بورصات وأسواق - حوار: مجد عبيسي
سورية بلد زراعي بلا منازع، وهذه المعلومة القديمة عمرها أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد، فقد قامت أقوى حضارات الأرض هاهنا على قوة الزراعة، ولكن اليوم.. مع واقع نقص في المنتجات الزراعية، وقلة في الموارد، وتماهي سياسات الحكومة مع أساليب الإسعاف! لا بد أن نقف وقفة محاسبة مع قطاعاتنا الأساسية، وأن نفهم أين نحن من أرضنا.. وإلى أين نحن ماضون!
وزير الزراعة د. حسان قطنا كان معنا في هذا الطرح، وأوضح جميع ما تعمله وعملته الوزارة في سبيل السيطرة والنهوض بهذا القطاع بعد تبعات الحرب، وإن كان صعباً ويأخذ وقتاً ولكنه غير مستحيل.
استهل د. حسان قطان حديثه لصحيفة بورصات وأسواق أن البحوث الزراعية ما زالت قائمة رغم الحرب والأزمة التي توقع إثرها الكثيرون أن تسرق عينات البذور الوراثية المطورة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية وخصوصاً لبعض الأصناف المميزة والمقاومة، والتي تفوقت على كثير من الأصناف في دول العالم المتقدم، وكانت عرضة للسرقة "للأجيال الأولى منها" في الفترات الأولى من الحرب... يقول:
أصنافنا المطورة ما زالت بخير .. وفي البنك السوري 8400 عينة وراثية:
تعد سورية مركز نشوء للكثير من الأنواع النباتية المتأصلة منذ مئات وآلاف السنين وحسب الفلورا السورية ينتشر في سورية حوالي 3000 نوع نباتي، وتعمل البحوث العلمية الزراعية في مجال الموارد الوراثية على حيازة المادة الوراثية وفق سلسلة إجراءات تنتهي في البنك الوراثي، وحالياً يوجد في البنك الوراثي السوري 8400 مدخل (عينية بذرية وراثية) من مختلف الأنواع مثل "الحبوب البرية والمزروعة والبقوليات الغذائية والعلفية البرية والمزروعة إضافة إلى الخضار والذرة بأنواعها والمحاصيل الزيتية"، ويعتبر 90% من هذه المدخلات ناتج عن جمع محلي من كافة مناطق سورية و 10% ناتجة عن عمليات التبادل مع مراكز بحوث دولية مثل ايكاردا وغيرها من المراكز البحثية والبنوك الوراثية الأخرى.
وتقوم الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بوضع خطط بحثية لتقييمها ودراسة صفاتها ليستفاد منها في برامج التربية والتحسين الوراثي والدراسات والأبحاث الأكاديمية؛ حيث تم تقييم ودراسة وتحديد مواصفات (60 ـــــ 70%) من المدخلات من كافة الأنواع المحفوظة وتم توثيقها الكترونياً.
وفي عام 2009 صدر القانون رقم /20/ قانون حماية الموارد الوراثية الذي يهدف لحفظ وحماية الموارد الوراثية النباتية في سورية وتنظيم تداولها ورعايتها بما يتوافق مع أهميتها وقيمتها الكبيرة، ويتم تبادل الموارد الوراثية مع الأشخاص أو البنوك الوراثية وفق القانون 20 الذي يتوافق مع الاتفاق الموحد لتبادل الموارد الذي تعمل به المعاهدة الدولية للموارد الوراثية.
