أيمن قحف
لم تعد حمص اليوم مدينة تعاني من الإرهاب، بل باتت محررة بالكامل وتعيش في حالة ورشة عمل دائمة من أجل استعادة بريقها وكامل حياتها كما كانت في السابق، وعلى رأس هذه الورشات يقف دائما محافظ حمص طلال البرازي الذي لا يكل ولا يمل في متابعة كل التفاصيل خاصة وأن محافظته لطالما كانت مصدراً للنفط والصناعات وأيضا عقدة وصل مع مختلف المحافظات.
برازي تحدث لبورصات وأسواق عن الهموم والانجازات، وأهم الخطط الموضوعة في الغد القريب والبعيد.
محافظ حمص طلال البرازي، تغير المشهد اليوم من منطقة تعاني من الإرهاب إلى منطقة آمنة خالية منه، كيف تغير نمط الإدارة ليتأقلم مع الوضع الجديد، فبعدما كانت إدارتكم إدارة حرب، اليوم نحن في مرحلة إعادة الإعمار؟
نحن نتحدث عن مرحلتين الأولى انتصار والثانية إعادة إعمار، وهما مسارين طبيعيين لدى كافة الشعوب التي حققت انتصار، وبدأت بعملية إعادة الإعمار، وفي هذه الناحية يجب الأخذ بعين الاعتبار أمرين، الأول إعادة الأمن لكل المناطق من خلال العمليات العسكرية، والثاني إعادة بناء ما تم تدميره خلال الحرب.
لاشك أن سورية عانت الكثير من الإرهاب والمؤامرة التي تعرضت لها البلد واستهدفت التاريخ والإنسان السوري، وبرأي يجب إعادة تقييم المصير الذي آلت إليه العقول وإعادة دراسة ما يمكن تحققيه في المرحلة القادمة.
خلال المعركة كان الدور الأساسي ينصب على دعم العملية العسكرية والعمل على إعادة الأمان، وفي سورية عامة و حمص خاصة، استطاع الجيش العري السوري وبدعم شعبي التخلص من الإرهاب، وبشكل موازي لم تتوقف دوائر الدولة والقطاعات الخدمية لتأمين الأمور الأساسية ومستلزمات الحياة، مثل الكهرباء، والماء، كما كان التركيز على إعادة تأهيل مؤسسات الدولة التي طالها الإرهاب، وهذا تحقق في الفترة الثانية من الحرب، ومنذ عام 2014 تمكنّا من إعادة دوران عجلة الاقتصاد من خلال إعادة أصحاب المشاريع المتوسطة، والحرف، وعودة المدن الصناعية في حمص والأسواق في المدينة القديمة، والأسواق الثلاثية بالإضافة للخدمات الأخرى التي تصنف سياحية، كالمطاعم والمقاصف والفنادق، كما عادت الحياة الثقافية إلى ما كانت عليه من خلال إعادة تنشيط المهرجانات في الريف الغربي مثل مهرجان القلعة والوادي، الذي شمل هذا العام الاحتفالية الرابعة منذ تحرير الحصن عام 2014، ونستطيع القول أنه يوجد حضور قوي في مجال الموسيقى والمسرح والأدب والشعر، وأيضاً في مجال المهام الإنسانية التي تمارسها المنظمات غير الحكومية والجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي تميزت في تلبية الاحتياجات الأساسية خاصة في المناطق التي تحررت حديثاً.
وفي هذا العام يوجد مرحلة متقدمة، فالمدينة الصناعية تشهد منذ ثلاث سنوات تطوراً غير مسبوق، واليوم يوجد فيها أكثر من 230 معمل قيد الإنتاج، وهي تتراوح ما بين المعامل الصغيرة والمتوسطة والمعامل الاستراتيجية، مثل الحديد والصب والسحب ومعمل العنفات الريحية، وإعادة تفعيل بعض المعامل مثل الأنابيب البلاستيكية والكر والنيج، هذه الوقائع تؤسس لمستقبل متميز في محافظة حمص.
تملك حضرتك نظرية خاصة في الإدارة سميته 30 بـ70 وفي فترة الحرب كانت الأولويات لمواضيع معيشة المواطن تأخذ 70% ولكن اليوم انقلبت النسب؟
لاشك ان فترة الحرب لها خصوصية، فمؤسسات الدولة والإمكانات اللوجستية وكل شيء توجه لدعم العمليات العسكرية، ولمواجهة الارهاب حتى أن بعض الموارد البشرية كانت في الألوية الطوعية، إضافة لتشكيلات تم وضعها في تصرف الجيش العربي السوري كقوات رديفة تسعى من أجل حماية المؤسسات والمجتمع المحلي، خاصة من المناطق التي كانت قريبة من البؤر الإرهابية، لذلك كانت الكثير من دوائر الدولة تعمل إلى جانب الجيش والقوات المسلحة من أجل تحقيق الأمن والأمان وإعادة تحرير كل المناطق.
