سيريانديز
22 شهراً ومازال عدد من عمال المصارف برتبة مديرين ورؤساء أقسام من دون رواتب وتعويضات ويدهم مكفوفة بذريعة القروض المتعثرة، طوال هذه المدة كما يقال بالعامية «لا معلقين ولا مطلقين»، وبعد هذه المدة لم يصدر أي إجراء بخصوصهم سواء باتهام أم براءة.
هذا لسان حال مسؤولين مصرفيين تم أخذ آراء عشرة منهم على رأس عملهم، ومنهم تحت التصرف وكف اليد، ومنهم بانتظار نتائج الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.
وفي التفاصيل، صدر القرار رقم 352 بتاريخ 5/2/2017 المتعلق بتشكيل لجنة مركزية تضم في عضويتها رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية ورئس المجلس الاستشاري في رئاسة مجلس الوزراء والمدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية، ونص القرار كذلك على تشكيل ست مجموعات عمل تعمل تحت إشراف اللجنة المركزية الخاصة بالمصرف التجاري والعقاري والصناعي والزراعي والتسليف الشعبي والتوفير، تضم في عضويتها أعضاء من المجلس الاستشاري في رئاسة مجلس الوزراء والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية ومحامي دولة ومن مفوضية الحكومة لدى المصارف، وحدد القرار مهمة اللجنة المركزية بالإشراف على عمل المجموعات المشكلة وترفع تقاريرها بشكل دوري إلى رئيس مجلس الوزراء حول تطور عملها وحتى انتهاء مهمتها، على حين حدد القرار مهمة مجموعات العمل بالتدقيق في ملفات القروض المتعثرة لدى المصارف العامة وتبيان التجاوزات والمخالفات فيها إن وجدت وترفع نتائج عملها إلى اللجنة المركزية.
19 شهر تأخير
ما لفت إليه المسؤولون المصرفيون أن القرار ألزم المجموعات الست بإنهاء أعمالها خلال فترة شهرين من تاريخ تشكيلها، إلا إذا ارتأت اللجنة المركزية ضرورة تمديد عمل هذه المجموعات لمدة إضافية، على ألا تتجاوز الشهر الواحد، ما يعني المدة الزمنية المعطاة لها هي ثلاثة أشهر في أقصى حد، إلا أنها تمارس أعمالها حتى اللحظة، أي بتأخر 19 شهراً.
اللجنة التي شكلتها رئاسة مجلس الوزراء بالقرار رقم ٣٥٢ لدراسة أضابير القروض المتعثرة وبعد مضي أسبوعين فقط صدر أول قرار كف يد بحق عاملين في أحد المصارف ثم تتالت القرارات لتشمل عاملين في بقية المصارف العامة.
ويرى هؤلاء أن المدة غير كافية للحكم عليهم قبل أن يمر ما يقرب العامين من دون تأكيد لوجود أو عدم وجود مسؤولية، ومعظمهم لديه أكثر من عشرين عاماً في الخدمة، وبعضهم لديه ٣٥ عاماً في الخدمة.
وبين آخرون أن عدداً من القروض تعثرت نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد وليست مشكلة مقترضين متعثرين لأن هذه القروض جميعها بضمانات عقارية لم يغادر بها أصحابها إلى خارج الوطن، وتأثرت أسعار هذه العقارات ارتفاعاً أو انخفاضاً تبعاً لمناطق وجودها لكنها موجودة وقابلة للبيع وفق إجراءات المصارف القانونية.
أما على صعيد المنح لهذه القروض وما رافقه من مشاكل بسب المسؤولين، فإن العديد من الأسماء تحت التصرف والمكفوفة اليد ليس لها وجود في موافقات المنح، وأن من قام بالمنح استقال أو تقاعد أو سافر خارج البلاد، ليتحول الموضوع إلى التقصير في التحصيل رغم كل ظروف البلد من دوائر تنفيذ مغلقة ومناطق يصعب الوصول إليها وكوادر غير موجودة، ومحاكم بفاعلية محدودة، يضاف إليها مشاكل عديدة أقرتها لجنة سابقة مشكلة من مصرف سورية المركزي حددت صعوبات الإجراءات التنفيذية والتبليغات والتي يستشف منها وجود مشاكل تنسيق مع وزارة العدل وصعوبة تجاوز بعض الإجراءات القانونية.
المصادر المصرفية أشارت إلى أن الإيجابية الأهم التي وصلت لها اللجنة هو تحفيز الجهاز القضائي بشكل إيجابي وامتثال الأخير لتعليمات تسريع الإجراءات وتجاوز بعض الصعوبات التي كانت تعترض المصارف وسرعة القرارات، وكل ذلك لم يكن متاحاً سابقاً، ما خلق عناصر ضغط على عدد من المقترضين لتسوية وجدولة ديونهم أو تسديد التزاماتهم، يضاف إليها إنجازات الجيش العربي السوري بتحرير وتأمين مناطق وطرق ما سهل الوصول إلى مناطق لم تكن متاحة سابقاً خلال سنوات الحرب.