محفزات زراعة المحاصيل الاستراتيجية والزيتية:
وقد أوضح الوزير د. قطنا أن خطط دعم المزارعين وتشجيعهم لزراعة المحاصيل الاستراتيجية والزيتية مستمرة، وخصوصاً مع صدور الخطة الزراعية لعام 2022 قبل موعدها وتحديد أسعار تسويقية للمحاصيل الاستراتيجية تحقق أرباحاً مجزية للفلاحين (منها رفع سعر استلام محصول القمح من الفلاحين إلى 1500 ليرة لليكلو غرام الواحد، والقطن إلى 2500 ليرة، والشوندر السكري إلى 250 ليرة)، وهذه الأسعار تم تحديدها بعد دراسة تكلفة إنتاج كل محصول وفق الأسعار الرائجة لمستلزمات الإنتاج مع هامش ربح مجزٍ، إضافة إلى أن الحكومة مازالت تدعم مستلزمات الإنتاج بنسبة لا تقل عن 15% عن سعرها في السوق، وهي مخصصة فقط للمناطق الآمنة، ولكن المساعي متواصلة لاستمرار الزراعة في المناطق غير الآمنة واستقطاب أكبر كميات إنتاج منها.
ومن جانب تشجيع الفلاحين على التوجه لزراعة المحاصيل الزيتية، فقد أشار إلى أنه تم دعم محصول الذرة بمبلغ مقداره /100/ ألف ليرة سورية لكل واحد طن يسلم من قبلهم إلى المؤسسة العامة للأعلاف، حيث حدد سعر الطن الواحد من مادة الذرة الجافة التي يتم تسليمها للمؤسسة بمبلغ 1050000 ليرة تدفعه المؤسسة ومبلغ الدعم البالغ 100 ألف ليرة للطن، يحصل عليها المزارع من قبل صندوق دعم الإنتاج الزراعي، ليصبح سعر الطن 1150000 ليرة وهو سعر مجزٍ لاقى قبولاً لدى الفلاحين.
الخطة الزراعية 2022.. هل ستحقق ما عجزت عنه سابقاتها ؟
وتعقيباً على هذه الحيثية، فقد نوه الوزير أنهم اتخذوا جميع التحضيرات لإنجاح الخطة الزراعية للموسم القادم، من خلال تأمين مستلزماتها (ومنها تأمين 70 ألف طن من بذار القمح و60% من احتياجات القطاع الزراعي من المحروقات) وذلك وفق أقصى الإمكانيات المتاحة، إضافة إلى 55 ألف طن من الأسمدة متاحة حالياً في المصارف (منها 25 ألف طن فوسفاتية و30 ألف طن آزوتية)، إضافة لما تم ذكره سلفاً من تسعير للمحاصيل ودعم لمستلزمات الإنتاج.
واقع السدود والواقع المائي.. ومتابعة سهل الغاب:
أوضح الوزير أنه وخلال زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى منطقة الغاب بتاريخ 8/6/2020 تم رصد/2,4/ مليار ليرة لصالح مديرية الموارد المائية بحماة لصيانة الجزء الأول من أقنية الري ج1وج2، ولتنفيذ مشروع وصل هيدروليكي يربط بين سد سلحب والقناة الجنوبية في شبكة ري طار العلا ــــــــ العشارنة، وتنفيذ مشروع صيانة لمنظِمات الشريعة على المصرف، كما تم تخصيص الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بمبلغ /600/ مليون ليرة لصيانة أقنية الري في شبكة ري الطار وبعض الطرق المرافقة، وهذا أدى إلى رفع كفاءة الري للأقنية وإلى زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل التكثيفية وبالتالي انعكست بشكل إيجابي على الفلاح.
كما تم تخصيص الهيئة بمبلغ /450/ مليون ليرة لصيانة الآليات الهندسية العاملة في مجال الري وإدخال هذه الآليات إلى الخدمة.
صعوبات مائية باسطة أجنحتهاعلى المنطقة:
وأكد أن هناك صعوبات تعترض الواقع المائي بالغاب تتلخص بـ:
خروج السدود المتوفرة في المنطقة من الخدمة وهي سدود أفاميا الثلاثة بسبب خروج محطات الضخ في التوينة والشريعة عن الخدمة لتعرضها لأعمال إرهابية، علماً أن سدود أفاميا تروي مساحة /6564/ هكتار، وسد قسطون خارج منطقة السيطرة بسبب الأعمال الإرهابية وكذلك محطات الضخ في زيزون، إضافة إلى ضعف كفاءة أقنية الري في شبكات ري الغاب وطار العلا ـــــ العشارنة بسبب القدم وتعرضها لأعمال إرهابية، وخروج بعض الأقنية عن الخدمة بسبب التخريب من قبل المجموعات الإرهابية.