اليوم بعد تحقيق هذه الانتصارات الكبيرة في حمص، وفي سورية كافة، لاسيما بعد تحرير الريف الجنوبي لحماة، وتحرير ريف دمشق، تهيأت الظروف لوضع الإمكانيات الأكبر لخدمة المواطن، والمناطق التي تحررت، لهذا نرى أن أولويات العمل هي بإعادة جميع الخدمات الأساسية لتلك المناطق، ودعم دوران عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي، وما تشهده مناطق ريف حمص هي مزيد من النشاطات، وإعادة تفعيل دور المؤسسات الاقتصادية، خاصة في المجال الزراعي والتربية الحيوانية والأعمال التي تتصل بتسويق الإنتاج ونقل المنتج للأسواق السورية أو الخارجية وتأمينها، وفي هذا الجانب نستطع اليوم القول أن العد العكسي منذ عام 2016 بدأ في إعادة بناء قطيع كبير من الأبقار والأغنام والدواجن في حمص، وشهدت الفترة الأخيرة في 2018 تحول كبير يوازي ما كان موجود في الـ2010، وأقول أنه في العام القادم سيتحقق التوازن في هذا المجال.
وفي قطاع الصناعة، ليس في حسياء وحدها وإنما 30% من المناطق الصناعية القريبة من مدينة حمص أو محيطها عادت للنشاط والبناء والإنتاج، ونملك خطة مدعومة من الحكومة من أجل إعادة دوران عجلة الإنتاج الصناعي والحرفي في المدينة وريفها.
بخصوص إعادة الإعمار، حمص أول محافظة تقريباً هي آمنة بالكامل، وإعادة الإعمار تحتاج لجهد كافة الجهات والقوانين لأي درجة نحن جاهزون لهذه المرحلة؟
بتوجيهات مباشرة من السيد الرئيس منذ عام 2014 بدأت عمليات التخطيط والتنظيم للمناطق التي تضررت، وبدأنا بإعداد تخطيط وتنظيم المدن المتضررة، ففي عامي 2014 و2015 أنجزنا دراسة تفصيلية لبابا عمرو التي تبلغ مساحتها 217 هكتار، وستضم 465 برجاً سكنياً، بالإضافة للمباني الخاصة بتقديم الخدمات مثل المدارس والأسواق ومباني الدولة، وقد تم تصديقها من قبل وزارة الإسكان عام 2016، أي أن كافة الأعمال الفنية والهندسة تم استكمالها وبالتالي باتت جاهزة لإحداث منطقة تنظيمية بمرسوم قريب، خاصة بعد صدور القانون رقم 10، الذي يتيح لمجلس المدينة على أسس فنية وقانونية المباشرة بعمليات إعادة الإعمار والبناء.
كما أنجزت دراسات لمدينتي القصير وتدمر ومدينة الحصن، وهذه الدراسات حول بعضها لرؤية شاملة لعملية إعادة البناء ومخطط تنظيمي عام، ويبقى أن نحصل على موافقة وزارة الإسكان، أما في مناطق جورة الشياح والقصور والقرابيص، قامت الورشات الفنية بإنجاز كل الدراسات المطلوبة واعتمدت بعض القوانين النافذة والمتاحة التي هيأت الظرف المناسب لإعلان تعديل المخطط التنظيمي وضابطة البناء، وتم تعديلها بشكل نهائي وإقرارها في مجلس المدينة، ثم أقرت في الأسابيع الماضية من خلال اللجنة الإقليمية في محافظة حمص، وتم رفع هذه الدراسات لوزارة الإسكان لتكتسب التصديق النهائي وتدخل التنفيذ، واعتقد أن ذلك سيتم خلال شهر بالأكثر، وبعدها سيتاح للمستثمرين والمالكين والمقاولين هدم أو استكمال هدم مبانيهم، وإعادة البناء وفق الضابطة الجديدة، وسيتيح ذلك لملاك هذه الأبنية إعادة البناء بزيادة طابقية تبلغ 100%، وهذا سيعود على مجلس المدينة وعلى المتضررين من الحرب بفرصة إعادة البناء بشكل سريع.
