د. تركي صقر
توقف العدوان السعودي - الأميركي ولم يتوقف، تراجع القصف الوحشي ولم يتراجع، أعلن عن وقف إطلاق النار وأعلن عن الاستمرار في إطلاق النار
وتم الانتقال بين المسميات من «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل» والمحصلة حال من تخبط سعودي فاضح وإخفاق في تحالف المملكة منذ البداية وفشل في النتائج «حزم» خائب و«أمل» كاذب، والسبب أن السعودية دخلت المعمعة اليمنية، من دون أن تَكُون لديها استراتيجية الخروج مِنْهَا والحصيلة معروفة سلفاً: هدم ودمار وقتل الأطفال والنساء والعزل من المدنيين، وتالياً زيادة الكراهية بين الشعبين «الشقيقين»، وبهدف تركيع اليمنيين وإعادة اليمن إلى وصاية آل سعود بالحديد والنار.
عشر دول مع المملكة الظالمة استقوت على اليمن وشنّت العدوان الظالم تحت مسمى «عاصفة الحزم» وبعد أن فشلت أمام صمود شعب اليمن أعلنت وقف القصف الجوي لتمتص الغضب الداخلي والعالمي وعادت لتستمر في عدوانها تحت مسمى كاذب هو «إعادة الأمل» والغريب أن العائلة الحاكمة السعودية استمرت في عدوانها رغم ما ردده الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة مع الصحفي الأمريكي المعروف توماس فريدمان بقوله: «إنه سيكون صريحاً مع السعوديين وأهل الخليج، وسيقول لهم إن الخطر على أنظمتهم لن يكون من الخارج، وبالذات من إيران، بل الخطر من الداخل من أيديولوجية الأنظمة تلك وممارستها في الحكم».
لقد توالت مؤخراً انتقادات أوباما غير المسبوقة لسلوك حكام السعودية والخليج عامة فبعد تصريحه المدوّي للصحفي فريدمان من أن الخطر على السعودية هو من داخلها وليس من إيران جاء تصريحه التالي مدوياً أكثر ويشير بإصبع الاتهام لحكام السعودية والخليج أنهم وراء تأجيج الإرهاب في ليبيا وتغذيته ولم يسبق لرئيس أمريكي أن وجه مثل هذه الانتقادات الحادة لأتباعه وعبيده من أصحاب العروش والكروش بصورة علنية، وهذا تطور لافت في العلاقة بين البيت الأبيض والأنظمة التي تدين له بالولاء المطلق والطاعة العمياء .
الذروة في حديث باراك أوباما، تجلّت بتوجيه كلام مباشر وواضح للحكّام الخليجيين عندما قال بوضوح تام: «الخطر الذي يتهددهم ليس بهجوم محتمل من إيران، وإنّما السخط داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشباب الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسيّ لمظالمهم... لذلك ومع تقديم دعم عسكريّ، ينبغي للولايات المتحدة أن تتساءل: كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسيّة في هذه البلاد حتّى يشعر الشباب أنّ لديهم شيئاً آخر يختارونه غير داعش» و يتبيّن بوضوح، أن كلام أوباما غير بنيويّ في إشارته إلى تململ الشباب الخليجيّ، والذهاب بالإشارة الضمنيّة إلى أن الأنظمة الخليجيّة بتشدّدها تدفع الشباب لخيارات متطرفة ، وكأنّ تنظيم «داعش» الإرهابي ما هو إلا صدى لصوت الحكام ولأدوارهم في دفع الشباب لهذا التبنّي الواضح .
ولا ندري فيما إذا كان في جعبة أوباما المزيد من هز العصا في وجه هؤلاء الخدم حتى يحين موعد الاجتماع الذي استدعاهم إليه في البيت الأبيض منتصف الشهر القادم لإفهامهم الموقف الأمريكي من الاتفاق الإطاري مع إيران بشأن الملف النووي والذين كانوا آخر من سمع به وهم في هذا الاجتماع المقبل مع أوباما سيكونون آخر من يحق له الاعتراض عليه، وسيقولون له بالتأكيد قبل الاجتماع وبعده على السمع والطاعة... فعندما تكون هناك مصلحة عليا للولايات المتحدة الأمريكية تذهب مصالح هؤلاء الصغار إلى الجحيم، وهم ليسوا بأهم من الكيان الصهيوني ونتنياهو الذي لم يمنع صراخه أمام أعضاء الكونغرس ولا تحريضه للفرنسيين، من توقيع الاتفاق الإطاري في لوزان الشهر الماضي.