خطط استثمار الأراضي البور:
في قديم الزمان، في الألف الثاني قبل الميلاد وتحديداً في العهد الثالث لمملكة إيبلا، تميزت تلك الحقبة بجر المياه من الفرات بأقنية حجرية إلى البادية، واستصلاح الأرض المالحة، وكانت تدمر وما حولها غابة غناء..
أما اليوم، وعن واقع استصلاح الأرضي البور فقد أوضح الوزير أن إدخال الأراضي البور في الدورة الزراعية عملية أساسية عند إعداد الخطة الإنتاجية الزراعية لمعالجة انتشار الاعشاب الضارة، مع العلم أن التبوير يكون في الزراعات البعلية أما في الزراعات المروية فتزرع كاملة مع وجود نسبة تكثيف.
وقد بلغت نسبة الأراضي البور 24,7% من الأراضي البعلية على مستوى القطر للموسم الزراعي (2020 ـــــ 2022) في حين بلغت 23,3% من الأراضي البعلية على مستوى المناطق الآمنة.
رغم الوعود.. تقصير في تنفيذ الخطة الإنتاجية الزراعية (2020ـــ2021):
تأثرت الخطة الإنتاجية بالتغيرات المناخية التي شهدتها البلاد والمتمثلة بقلة الهطولات المطرية والمترافقة مع سوء في التوزيع من حيث الزمان والمكان وارتفاع درجات حرارة (حيث كانت أعلى من معدلاتها السنوية بـ 8 درجات في بعض المناطق) أدت إلى جفاف عام شمل كافة المحافظات، وبالتالي تأثّرت المحاصيل الشتوية الاستراتيجية (القمح والشعير) التي تشكل أكثر من 70% من المساحة الكلية المزروعة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإنتاج وخسارة ما لا يقل عن 3 مليون طن منها، إضافةً إلى تأثير الجفاف على الأشجار المثمرة كالحمضيات والزيتون.
إضافة إلى ذلك فإن التغيرات المناخية أدت إلى انخفاض كميات المياه المخزنة في السدود إلى نسبة 52% وانخفاض المياه الجوفية إلى حدود حرجة، مما أدى إلى تراجع مردودية المساحات المروية 40 ـــــ50% وبشكل متفاوت بين المناطق، علماً بأنه تم تخفيض الخطة الانتاجية الزراعية للموسم الصيفي (2020 ـــ 2021) من 209/ ألف هكتار إلى 146/ ألف هكتار خاصة بالنسبة للمحاصيل المجهدة للتربة وذات الاحتياج العالي للمياه مثل القطن ودعم مشاريع التحول للري الحديث.
واقع الثروة الحيوانية وواقع التربية بعد سرقة العواس السوري.. ومشروع إسعافي رائد:
بعد أن عمت الفوضى مع مطلع الأزمة، تمت عمليات سرقة منظمة للعواس السورية في المنطقة الوسطى، والتي نعيش تبعاتها إلى اليوم، الأمر الذي أوضحه د. قطنا إذ أكد أن الوزارة قد اتخذت مجموعة من الإجراءات الإسعافية لترميم قطاع الثروة الحيوانية الذي تعرض كغيره من القطاعات للتخريب والسرقة والاستباحة والتهريب والذبح العشوائي.
