرب ، ودائماً يترك هامش للمستقلين ، بما يعكس تركيبة واقع العمل .

وأجاب عن سؤال قيادة النقابات من قبل الحزب بالنفي ، فنقابتهم تقاد من خلال المجلس العام للاتحاد فقط وهو أعلى سلطة قيادية فيه و هو السلطة التي ينتخبها المجلس العام.