كتب: حسن م يوسف
في الساعة العاشرة والنصف من ليلة الأربعاء الماضي حطت في مطار دمشق الدولي طائرةُ الخطوط الجوية السورية، حاملةً على متنِها أعضاءَ الفِرقِ الخمسَ عشرة، من طلاب الجامعات والمعاهد العليا السورية ومدربيهم، بعد أن شاركوا في مسابقة البرمجة الإقليمية لطلابِ الكليات الجامعية التي أقيمت في مدينة الأقصر يوم الأحد الماضي.
الأمر المثير للدهشة هو أن هؤلاء الشباب ومدربيهم لم يُستقبلوا في المطار من قبل أيةِ جهةٍ كانت على الإطلاق، كما لو أنهم يعودون إلينا مهزومين مخذولين مدحورين من البطولة العالمية للطرنيب أو شد الحبل!
لكن هؤلاء الشباب ومدربيهم، العائدين من مسابقةِ البرمجة التي يطلق عليها "حربُ العقول" لا يستحقون أن يستقبلوا عند وصولِهِم، بأكاليلِ الغار وحسب، بل أن تنحني لهم الهاماتُ أيضاً! فبالرغم من الحرب الشاملة التي تشُنُّها الفاشيةُ العالمية وأدواتُها الإقليمية والمحلية على الدولةِ السورية، ما يزال شبابُ سورية يجترحون المعجزات، لا على جبهاتِ القتال وحسب، بل في ميادينِ العلم أيضاً. ففي ضَوء مسابقةِ البرمجة الوطنية لطلابِ الكليات الجامعية، التي جرت في مطلعِ العام الحالي، تأهل للمشاركة في المسابقة الإقليمية 15 فريقاً سورياً من 6 جامعات. وقد أقيمت البطولة الإقليمية للشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا في مدينةِ الأقصر المصرية يوم الأحد الماضي 21 آذار الحالي، وبلغ عددُ الفِرق المشاركة فيها 145 فريقا من 16 دولة. وكانت النتيجة تدعو للفخر بشبابِنا السوري حقاً، حين تمكنوا من الفوزِ بنِصفِ ميدالياتِ المسابقة، نعم نِصف ميدالياتِ المسابقة! إذ احتل فريقُ جامعة دمشق المرتبة الثانية في المسابقة، وفاز بالميدالية الذهبية، كما فازت خمسةُ فِرقٍ سورية أخرى بثلاث ميداليات فضية، وميداليتين برونزيتين. وبهذا الفوز تتأهل 6 فِرق من سورية للمشاركة في نهائياتِ مسابقةِ البرمجة العالمية، لطلابِ الكلياتِ الجامعية، التي ستقام في مدينة داكا عاصمة بنغلاديش في 22 آذار من العام القادم.
لم يعد هؤلاء الشباب من الأقصر بميدالية برونزية في الملاكمة أو المصارعة، بل فازوا بميداليةٍ ذهبية وميداليتين فضيتين، وثلاث ميداليات برونزية، في "حرب العقول"! رغم ذلك لم تستقبلُهُم أيةُ جِهةٍ رسمية أو شعبية، عند وصولِهِم إلى المطار! ولكي يدركَ الغافلون مدى أهمية هذا الإنجازِ الوطني والعلمي الكبير، أذكرهم بأن المسابقة البرمجية العالمية لطلاب الكليات الجامعية، هي أقدم وأعرق مسابقاتِ البرمجة لطلابِ الكلياتِ الجامعية، على مستوى العالم. وهي ترتكز على مفهومِ البرمجة الجماعية، التي تعتمد على تقسيمِ العمل والتفاعل ضمن أعضاءِ الفريقِ الواحد.
جديرٌ بالذِكر أن شبابَ سورية قد أحرزوا بطولةَ العرب قبل عامين، إذ تقدموا على كافةِ الفِرق العربية في المسابقة الإقليمية في مدينة شرم الشيخ بمصر. كما تقدموا على كافة الفِرق العربية في المسابقة العالمية للبرمجة، التي أقيمت في مدينة بورتو البرتغالية، في الفترةِ ما بين 31 آذار و5 نيسان 2019. وقد حل شبابُنا السوريون في المرتبة 21 من بين 135 فريقٍ عالمي، هم نُخبةُ المبرمجين في العالم! وهذه أفضل نتيجة يحققُها فريقٌ من المنطقة العربية في هذه المسابقة منذ بدايتِها وحتى اليوم. والحق أن الفضلَ الأكبر في هذه الإنجازات الوطنية الكبرى يرجع للدكتور جعفر محسن الخير، عميد كلية المعلوماتية في جامعة تشرين ومؤسس المسابقة البرمجية السورية لطلبة الجامعات SCPC والمشرف الإقليمي على أنشطتها في سورية.
لا شك أن فوزَ شبابِنا السوري بنِصفِ ميداليات مسابقة البرمجة الإقليمية لطلابِ الكليات الجامعية، التي أقيمت يوم الأحد الماضي في مدينة الأقصر المصرية، أهمُّ بكثير من فوزِ فريقِنا الوطني ببطولةِ العرب في كرةِ القدم. لكن هذا الحدث الذي لم يلقَ اهتماماً يذكر من أيةِ جهة، يثبت أننا مازِلنا نفكر بأرجلِنا لا بعقولِنا كما قلت سابقاً!