السبت 2020-07-18 12:28:05 |
أخبار اليوم |
التمرد الرقمي |
كتب المهندس رشاد كامل
الخصوصية فقدناها تماماً والقوانين فشلت في حمايتنا، جيل الألفية يحضر نفسه للمواجهة .
على غرابة هذا العنوان لكننا وصلنا إلى الزمن الرقمي الذي فقدنا فيها خصوصيتنا تماماً ولا عودة للوراء مهما حاولنا، ومهما أصدرنا من قوانين لحماية الخصوصية، وستجد الشركات منافذ لبيع كل ما يتعلق بنا رقمياً، وسيجد قراصنة المعلومات آلاف الطرق لاختراق بنوك المعلومات التي تحوي معلوماتنا حتى المالية منها، وأجهزة الأمن بالأساس مستثناة من أي قانون لحماية الخصوصية تحت ذرائع كثيرة أهمها “أمن الوطن”.
هل معنى ذلك أن نتخلى عن إنجاز قوانين لحماية الخصوصية؟
لا، ابداً، يجب أن نطوّر تلك القوانين بشكل يتاح للمشرّعين أن يعدلوها كلما دعت الحاجة لتطويرها، وأنا شخصياً أظن أنها عملية تشريعية صعبة جداً لأنها تحتاج إلى مشرّعين يوازنون بين الانفتاح على الفضاء الرقمي وحماية الأفراد والمؤسسات والدول ضمن الفضاء الرقمي ذاته، وذلك عصر تجاوزنا فيه الشكل الطبيعي لمعالجة البيانات إلى تحليل البيانات فائق الذكاء، ومنه إلى النمذجة، والتنبؤ.
أذهل عندما أدرس وأتابع ما يجري في مجالات الذكاء الصنعي الاستدلالي”Cognitive computing”، وخاصة في مجالات العلوم الإنسانية، وعلوم السلوك، وما وصلوا إليه من إمكانات من نمذجة أفراد، وقرارات، ومجتمعات، وحكومات، وتحويلها وتحويلنا إلى برمجيات تمثلنا ككائنات رقمية ذكية حية حقيقية (AI Agent) في منصات الذكاء الصنعي، لتعيش تلك الكائنات ظروفنا أو ظروفاً من الممكن أن نتعرض لها، وتبدأ بالتصرف وفق معادلات النمذجة التي وضعوها عنا، لتماثل قراراتنا في كل شيء، في البيع والشراء، في الحب والكره، في التعاون أو التصرف الجشع، في الهروب أم المواجهة، في جاهزيتنا لنكون داعمين أو فاعلين مع هذا الطرف أو ذاك، و مع دمج معلومات حقيقية عنا ، مع ذاك الكائن الرقمي النظير لنا سيحصلون على ما هو أهم من معلوماتنا، سيحصلون على رغباتنا، وانفعالاتنا، وشهواتنا، وخوفنا، وقوّتنا، والأهم قراراتنا المستقبلية… نعم … هم وصلوا إلى درجة من الدقة تجعلنا نستسلم، إلا إذا بدأنا حراكاً مقاوماً جمعياً، يعترف بحق المستقبل الرقمي، ولكن تُفرض عليها صيغ فوق قانونية، صيغ فوق مهنية “Meta Ethics”، تعتمد عالمياً وتصبح هي المعيار والمؤشر والمرجع، لكل نسخ القوانين التي ستصدر تباعاً حول الفضاءالرقمي وتطبيقاته المستقبلية، وتضاف إلى شرعة حقوق الإنسان، وحقه في عدم نمذجته رقمياً، أو استنساخ قراراته عبر الذكاء الصنعي .
هناك طروحات بين مختبرات علماء النمذجة والذكاء الصنعي “Modeling andArtificial Intelligence” في أن نستخدم الكائنات النظيرة الذكية”Agents” والتي من الممكن برمجتها اعتماداً على كل المبادئ فوق القانونية وفوق المهنية لتقوم تلك الكائنات في محاكاة اتخاذ القرارات التي هي فوق القانونية وفوق المهنية في معالجتها للقوانين والتشريعات والسيناريوهات التيمن الممكن أن يطلب منها أن تتفاعل معها وفق مرجعيتها “القانوأخلاقية ” مثل”الكانطية والنفعية والنظريات الأخلاقية الأخرى” – ” utilitarianism, Kantianism, and other ethical theories”، ودراسات تفاعلات تلكا الكائنات واستراتيجياتها لتطبيق تلك الحزم “القانوأخلاقية” على الظروفالمستجدة والقاهرة، والمستعجلة، التي يتعرض لها المستخدمون في الفضاء الرقمي، مما يسمح للمشرعين بدراسات تلك الظواهر وحلولها قبل حدوثها لا بعد حدوثها.
