كتب عمرو سالم:
يقول المثل الشّامي: "حط إيدك بعينك ... متل ما بتوجعك، بتوجع غيرك" ...
لقد خلقت الحرب الفتّاكة على سوريّة جوّاً أبعد ما يكون عن القيم التي تميّز مجتمعنا وأنتجت فجوةٌ هائلةٌ صار لا بدّ من ردمها ...
المسؤول في البلديّات أو النّفط الّذي يرى السيّدات والكبار، وحتّى الصّغار يضطرّون لحمل أسطوانات الغاز على أكتافهم والوقوف ساعات، مرّة للتسجيل، ومرّة لوضع الأسطوانة ومرّة لاستلامها هو إنسانٌ لا يمتمتّع بأدنى درجة من الإنسانيّة والمسؤوليّة ...
والإنسان الّذي ينشر صورةٌ للسيّد رئيس مجلس الشّعب وهو يبدو عابساً (والصور بالمناسبة هي جزء من مئات من الثانية. وتظهر غير الحقيقة) ولا يهمّه أن يعلم أنّ السيّد رئيس مجلس الشّعب الحالي هو أكثر البرلمانيّين الأعضاء الحاليّين خبرةٌ بالعمل البرلماني وبالنّظام الدّاخلي وبالدّستور. وهو شخصٌ دمث الأخلاق طيّب المعشر وله مكانة اجتماعيّة كبيرة ... من يستسهل نشر الصّورة والتّعليق عليها، هو إنسانٌ يمارس التنمّر بأبشع صوره ...
ولا بدّ لكلّ منّا مسؤولاً كان أم غير مسؤول أن يعلم أن كلّ منا له عائلة وأبناء أو إخوة وأهل. ومن المعيب أن يفلت الإنسان على الآخر بصورة سوقيّةٍ وضيعة ...
أمّا عن الحديث عن التطفيش الّذي ساد خصوصاً مع طبيب سوري في فرنسا، ولا أحد منّا يعلم سبب سفره أو ما حصل معه في سوريّة فلا يحقّ لأحدٍ أن يدلي برأيٍ قاطع إلّأ بعد معرفة ...
عام 1997 قرّرت الجمعيّة العلميّة للمعلوماتيّة إقامة ندوات نوعيّة تتعلّق بعدّة قطاعات، وكعضو مجلس إدارة للجمعيّة، كنت مسؤولاً عن قطاع السّياحة. وقد داومت دواماً شبه كاملٍ في الوزارة واجتمعت مرّاتٍ عديدةٍ مع السيّد الوزير الدكتور دنحو داوود. وقد قمت بإعداد موقع وزارة السّياحة وإدخال 350 صفحة ومئات الصّور في الموقع وحجزت له نطاقاً على حسابي الشّخصي. وبما أنّ الإنترنت لم تكن قد دخلت إلى سوريّة آنذاك، فقد بلغت فاتورة هاتفي أكثر من مليون ليرة سوريّة، وافق الأخ الكبير الأستاذ مكرم عبيد أن أدفعها تقسيطاً ...
وقد وجد السيّد الوزير أنّ ما أقدّمه للوزارة، فقرّر أن ينظّم لي عقداً استشاريّاً. وفاتحني بالموضوع، فرفضت ذلك رفضاً قاطعاً. وقلت له أنني أعتبر ذلك تضارب مصالح، فأنا أتيت إلى الوزارة أمثّل الجمعيّة ولا أجد أنّ تعاقدي مبرّراً من الناحية الأخلاقيّة. فقام بدون علمي بمخاطبة الجمعيّة واستئذانها بالتعاقد معي، وجاءته الموافقة. واتّصل بي لأزوره، فأخبرني مدير العقود وأنا على باب المبنى بأنّ السيّد الوزير يريد أن يفاجأني بالعقد. فكتبت كتاباً للوزارة وذكرت فيه أنّ كلّ ما قدّمته للوزارة هو هديّة وأنّي أعتذر عن أيّ نوع من التّعويض. وسجّلته في الدّيوان وحصلت على نسخة مختومةٍ منه ودخلت إلى السّيد الوزير. ففاجأني بالعقد، فقلت له: لقد سبقتك، وأعطيته نسخةٌ من الكتاب. فقال لي، لكنّ الجمعيّة وافقت. قلت له: شكراً لك ولهم، لكنّني لا أوافق ...
بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، اتّصل بي السيّد الوزير ودعاني إلى فنجان قهوة في مكتبه. وعندما دخلت، قال لي: أنت غريب!
وعندما سألته عن السّبب، قال أنّ هناك من كتب بك تقريراً قدّمه إلى الجهات المعنيّة يقول أنّني استغلّيت عضويّتي في مجلس الإدارة وحصلت على عقود بالملايين. ووصل إلى القصر الجمهوري. عندما أمر القصر ألّا يتدخّل أحد وتمّ سؤال السيّد الوزير عن العقود الّتي حصلت عليها، فذكر لهم القصّة، وقال لهم، لم يقبل حتّى بكلفة بنزين سيّارته ...
عندها أعلمه مكتب سيادة الرئيس حافظ الأسد رحمه الله: نعم. هكذا يتصرّف أبناؤنا ...
وعلمت بعد ذلك أنّ من رفع التقرير، كان صديقاً لي ولم يكن موظّفاً في الدّولة ولا مسؤولاً، بل كان لديه عقود مع الوزارة وخاف أن أنافسه!!!
عندها وافقت على توقيع العقد مع شركة مايكروسوفت وقبول عرضهم الّذي عدّلوه ثلاث مرّاتٍ ظنّاً منهم أنّني كنت أرفضه لأسباب ماديّة، ولم يكونوا يعلمون أنّني كنت أرفضه لأنّ قلبي لم يكن يقبل بترك دمشق ولا الجمعيّة ولا من أحبّ فيها ...
لم تطفّشني الدّولة ولا الحكومة، بل طفّشني إنسانٌ غيران مع أنّه موهوب جدّاً ولم يكن لديه ما يخشى منه ...