رشاد أنور كامل
مع انطلاق موجة الإصلاح الإداري للمرة الثالثة على المستوى الحكومي في سورية، لابد للمختص بهذا المجال أن يسأل، ما الذي حدث لما تم إقراره سابقا في هذا المجال في الجولتين الاصلاحيتين، الأولى في العام 2002 والثانية في العام 2011، قبل أن ندخل غياهب التخطيط للجولة الثالثة.
يخرج السيد رئيس الوزراء خميس بتصريحات حول الإطار العام الناظم للإصلاح الإداري القادم، فيشعر من يسمعه بأن هذه الجولة من الإصلاح هي الأولى... خاصة عندما يعطي عملية الإصلاح هذه اسماً إعلاميا وهو " المشروع الوطني للإصلاح الإداري ..."
الإصلاح الإداري واجب الحكومات، وهي بالضرورة، جزء من أدوات تطوير الخدمة العامة، ولا يكون مشروع وطني، بل مشروع حكومي، والفرق كبير، فالمشاريع الوطنية مسؤولية كل مواطن، اما المشاريع الحكومية بما فيها الإصلاح الإداري وتحديث تقديم خدماتها، فهي مسؤولية الحكومة أمام المواطن.
النقاط التي ذكرها السيد رئيس مجلس الوزراء في لقاءه مع وكالة الانباء حول الإصلاح الإداري تتمحور حول عناوينه الخمس والتي تتلخص في خمس نقاط أساسية هي:
- الرضا عن الخدمة أو المنتج وتقييم مستوى الخدمة الناتجة عن هذه المؤسسة.
- رضا المواطن
-رضا الموظف
-التنظيم المؤسساتي
- أتمتة إدارة موارد المؤسسات
من حيث المبدأ هذه عنوانين جيدة للبدء بأي عملية اصلاح اداري، حيث انها تعبر عن المنتج الاخير المطلوب لهذا الاصلاح ...
ولكن عندما وصف رئيس وزرائنا العمل المطلوب لتحقيق ذلك قال: "المشروع في جوهره طويل ويتطور مع تطور الهيكلية وهو إصلاح إداري يعتمد بشكل كبير على الإجراءات الإدارية البشرية والتشريعية والقرارات المتعلقة بعملية التنظيم والمتابعة لافتاً إلى متطلبات المشروع التقنية والتحديات الاقتصادية نتيجة الحصار الجائر المفروض على سورية والعمل على تجاوزها لإنجاح المشروع"، هذا يعني ربط انجاز الاصلاح بزمن لا نملكه وبموارد غير متوفرة.
إن أهم مؤشرات العمل الحكومي الجيد هو عدم تكرار ما تم انجازه، والبناء على ماسبق. وحتى لا اعود الى تجربة الاصلاح الاداري التي تم طلبها في العام 2002 من كل الوزراء، وتم رفعها الى لجنة مختصة في القيادة لتدارسها،وطلب بعد ذلك من كل الوزراء تنفيذ تلك الخطط، ولحقها بعد اشهر تعديل وزاري، اتى برئيس وزراء جديد وخطط جديدة ...
سنركز على أحدث ما يفترض تم انجازه بهذا المضمار وهو تقرير لجنة إصلاح وتحديث الإدارة العامة المنجز في الشهر الثامن من العام 2011 ...
وتضمن ذاك التقرير المحاور الست التالية:
المحور الأول يتعلق بالإصلاح وتحديث الهياكل التنظيمية للإدارة الحكومية بمعنى إعادة هيكلة الإدارة الحكومية وكل محور تم تحديد الأهداف المبتغاة منه وهنا نجد أن الغاية تكمن في زيادة فعالية الإدارة الحكومية وتقريبها من المنتفعين من المرافق العامة وأن يكون هذا التقريب جغرافياً وإجرائياً وبالتالي يتطلب ذلك إعادة النظر في مسؤوليات التنمية بين الفاعلين الأساسيين الذين يشكلون أربعة فاعلين هم السلطة المركزية والسلطة المحلية متمثلاً بقانون الإدارة المحلية والقطاع الخاص وهنا لابد من إيجاد قانون للشراكة بين العام والخاص باعتبار الأخير شريكاً أساسياً في عملية التنمية وهنا سيتم تعزيز مسؤولية هذا القطاع الاجتماعي، أما الفاعل الرابع فهو المجتمع المدني كونه شريكاً في التنمية أيضاً.
المحور الثاني يتعلق برسم السياسات ووضع النظم وآليات صنع القرار وهنا يوجد العديد من الأفكار التي طرحت كان أهمها تفعيل مجلس استشاري لدى رئاسة مجلس الوزراء وإيجاد آلية أو قانون لصياغة التشريعات وهذا ما تم العمل عليه في معظم دول العالم، إضافة إلى تعزيز دور الأمانة العامة لمجلس الوزراء وإعادة النظر في دور الأجهزة الرقابية والفكرة الأساسية من كل ذلك إعادة إحياء دور ما كان يسمى سابقاً ديوان المحاسبات العامة الذي طرح منذ عقود طويلة ولم يطبق...!
والمحور الثالث يتعلق بتحسين العلاقة الحكومية مع متلقي الخدمة.
المحور الرابع يتعلق في إدارة الإنفاق العام وهذا يحتاج إلى مشروع كبير يسمى في علم الإدارة مراجعة السياسات العامة بهدف إعادة الهيكلة.