أما السلبيات بحسب المصادر، فعدا عن تأثيراتها على العاملين فتتمثل بالهيمنة على إدارات المصارف العامة حيث لم تعد تمتلك قدرة حل مشاكلها وفق أصول الإدارة بل كان كل إجراء يتم الرجوع فيه لرئاسة اللجنة بدلاً من القدرة على اتخاذ القرار بشكل مستقل إدارياً، واصفين الأمر بالحالة الخاصة التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ الإدارات العامة في سورية، على حين تصبح تبعية الإدارة للجنة خاصة يعتريها عدد من ثغرات قانونية في طبيعة تشكيلها بدلاً من تبعية الإدارة للوزارة المعنية.
رؤى جديدة
صرّح رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية عابد فضلية بأن لجنة القروض المتعثرة كانت سباقة في معالجة الكثير من الملفات المتعثرة ونجحت بتحقيق مبالغ عبر تحويلها من متعثرة إلى محصلة بنسبة 53 بالمئة حتى الآن (من إجمالي المبالغ المتعثرة)، وساهمت مبكراً في مرحلة التعافي في تصفية الملفات المتعثرة وتحسين العلاقة بين المقترضين والمقرضين في المصارف العامة.
وأكد فضلية (وهو عضو المجلس الاستشاري أيضاً) أن عمل اللجنة محدد بفترة زمنية في البداية لكن تم تمديدها لأجل غير مسمى، وهذا ما يحدده رئيس مجلس الوزراء، وهي لم تحل حتى الآن.
بين فضلية أن هذه اللجنة في نهاية المطاف مؤقتة ويفترض عند معالجتها لمعظم الملفات المتعثرة تنتقل مهامها وأعمالها إلى المصارف لتتابع وتقوم بهذه المهمة قائلاً: أنا ما زلت رئيس لجنة المصرف الصناعي.
وأشار إلى أن معظم الملفات الكبيرة حسمت لمصلحة المصارف العامة ولم يبق سوى ملفات كثيرة العدد وقليلة المبالغ حيث بدأنا من الكبيرة إلى الأقل قيمة.
وأوضح أن المصارف الستة حصّلت 160 مليار ليرة من أصل 300 مليار تتزايد نتيجة الفوائد ولم يعد هناك ملفات كبيرة إلا بعض الملفات الشائكة.
ويرى رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية أن المصارف العامة يفترض أن تتابع مهام اللجنة لأن هذا العمل من مهام المصارف في الأساس.
وبين أن مهام اللجان هدفها المساعدة على التحصيل وتحديد مكامن الخلل في تعطل التحصيل ودعمت الحكومة اللجان وأعمالها حتى تمكنت من تحصيل هذه المبالغ.
ولفت إلى أنه منذ عام وجه رئيس الوزراء بتفعيل القطاع المالي بما فيه المصارف ووجه بإعداد مقترحات ومسودات لمعالجة المعوقات التشريعية لدراستها بهدف تفعيل القطاع المالي وقانون المصارف العامة مثل البورصة سوق دمشق للأوراق المالية وهيئة الأوراق المالية والعمل المصرفي وقانون المصارف العامة، إلا أن كل تلك المقترحات يتم العمل عليها ببطء.
فضليه كشف عن كتلة نقدية كبيرة لدى المصارف العامة، في المقابل هناك العديد من الجهات والمستثمرين ممن هم بحاجة لقروض، حيث تعاني المصارف من تخمة نقدية كبيرة ومن جهة أخرى هناك طرف بحاجة لها، وأوضح أن العمل الحكومي تركز في الآونة الأخيرة على إيجاد جهات أقنية تربط بين الجهتين عبر مرسوم أو قانون لتسهيل التواصل بين هذه الكتل النقدية الكبيرة والمقترضين والمستثمرين.
ولفت إلى عدة رؤى تستهدف تعديل قانون تسوية القروض المتعثرة لعام 2007 رقم 26 حيث يكون مرناً أكثر ويسرع من تسوية الملفات والقروض المتعثرة لتمكين المتعثرين بفعل الأزمة من الحصول على التسهيلات، مشيراً إلى إعداد مسودة من مصرف سورية المركزي يتم تطويرها حالياً.
وبين أن رئاسة الحكومة ووزير المالية طلبا إعادة تفعيل المرسوم 61 لعام 2007 الذي يسمح للتحول إلى شركات مساهمة عامة بعد إعادة تقييم الأصول إضافة إلى مسودة وضعتها وزارة المالية بالتعاون مع هيئة الأسواق والأوراق المالية وسوق دمشق للأوراق المالية، حيث يصدر مرسوم يحرك بشكل فعلي المؤسسات الفردية والشركات العائلية والخاصة ويشجع على التحول إلى شركات مساهمة عامة عبر خلق رأس مال جديد من مكتنــزات المواطنين من خلال شراء أسهم هذه الشــركات المتحولة حديثاً.
وأوضح أن هذه الإجراءات تصب في إطار استثمار المال الوطني وتحويله إلى رأس مال وكل يشتغل باختصاصه من الجهات المعنية، وإيجاد حل لعدم ترك المال الوطني مخزناً من خلال إيجاد أشكال مؤسسية من خلال تعديل بعض التشريعات التي تسهل إعادة الإقراض لتحريك الاقتصاد الوطني.