سيريانديز
يشير تضارب الآراء وسوق المبررات خلال كل مرة يتعرض فيها سعر الصرف لهزة ارتفاع أو انخفاض في السوق الموازية، إلى عدم وجود رأي عام مقتنع بفاعلية دور مصرف سورية المركزي في قيادة العملية النقدية، ومدى قدرته على التدخل لضبط إيقاع سعر الصرف، وليفتح الباب واسعاً حول استنتاج الأسباب الموجبة لتلك الهزة التي قد تصب في خانة سيطرة المركزي أو نفيه كلياً، وبالتالي تسهم انعكاساته على اتساع فجوة الثقة لدى المواطنين بصوابية إجراءات المركزي وقراراته ولاسيما بما يخص سعر الصرف الذي يترجم بارتفاع مباشر للأسعار، ويطال المواطنين في لقمة عيشهم، وبقاء الباب موارباً لشائعات وأقاويل تصيب المجتمع وتزيد من هشاشة استقراره.
متأثر لا مؤثر
لعل تقديم دراسة تتبنى صوابية الإجراءات النقدية لمصرف سورية المركزي، كتقرير مركز مداد للدراسات على سبيل المثال لا الحصر، كفيلة بإثارة حفيظة بعض خبراء الاقتصاد لتقديم رؤى وطروحات مخالفة لما ورد فيها، ففي حين أكدت الدراسة على سلامة الإجراءات النقدية لمصرف سورية المركزي، والتي هدفت لتعزيز سيولة المركزي من القطع الأجنبي، ونتج عنها -بحسب استنتاجاتها- تحسن ملحوظ في سعر الصرف خلال تعاملات هذا الأسبوع في السوق الموازية مقارنة بمستوياته المسجلة في الأسبوع السابق، حيث انخفض السعر إلى 540 ليرة سورية للشراء، و543 ليرة سورية للمبيع، وانخفض في شمال البلاد إلى مادون 535 ليرة، رأى الدكتور علي كنعان أن الإجراءات النقدية التي قدمها المركزي لم تنعكس آثارها على سعر الصرف، وبالتالي فإن الانخفاض والارتفاع مرهون بالسوق الموازية والمصرف المركزي مؤثر وليس مؤثراً في سعر الصرف. وأكد كنعان أن طرح شهادات الإيداع بالليرة السورية المقتصرة على المصارف -على سبيل المثال- وهو أحد الإجراءات التي قدمها المركزي خلال الفترة الماضية سيكون تأثيره بالحدود الدنيا وغير مباشر على سعر الصرف، وذلك لكون هذا الإجراء قيد عملية الشراء من المصارف بالليرة السورية بنسبة 10% من السيولة لهذه المصارف، أي بما لا يتجاوز 150 مليار ليرة.
أما الإجراء الثاني الذي رفع فيه المركزي سعر الفائدة على الودائع بالقطع الأجنبي تمهيداً لطرحه شهادات إيداع بالقطع الأجنبي، والذي سيجمع من خلاله المركزي جزءاً آخر من سيولة المصارف، لم يشكل منعكساً سريعاً لتخفيض سعر الصرف من 560 إلى 540 ليرة برأي كنعان، وذلك لبقاء الطلب مرتفعاً على المستوردات الغذائية والنفطية.
سياسة معتمدة
وبالعودة إلى الدراسة التي خلصت إلى انحسار عمليات المضاربة على الليرة السورية إلى حدودها الدنيا، وامتصاص السوق لصدمة الطلب على الدولار الأمريكي في السوق المحلية لتأمين مستوردات القطاعين العام والخاص (ولا سيما المشتقات النفطية والقمح)، كان لكنعان تفسير آخر ، إذ أكد أن المضاربين يعتمدون صدمات زلزالية بارتفاع وانخفاض مفاجئ لسعر الصرف، وذلك بغية تثبيت مستوى جديد له قد تكون على عتبة الـ 540 ليرة، متوقعاً هزة أخرى بعد فترة لا تتجاوز العشرة أيام لرفع السعر إلى الـ580 ليرة وجعله سعراً مرجعياً جديداً لن يدوم طويلاً، بل ستستمر العملية برفعه إلى مستويات أعلى، وبالتالي تبدو أنها سياسة لرفع السعر بشكل تدريجي لضمان عدم خلق خضات سعرية تطال أسعار المواد الغذائية.
مجاراة الموازي
وباعتبار أن إجراءات المركزي لا تعطي نتائج سريعة، ويقتصر دوره على تهدئة السوق بتلك الإجراءات لم تنعكس بتخفيض لسعر الصرف، رأى كنعان أنه على المصرف المركزي رفع سعر صرف الحوالات الخارجية كإجراء أولي وهام إلى مستوى 534 ليرة، كيلا تستمر خسارة الحوالات الخارجية التي حولت مسارها إلى الدول المجاورة نتيجة تشبث المركزي بمستوى الـ434 ليرة، وبفارق 100 ليرة عن السوق الموازية، كونها مصباً أساسياً لتوفير القطع الأجنبي لدينا، معتبراً أنه إجراء أسرع من شهادات الإيداع، كما يجب على المركزي ضرورة مجاراة السوق الموازية كونها أصبحت حقيقة لا يمكن إنكارها وتفرض قيمها السعرية، في حين بقي المركزي متأثراً بها وليس مؤثراً، ولا يستطيع التدخل بما في حوزته من دولارات.