والمحور الخامس يتعلق بتحسين إدارة الموارد البشرية والذي يتطلب رفع كفاءة ومهنية العاملين في الخدمة المدنية وهذا يستدعي وضع نظام أساسي للوظيفة العامة بدلاً من القانون الأساسي للعاملين في الدولة وإحداث هيئة محددة لإدارة الموارد البشرية وإصلاح نظام الرواتب وسياسات أنظمة التحفيز واعتماد نظم للترقية وهذا ضمن مشروع المراقبة الوظيفية واعتماد أسلوب الحركية في تشغيل شغل المراتب العليا وربط المسار الوظيفي بالمسار التدريبي.
أما المحور السادس فيتعلق بتعزيز قيم النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد في الإدارة العامة وهذا يتطلب تعزيز دولة القانون ويتطلب أيضاً عدداً كبيراً من الإجراءات مثل وضع مواثيق للمرافق العامة على مستوى كل قطاع أي ميثاق المواطن للتعامل مع هذه الجهة وتعزيز مشروعية التصرفات الإدارية وتعزيز قدرة القضاء كونه أساسياً في هذا الجانب وأهم نقطة هنا لابد من اعتماد نظام الإقرار بالذمة المالية على مستوى كبار الموظفين وهذا يحتاج إلى قانون واضح وأن يرتبط ذلك بلجنة مكافحة الفساد.
ووافق مجلس الوزراء في الشهر آب من العام 2011 على تشكيل لجنة للإشراف على قضايا الإصلاح الإداري في مجلس الوزراء معنية بمتابعة آلية تنفيذ الإجراءات المختلفة، والتنسيق مع المكونات الأخرى المتعلقة بها، وخاصة في الجانب الاقتصادي والبنى المعنية في مكافحة الفساد".
ووافق ايضاً على تشكيل لجنة من وزراء الاتصالات والإدارة المحلية والسياحة والشؤون الاجتماعية والعمل والأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء ورئيس لجنة إصلاح وتحديث الإدارة مهمتها الإشراف على عملية الإصلاح الإداري وتحديد المهام التي ستناط بالبنى المؤسساتية المقترح إحداثها.
علماً بأنه في الدراسة تم وضع مصفوفة تنفيذية تتألف من 30 خطوة رئيسية يمكن البدء بها مباشرة كتعزيز اللامركزية، وخصوصاً من خلال قانون الإدارة المحلية وفق متطلبات تم تحديدها تواكب أهم ما يحدث في العالم في هذا المجال، إضافة إلى إعادة هيكلة مجلس الوزراء للهيئات الموجودة حالياً ولآلية العمل في المجلس، إلى جانب إعادة هيكلة الوزارات من خلال إمكانية دمج بعضها وبعض المديريات وذلك وفق آليات محددة.
والدراسة تتضمن أيضا وضع 10 خطوات لتنفيذ الحكومة الإلكترونية، إضافة إلى إعادة النظر في عدد من التشريعات وعلى رأسها قانون الاستملاك وفق المعايير العالمية، وإحداث مكتب للصياغة القانونية على غرار ما يحدث في كثير من الدول المتقدمة، وإحداث هيئة عليا لمكافحة الفساد بالتنسيق مع اللجنة العاملة، في هذا الإطار وإقرار الذمة المالية لكبار العاملين في الدولة لزيادة الشفافية في العمل الحكومي"..
فالسؤال هنا، اليس من أولويات الإصلاح الإداري أن تقدم الحكومة الحالية سبباً لعدم اطلاعها على تاريخ عمليات الإصلاح السابقة وأن تطلب من أمانة رئاسة مجلس الوزراء نفض الغبار عن كل الدراسات والموافقات والخطط التي قدمت من كل الجهات الاستثنائية والعادية وعلى الأقل الاطلاع عليها، قبل البدء باختراع الدولاب مرة أخرى.
إن الإصلاح الإداري، يجب أن يبدأ من الإصلاح الإداري نفسه، أي لا يمكننا أن نبدأ بخلل نسيان كل ما أنجز بهذا المجال، أو نسيان لماذا أخفقنا حكومياً في إنجازه، او حتى في تذكره.
اهم أنواع الفساد هو الترهل
لأن الترهل يعتمد على أن الزمن سيطوي كل موجة ...
لا يوجد أي مانع تقني او اقتصادي، او له علاقة بالأزمة التي تعصف بسورية تمنع اليوم أمين عام رئاسة مجلس الوزراء من جمع ارشيفه حول كل ما تقدم من وثائق وخطط حول الإصلاح .... وأن يطرحها أمام رئاسة مجلس الوزراء والوزراء، ليدرسوها، وليعطوا رأيهم فقط بالتعديل المطلوب الذي فرضه الزمن ما بين 2011 و2017 ...
وليشكروا من اجتهد في تقديم وثيقة الإصلاح في العام 2011، وليعتذروا للشعب السوري على التأخر الى العام 2017 لدراستها فعلاً..
عندها نعلم ان مسنن الإصلاح دار سن واحد الى الامام ...
السن الثاني عندما نعلن خطة الإصلاح بمواعيد زمنية الى العلن ....
السن الثالث .... عندما نصدق أن هناك فعلاً حركة باتجاه الإصلاح .... الإصلاح الإداري..