وتثير حملة الانتقادات الصادرة من عواصم الخليج لتصريحات أوباما السخرية، فهي حملة لا تحمل أي مصداقية أو مضمون مقنع، فكل ما أبداه أوباما أقل بكثير من واقع الحال في تلك الأنظمة ومن يصدق أن أراجيف الإعلاميين الخليجيين الذين اعتادوا التغني بالسياسات الأمريكية وتبجيلها يمكن أن يتجاوزوا الخطوط الحمر فضلاً عن أن حملتهم مهزوزة و مربكة ولا تعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي، فصاحب التصريحات مستمر بها ولا يأبه لهذه الأصوات المبحوحة الخائفة، وهي لن تقدم أو تؤخر في القرارات الأمريكية سواء لناحية الملف النووي الإيراني أو الاستمرار في رفض الاستجابة لهم فيما يتعلق بتدخل عسكري أميركي مباشر وحسم الموقف في اليمن أو العراق أو غيرهما ما يزيد من ورطة هذه الأنظمة التي ظنّت أن أسابيع قليلة من القصف المدمر وعاصفة ما أطلقوا عليه «الناتو» العربي ويستسلم الشعب اليمني كما كانت تظن أنها يمكن أن «تهزم» سورية خلال شهرين أو ثلاثة عندما حركت الإرهابيين نحوها، لكن أحلام هذه الأنظمة تبددت وأخفقت رهاناتها.
والمضحك في سلوك حكام السعودية والخليج أنهم يصفون ما يجري خارج بلدانهم بـ«الثورة» وأن القتلة وقطعان العصابات الإرهابية المتوحشة «ثوار» وأنهم يدعمونهم من أجل «إقامة أنظمة حكم ديمقراطية» في خارج بلدانهم وينسون أنفسهم، إذ لم تعرف كياناتهم في تاريخها حرفاً من حروف كلمة الديمقراطية فكيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟ من هنا فإن أكثر ما يخشاه هؤلاء الحكام أن يكون كلام أوباما جدياً وأن تكون صلاحيتهم قد انتهت عند سيدهم وحان وقت التغيير أو الاستبدال... وإلا ما معنى أن يتطرق الرئيس الأميركي إلى أن الاستبداد الذي يمارسه حكام السعودية والخليج هو المولد لأفواج الإرهابيين وأن البيئة الوهابية المحتضنة والمحمية من بني سعود تدفع الشباب للانخراط في الأعمال الإرهابية التي لن تكون السعودية في منأى من ارتداداتها وهو ما جعل زعيم البيت الأبيض يوجه هذه العاصفة الاستباقية من التأنيب والتأديب لحكام السعودية والخليج السادرين في ترفهم ومجونهم وغيهم.
في جميع الأحوال من المبكر الحديث عن تخلي البيت الأبيض عن خدمات أنظمة التخلف الخليجية إلا أن ما كشفه أوباما مؤخراً يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها وأن المخفي أعظم وأن الإدارة الأميركية لا تقبل أن تعامل حكام هذه الأنظمة إلا كأتباع صغار ترفع العصا في وجوههم كلما انتفخت أحجامهم أو تجاوزوا أدوارهم المرسومة في اللعبة التي تقودها في المنطقة.
العدوان السعودي مستمر ولم ينته، ومأزق آل سعود في اليمن يكبر ولا يخفى على أحد حجم الورطة السعودية في المستنقع اليمني فلا هم حققوا حتى الآن أهدافهم من العدوان بعودة هادي ولا هم أسقطوا الدولة اليمنية وأعادوها إلى أحضانهم، وليس في إمكانهم التقدم ولا في إمكانهم التراجع وكل ما حققوه «حزم» خائب وكذبة كبيرة تحت عنوان «إعادة الأمل» فأي أمل يرجى من هؤلاء المعتدين المتوحشين الظلاميين ؟!.
tu.saqr@gmail.com