الشق الذي بدأ فعلياً، هو إعادة تأهيل وترميم الأبنية والأسواق في حمص القديمة، وهم عمل يجري من حوالي السنتين، ولن يتوقف، وما حصل اليوم سيتيح فرصة تنشيط الوسط التجاري في مدينة حمص، الذي سينعكس إيجابياً على النشاط الاقتصادي.
تهتم بشكل خاص بوسط المدينة، لكن كما يبدو أن استجابة الفعاليات الاقتصادية ليست كما يجب؟
لاشك أن استجابة هذه الفعاليات تأتي في المرحلة الثالثة والرابعة، ما بعد دمشق وريفها وحلب، وهي تأخذ بعين الاعتبار واقع المحافظة الاقتصادي وواقع الفعل التجاري الذي ينعكس بشكل واضح على سرعة إنجاز الأعمال المطلوبة لإعادة الإعمار، التقينا كثيراً مع المقاولين والتجار ورجال الأعمال وتمكّنا من تحقيق حركة جيدة في القطاع الصناعي، ولكن في مجال القطاع التجاري وإعادة الأسواق التجارية كانت الاستجابة متوسطة، ومع هذا نتوقع أن يشهد النصف الثاني من هذا العام نقلة جيدة في تحسن الحركة التجارية والاقتصادية لوسط المدينة بعد تحرير الريف الشمالي، الذي كان يمثل 50% من الدعم لأسواق المدينة القديمة، وقد لاحظنا أن الحركة التجارية والنقل والمواصلات أصبحت تشكل عنصر أساسي يميز الأشهر القليلة الماضية بعد فتح طريق حمص حماة المركزي.
هل يمكن إلزام الفعاليات الاقتصادية على العودة؟
لا يوجد إلزام، إنما تشجيع لغرفة التجارة والصناعة، والإلزام بالطرق القانونية تقتضي على كل المتضررين من المباني السكنية الاستجابة لخطة مجلس المدينة التي تمنح سنوات محددة للإنجاز، فإعادة الإعمار تبلغ 5 سنوات، وفي المدينة القديمة تم تخصيص ثلاث سنوات لإعادة الترميم، وهناك أطر تسمح لمجالس البلديات التأثير بشكل إيجابي في هذا المجال.
حضرتك كرجل أعمال هل تشعر أنه يمكن إقامة تحفيز أكثر قرب من عقل قطاع الأعمال؟
كما هو معلوم، التجار لديهم توجس دائم في مرحلة ما بعد الحرب، وبالتالي إعادة عملية الاستقرار والأمان في كل المناطق السورية، سيكون له دور مهم في إعادة تحفيز رجال الأعمال بمختلف مجالات إعادة الإعمار، لكن معروف أن حركة البناء تبدأ بشكل بطيء وتتسارع بشكل مضطرب وكبير في المراحل التي تليها، عندما نجد اليوم عملية إعادة البناء والإعمار بدأت في حمص نستطيع القول أن بشائر انطلاق عمليات إعادة البناء والإعمار بدأت فعلاً في حمص وإن كانت بشكل بسيط أو خجول.
عملية إعادة الإعمار تأمن فرص عمل لأكثر من 70 مهنة، وهي تؤمن دخل للكثير من العاملين في مختلف قطاعات البناء، وبالتالي ستبدأ انعكاساتها على المجتمع بشكل عام وهذا ما نلمسه بشكل واضح في محافظة حمص، التي وفي إطار تكونيها تحتاج لإعادة الاستقرار والأمان، لأن ما يقدمه الريف الغربي في قطاع الزراعة والسياحة ينعكس على كل القطاعات، وما يقدمه أيضاً الريف الشرقي من أشجار مثمرة والمراعي، والسياحي في مدينة تدمر والقريين له شكل من أشكال التكامل الاقتصادي، وما يقدمه حوض العاصي لاشك أنه يشكل دافع ودعم كبير للقطاع الزراعي، والمنتج الذي ستقدمه هذه الفعاليات سينعكس تكاملاً في حياة المواطن في المحافظة.
قطاع النقل تستفيد منه حمص بشكل خاص لأنها عقدة الوسط، وهذا سنشهد نتائجه في المرحلة القادمة، خاصة إذا ترافقت مع فتح المعابر الحدودية في التنف ونصيب.
كيف يمكن أن تستفيد حمص من موقعها الجغرافي الهام، لينعكس على نشاطها الاقتصادي؟
موقع حمص له أهمية خاصة في كل من قطاع النقل والاقتصاد والتسويق فالمنتج حينما يكون في وسط البلاد هو أقل كلفة في نقله، ويمكن أن نؤكد بأن محافظة حمص تستفيد من موقعها الجغرافي لتكون عقدة وصل اقتصادي وسياحي ومركز مهم جداً.