إذن من الممكن فعلاً أن نستخدم الذكاء الصنعي الاستدلالي لمواجهة الذكاءالصنعي الذي يستهدف خصوصيتنا.
هناك حراك تشريعي هام يحدث عالمياً حول قضايا الخصوصية، والتشريعات المتعلقة بمواجهة القادم من تطبيقات الذكاء الصنعي، ولابد أن يتم تعميم هذاالحراك على مراكز أبحاث وجامعات العالم المختصة بالذكاء الصنعي والقانون ليتم اعتماد مخرجات تلك الجامعات ومراكز الأبحاث في تطوير البنى القانونية قبل أن نصل إلى مراحل نصبح فيها متأخرين عن الحل وربما عاجزين أمامه.
وهنا لابد من وجود منصة عالمية وإطار عالمي للمخرجات فوق القانونية وفوق المهنية لقضايا الذكاء الصنعي وحماية الخصوصية في المستقبل، مثل هذاالإطار ” Meta-ethical framework “، لضبط التقدم العلمي الحاصل في مجالات النمذجة والذكاء الصنعي ضمنه، مما يسمح للعاملين في هذا المجال من أفراد وشركات من تطوير منتجات صديقة للخصوصية، وتعتمد معاييرها، وتخفف حالة الاحتقان الحالية لأجيال كاملة من مستخدمي الفضاء الرقمي وتطبيقاته من الاختراقات التي تحصل عليهم، والتي أدت إلى العداء الكامل للمستقبل، ذلك العداء الذي تجلى في موجات الغضب التي أطاحت بشركة(كامبريدج انالاتيكا )التي ساهمت في استهداف ناخبين معينين عبر الذكاءالصنعي مستخدمة (الفيسبوك ) وساعدت في نجاح (الرئيس دونالد ترامب،) وكادت أن تطيح أيضاً (بالفيسبوك) والتي أعلنت منذ أيام أنها لن تساهم فيالانتخابات القادمة، لترفع عنها أي موجة عداء جديدة.
إن التمرّد الرقمي أصبح واقعاً تهابه الشركات العالمية، ومئات الملايين من الشباب والصبايا حول العالم والمنضمين إلى هذا التمرد الرقمي الموجّه لمواجهة نمذجتهم، والتلاعب بمعلوماتهم، واعتبارها سلعة للبيع، وإذا لم تظهر سريعاً منصات عالمية علمية تضع الإطار فوق القانوني لمستقبل الذكاء الصنعي والخصوصية، فسوف نشهد تراجعاً كبيراً في مجالات الذكاء الصنعي ونمذجة المجتمعات، والتي أصبحت الآن مشبوهة، علماً بأنه في حال تأطيرها قانونياً ستكون من أهم الروافع المستقبلية التي ستساعد البشرية في التحضّر مسبقاً للكثير من الاحتمالات من كوارث ، وأوبئة، وانهيارات اقتصادية، وإيجاد اللقاحات، وتطوير الزراعة، ومحاربة السرطانات بأنواعها، بالإضافة طبعاً للطائرات والسيارات ذاتية القيادة، وغيرها الكثير من التطبيقات التي وصلت إلى حد أننا الآن ننقذ انخفاض أعداد النحل عبر تطبيقات الذكاء الصنعي.
من الضروري أن نساهم جميعاً في التمرد الرقمي، وأن يساهم الخبراء القانونيون وأهل الاختصاص في علوم الذكاء الصنعي في تطوير منصتنا”فوق القانوأخلاقية” “فوق القانومهنية” من أجل الانتقال الآمن إلى مستقبلا لذكاء الصنعي فيه سيعمل على حمايتنا من الذكاء الصنعي نفسه
|
|