فقد انخفضت أعداد الأبقار بنسبة 30% والأعداد التقديرية حالياً لا تتجاوز 700 إلى800 ألف رأس بقر بينما كانت وفق آخر إحصائية للثروة الحيوانية عام 2010 حوالي مليون ومئة ألف رأس ولتعويض هذا النقص الكبير ولرفد قطيع الأبقار كماً ونوعاً أعلنت الوزارة عن حاجتها لاستيراد أكثر من 30000 من البكاكير والحوامل وسبق أن تم استيراد 5011 بكيرة حامل وزعت على المربين وعلى منشآت المؤسسة العامة للمباقر.
وبالنسبة للأغنام هناك مشروع رائد لإكثار العواس والماعز في أكثر من محطة بحثية في البحوث العلمية الزراعية وتوزيع الحيوانات المحسنة على المربين ومتابعتها لديهم للحصول على النتائج والمخرجات المطلوبة، مع العلم أن أعداد الأغنام انخفضت بنسبة 40%، ووفق إحصائية 2010 بلغ تعدادها حوالي 15 مليون واليوم لا تتجاوز 9 ملايين رأس، والماعز كان حوالي مليونين واليوم نحو مليون ونصف.
وبهدف الحد من ظاهرة تهريب الأغنام إلى دول الجوار فقد تم السماح بالتصدير بطريقة نظامية ولمدة شهر وبكمية محدودة، علماً أن تجربة التصدير خاضعة للتقييم وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تصدير رؤوس ذكور الأغنام والماعز.
الدواجن.. القطاع الأكثر سوداوية.. وبرامج وزارية مسعفة:
أما بالنسبة لقطاع الدواجن فقد تعرض للكثير من الصعوبات والمشاكل خلال الحرب على سورية. ولعل ما زاد من تلك المشاكل اعتماد هذا القطاع على الأعلاف المستوردة التي تضاعفت أسعارها محلياً خلال فترة قصيرة خاصة كسبة الصويا والذرة الصفراء المادتين اللتين يُعتمد عليهما في تغذية الدواجن مع توفر القليل من البدائل, كما أن عدم وضوح آلية تسعير المنتجات وعدم انتظام تربية الأمات لإنتاج الصيصان اللازمة لتربية الفروج.
هذه المشاكل كلها دفعت الوزارة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها إعداد برنامج رصد دوري لأعداد الجدات والأمات إضافة إلى بعض التسهيلات التنظيمية لمنشآت الدواجن حيث كان هناك مجموعة من القرارات المهمة كتخفيض المسافات المطلوبة لترخيص منشآت الدواجن بالتوافق مع وزارة الإدارة المحلية.
كما تنحو الوزارة لإطلاق سياسة البدائل العلفية المحلية للمستوردات وتم إصدار مجموعة من القرارات التي تسمح بتصنيع البدائل العلفية مثل طحين العظم ومخلفات مسالخ الدواجن والمفاقس ومحتويات الكرش إضافة إلى الشعير المقشور وطحين الريش المهدرج . كما تم إعطاء أعلاف الدواجن من مؤونة الاستيراد وتقديم التسهيلات وتخفيض الرسوم على استيراد المواد والمتممات العلفية ما أمكن ذلك وإلغاء الضرائب والرسوم على المواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية واللقاحات البيطرية.
ختم:
لربما واجهت كل هذه المشكلات أجدادنا منذ آلاف السنين على ذات هذه الأرض.. وتمكنوا بتخطيط سليم وتنفيذ ثابت ورشيد من تجاوزها، ولكن ما أخر تجاوزها اليوم ليس سوء الخطط الوزارية على ما يبدو، فجميع ما قاله الوزير كان مفائلاً، ولكن الحقيقة ظاهرها الخير وباطنها مغلف بفساد وتقاعس المنفذين، نحتاج لوقفة مسؤولة.. فإن هذا ما أخر الفرج على أصعدة عدة في جميع قطاعاتنا بنسبة 80%، والباقي عوامل خارجية.. فوجبت المحاسبة مع التخطيط، فمصائر ملايين البشر.. تنتظر الفرج.