واستهداف حمص لم يكن بشكل اعتباطي لأن سقوطها يقسم سورية لقسمين، وهذا الهدف الذي سعى له أعداء سورية سقط اليوم، ويجب أن نعلم حالياً وأكثر من أي وقت سبق أن تحقيق الأمان في حمص سينعكس على بقية المحافظات، كما يجب أن نعمل على توطين بعض الصناعات التي جاءت واستقرت هنا خلال الحرب.
برأيك ما هو المطلوب من الحكومة المركزية أن تقدمه بشكل خاص لمحافظة حمص؟
في المرحلة القادمة سيكون لحمص مكانة خاصة في الدعم الحكومي، خاصة وأنها تملك الكثير من القطاعات الهامة مثل الغاز، إذ تنتج حوالي 16 مليون متر مكعب غاز، وهذه المنشآت تحتاج للكثير من الخدمات اللوجستية والعمالة وتأمين ظروف إيجابية للمجتمع المدني، مثل تأمين فرص العمل، كما تملك حمص ميزات خاصة في مجال الزراعة من خضار وفواكه ولوز والزيتون والنخيل.
يجب أن نأخذ الأهمية الخاصة لها بعين الاعتبار وزيادة الدعم وتأمين فرص استثمارية، وهذا سيكون بالمشاركة بين المجتمع المحلي والمؤسسات الحكومية بالتعاون مع الوزرات المختصة بإطار خطة حكومية شاملة، تأخذ توزيع النشاطات الاقتصادي والتجاري بين المحافظات وتحديد شكل النشاط كأن نعطي للقطاعين الصناعي والزراعي دعم أكبر ليتناسب مع خصوصية المنطقة.
بالنسبة لتدمر، كل العالم يعرف مكانة هذه المدينة، ما مصيرها اليوم؟
تعرضت تدمر للكثير من الإيذاء الذي طال البشر والحجر، وعودة الحياة الطبيعية لها بدأت منذ فترة قصيرة، ويوجد دراسات لإعادة إعمار تدمر تتم بالتعاون مع وزارة الثقافة من أجل إعادة المناطق التراثية والتاريخية والثقافية فيها، خاصة المنطقة القديمة والواحات التي تحيط بها.
تدمر محل اهتمام عالي من السيد الرئيس والحكومة ووزارة الثقافة والسياحة وأيضاً الإدارة المحلية والإسكان، وما يخطط لها سيعيدها أفضل مما كانت في الماضي، نحن نتوجه لمرحلة قادمة نأخذ فيها أهمية تدمر بالنسبة للسوريين.
يتم العمل على إعادة أهالي مدينة تدمر لمدينتهم، وهذا يحتاج لإعادة الخدمات الأساسية، وعندما تتحرك المدينة سياحياً يجب أن يكون هناك فرص عمل وسكان، لهذا سنفتتح خمس مدارس مع بداية العام لتشجيع عودة الأهالي، والمخطط التنظيمي سيعيد الحياة.
بالنسبة لاستحقاق انتخابات الإدارة المحلية، كيف سيؤثر على الحياة في حمص؟
أتوقع أن يكون هناك إقبال كبير على الترشيح والانتخابات، وعودة الحياة الطبيعية لكل محافظة حمص يتيح الفرصة اليوم كي يساهم كل أبناء المحافظة في إعادة الإعمار، وإعادة الحياة.
ولاشك أن انتخاب الوحدات الإدارية ومجالس المدن والبلدات سيكون مساهمة محلية من الأهالي والمواطنين كل في منطقته وقطاعه ليكون له دور أساسي في إعادة الإعمار، وكما نعلم أن الإدارة المحلية هو حالة متطورة للدعم الذي قدمته الحكومة والتشريعات ليساهم أبناء المجتمع المحلي في التخطيط والتنظيم للمناطق والقرى، ونحن نعمل لتهيئة الظروف الملائمة لنجاح هذه الدورة الانتخابية، ومرحلة ما بعد انتخاب المجالس المحلية سيكون لها أثر إيجابي في تحقيق تسارع مهم جداً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
كلمة أخيرة؟
أي مسؤول يكلف بمهمة يحمل المسؤولية والأمانة، أتمنى أن نعمل جميعاً كلاً في موقعه لحمل المسؤولية وأداء الأمانة التي منحتنا إياها القيادة والسيد الرئيس، وأتمنى أن أترك أثر إيجابي وتحقيق إنجازات تنعكس على حياة المواطن وتطور الوطن.