خاص- سيريانديز
فاجأ الدكتور عبد اللطيف عمران مدير عام صحيفة (البعث)الناطقة باسم الحزب القراء اليوم بافتتاحية يبدو أنها تمهد لإحالة ما يسمى(القيادة القومية)للتقاعد؟!!
عمران –وفي إشارة غير مباشرة-وصف بعض مؤسسات العمل القومي وكوادرها بأنها"صدئة"!!
رئيس تحرير البعث تطرق-بحذر وجرأة-وربمل لأول مرة إلى مفهوم"القومية"الذي يتبناه حزب البعث مبادئ ومناهج فقال أنه"..وإذا كان «البعث لا يُلغى إلا بنفي الفكرة القومية» كما أوضح السيد الرئيس بشار الأسد الأمين القطري للحزب، فإن «استمراره مضمون بمقدار تلازمه مع الواقع وتماشيه مع التطورات».فلابد من مراجعة العمل القومي على مستوى النظرية والممارسة.."
وهنا نص افتتاحية "البعث"اليوم:
العمل الحزبي بين الوطني والقومي
فرضت الأزمة الراهنة التي يمرّ بها الوطن العربي مساراً جديداً على تاريخ العلاقة العضوية بين النضال الوطني والقومي، ولاسيما حين صار أغلب الأقطار العربية يفتقد السلم الأهلي والعيش المشترك، وهذا مايستدعي بالغ الاهتمام بالعمل الحزبي الوطني.
فعدا عن أن القطر الواحد صارت وحدته الوطنية مهددة، فإن الغلبة الطارئة للمشروع الصهيو-أطلسي الرجعي العربي على المشروع القومي جعلت الخطر من الجار أولاً على نحو مانشهد وشهدنا بين العراق والكويت، اليمن والسعودية، المغرب والجزائر..إلخ.
واستطار الشرر لينال مؤسسات العمل العربي المشترك ومن أهمها ما سمّي بـ«الجامعة العربية» التي صادرت الرجعية العربية الهدف منها. وليس بعيداً عن الحقيقة والواقع أن نتائج عمل الأحزاب القومية وللأسف صارت الآن في مهب الريح. فلا يمكن نكران الواقع الداخلي المرير لكل قطر عربي أولاً، وضعف التواصل بين مكونات التيار القومي على الساحة العربية ثانياً.
فبعد أن أصدر عدد غير قليل من هذه الأقطار قوانين للأحزاب، وعدّل في دستوره صار العمل الحزبي من حيث بنيته وكوادره وأهدافه يكتسب الصفة القطرية. وهذا ماأدى إلى اعتبار العمل الحزبي القومي بمثابة التدخل من الخارج، أو «تصدير الثورة».
ولا يعني هذا الكلام أبداً الدعوة إلى انكفاء التيار القومي أو استسلامه أمام التحديات الراهنة، بل يعني ضرورة تنشيط الحياة السياسية في المجتمعات العربية من خلال تفعيل العمل الحزبي الوطني أولاً الذي يتعرّض بدوره لتحديات داخلية أكبر، وبعد أن ينجح هذا العمل في تحقيق هدفه الوطني يمكن حينئذٍ المتابعة نحو الهدف الأكبر، ولاسيما أن المجتمعات العربية اليوم ملأى بأحزاب سياسية يتداخل فيها «كمون» الطائفي بالمذهبي بالعشائري مايهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والدولة القطرية نفسها التي طالما طمحت التيارات القومية بتجاوزها إلى الدولة القومية الحلم.
إننا نعيش اليوم في ظروف لم نعد فيها على صواب باستنكارنا نقد اليسار لمنظّري الوعي القومي بأن كتاباتهم تشبه الوعظ الكنسي الإنشائي. وكما أن تمسّكنا بوهم وجود ماضٍ سياسي عربي موحَّد وموحِّد لم يعد مفيداً لغيابه عن الواقع أولاً، ولضرورة إحلال الماضي الثقافي محل الماضي السياسي، مايتطلب تقديم العروبة الثقافية على العروبة السياسية ثانياً.
وفي هذا السياق فإن لحزب البعث العربي الاشتراكي تجربة مهمّة يظهر من خلالها أن نضالنا القومي الحديث الذي نعتزّ به لم يحقق النتائج المرجوة. وهذا الكلام ليس ردة فعل على واقع الوطن والأمة، ولا على الحال المزرية لمؤسسات العمل العربي المشترك، ولا على مآل تجارب سورية الوحدوية المتكررة بين ثمانية أقطار عربية، ولا على ماوصل إليه البعث في العراق، ولا على نتائج عملنا القومي في الحزب.
ليس ردة فعل بقدر ما هو دعوة إلى ضرورة المراجعة النقدية، ولاسيما أننا نعرف سطوع الهاجس القومي في عمل حزبنا الذي عقدَ على سبيل المثال في عَقْد الستينيات عشرة مؤتمرات قومية، بينما لم يتجاوز العدد نفسه حتى اليوم في مؤتمراته القطرية. هذه المراجعة لابد أنها ستفضي إلى التركيز على العمل الوطني دون أي تداخل أو تدخّل، أو قفز فوق الواقع.
إن نجاح العمل الوطني للحزب هو الطريق لتحقيق مصالح الشعب ونصرة قضايا الوطن والأمة.
وكما أن الشعور القومي والهوية العروبية والانتماء إليها مسألة راسخة في الوجدان والضمير، إلاّ أن ضعف الوحدة المجتمعية والوطنية يعصف بهذا الرسوخ، وقد ثبت أن المؤسسات القومية العربية كأحزاب ومنظمات ونقابات أقل منَعة أمام بريق البترودولار – خفوت التنديد باللقاء الصهيوني السعودي – ولذلك يكون نجاح العمل السياسي الوطني هو الذي يعزز هذه المنَعة.
وإذا كان «البعث لا يُلغى إلا بنفي الفكرة القومية» كما أوضح السيد الرئيس بشار الأسد الأمين القطري للحزب، فإن «استمراره مضمون بمقدار تلازمه مع الواقع وتماشيه مع التطورات».
فلابد من مراجعة العمل القومي على مستوى النظرية والممارسة، مع لحظ ضعف مؤسساته وكوادره وترهّلها أمام توثّب الأجيال الجديدة. وهذا لا يعني أننا ننطلق من يأس بقدر ما نؤكد أن بعض هذه المؤسسات والكوادر صار صدئاً. وعندها نتجنّب مايعتبره بعضهم أن طرح الفكرة القومية يضعف قيم الحداثة وكأنه طرح قسري من أعلى، وأن العمل القومي تخطيط للتدخل الصارم بشؤون المجتمع الوطني.