د. تركي صقر
بدا باراك أوباما فرحاً بما انتهت إليه المفاوضات الماراثونية في لوزان بينما كان وزير خارجيته جون كيري يسير خلف جواد ظريف وزير خارجية إيران للوقوف على منصة الإعلان عن الاتفاق الإطاري إلى جانب ممثلة الاتحاد الأوروبي وبقية وزراء خارجية«5+1» وعلى الضفة الأخرى كانت وجوه حكام السعودية والخليج وحليفهم المخلص بنيامين نتنياهو كظيمة وتخفي رعباً مبطناً بالغيظ والغضب على ما قام به أوباما الذي ضرب عرض الحائط بكل تحذيراتهم وتأوهاتهم وقلقهم ولم يأخذ بأي من ذرائعهم و مخاوفهم وهواجسهم ومضى إلى الاتفاق مع إيران لا يلوي على شيء.
لماذا فرح أوباما وغضبت كل تلك الإمعات؟
بالنسبة لفرح أوباما فقد كان ينتظر لحظة الإعلان عن الاتفاق الإطاري مع إيران بفارغ الصبر لسببين الأول: شخصي يعود إلى حاجته الماسة لتحقيق إنجاز على مستوى كبير أو كما يقال «محرز» مثل وقف الخصومة المديدة بين أمريكا وإيران التي صار عمرها ستاً وثلاثين سنة وهو ما سيكتبه له التاريخ وما سيسجل له في نهاية ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة. وأما الثاني فيتعلق بتسجيل نقاط لحزبه «الديمقراطي» كرصيد في معركة الانتخابات الرئاسية القريبة في وجه منافسه الحزب الجمهوري.
وبالنسبة لغضب آل سعود وحليفهم نتنياهو فقد كان بسبب أنهم كانوا آخر من يعلم بالاتفاق بعد أن بدأ تقرّب وتقارب إدارة أوباما من إيران في سلطنة عمان ثم في جنيف وصولاً إلى لوزان، وشعروا بأن البساط قد سحب من تحت أرجلهم جميعا ورفضت الدبلوماسية الأمريكية الاستجابة لتخرصاتهم وادعاءاتهم ولم تنجح كل محاولات التخريب والتعطيل والعرقلة والحرد السعودي والتحريض وإغراء حكومة فرانسوا هولاند للتصويت ضد التوقيع على الاتفاق بالفشل كما لم تنفع هستيريا نتنياهو وخطابه الناري في الكونغرس وسط انزعاج رئيس البيت الأبيض وأركانه.
لقد زاد من غضب نتنياهو وأصحابه حكام السعودية أن أوباما للمرة الثانية يخيب آمالهم في عدم استخدام القوة العسكرية الأمريكية وفق ما يريدون ويشتهون فقد كانوا ينتظرون منه أن يضغط على زناد بوارجه وأساطيله في البحر الأبيض المتوسط ويشن الحرب المباشرة على سورية وشعبها ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، وقبل، بالمقترح الروسي بشأن «الكيمياوي» وكانوا يترقبون منه أن يضم «التحالف الدولي» ضد «داعش» إلى «التحالف العربي» ضد اليمن ليكون «تحالفاً واحداً» في الحرب على إيران باعتبارها «الهدف الأهم» في نظرهم فإذا به يطير فرحاً بتوقيع الاتفاق الإطاري المبدئي في لوزان، تاركاً مملكة آل سعود تغرق في رمال اليمن وجباله التي كانت مقبرة الأناضول ومقابر لكل الغزاة عبر التاريخ.
لم يسبق لرئيس أمريكي أن كان واضحاً وشفافاً كما كان الرئيس أوباما وهو يعلق على الاتفاق الإطاري مع إيران ويصفه بالتاريخي ويكرر فيه ما أفتى به قائد الثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي من تحريم للسلاح النووي، وقال بوضوح شديد: إن إدارته كانت أمام ثلاثة خيارات إما خيار الاستمرار في العقوبات إلى ما لانهاية، وقد ثبت عجز هذا السلاح عن اختراق الصبر الاستراتيجي الإيراني اللا محدود كما لم تمنع هذه العقوبات على قساوتها وضراوتها إيران من مواصلة برنامجها النووي بسرعة قياسية مدهشة، وإما خيار شن الحرب الجزئية أو الشاملة على إيران فهو خيار غير مضمون النتائج ويحمل في الوقت نفسه عودة أمريكية أكيدة إلى مستنقع الحروب المهلكة اقتصادياً وبشرياً التي جربتها في أفغانستان والعراق وفشلت بها ولذلك لم يبق أمام إدارته من خيار إلا خيار الاتفاق مع إيران وبشروط في أغلبيتها لمصلحة تثبيت حق إيران في امتلاكها للطاقة النووية للأغراض السلمية وقد غدا هذا الخيار مصلحة أمريكية قومية تعلو على أي مصلحة لتلك الإمعات والأدوات الصغيرة من بني سعود و بني صهيون في المنطقة.
لقد ألقى الاتفاق النووي الإطاري الإيراني مع أمريكا والدول الكبرى الرعب في قلوب أصحاب «العرش» السعودي فبدلاً من الحرب الأمريكية التي انتظروها طويلاً ضد إيران عمدت واشنطن إلى توريط النظام السعودي بحرب كبرى في اليمن لا يعرف أحد مداها ولا نهايتها وقد تمتد في كل لحظة إلى عقر داره وداخل قصوره ونسي هذا النظام بغبائه ما سخر منه يوماً وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس عندما قال:«إن السعوديين يريدون أن يقاتلوا الإيرانيين حتى آخر أمريكي» وبدلاً من التعويض عن خسائر آل سعود في تمويل حروبهم الإرهابية الدموية في العراق وسورية بدأت مع حربهم ضد اليمن حروب من الاستنزاف المتعددة الأشكال إذ استمرت واشنطن بلعب ورقة تخفيض أسعار النفط التي كانت بدأتها بذريعة «تجويع إيران» وتقليص مصادر أموالها لإضعاف قوتها وحرمانها من ثمار برنامجها النووي وأضافت إلى ذلك عقد صفقات تسليح امتصت من خزائن آل سعود ما قيمته 165 مليار دولار حسب مصادر «لوكهيد» كبرى شركات صناعة الأسلحة الأمريكية.
لا تحمل رسائل التطمين الإنشائية التي وجهها أوباما بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري في لوزان إلى حكام السعودية والخليج ونتنياهو أي قيمة على أرض الواقع لأن على هؤلاء أن يقرؤوا ولو مرة واحدة أن الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة قد اتخذت قراراً استراتيجياً بعدم التدخل المباشر بعد أفغانستان والعراق والاحتمال الأكبر أن يستمر هذا القرار ساري المفعول حتى وإن وصلت إدارة البيت الأبيض إلى يد رئيس آخر بعد أوباما وبناء عليه ستبقى السعودية تكتوي بنيران كرة النار اليمنية إلى أن يشاء الله وسيبقى نتنياهو أسير أوهامه بشن حرب أمريكية إسرائيلية لسحق إيران النووية وسيطول انتظاره، بينما طهران تزداد قوة ومنعة وتطوراً وتمكناً علمياً وتكنولوجياً وطاقة نووية ومكانة إقليمية مهابة وقدرة كبيرة يحسب حسابها في ظل تحررها من العقوبات الظالمة والغاشمة والأقسى على أي بلد من بلدان العالم.
ولعل أكثر ما يخشاه نظام آل سعود إلى حد الرعب القاتل أن تصدق الروايات التي يتم تداولها بكثرة بعد أن ورطتهم أمريكا في اليمن متزامنة مع توقيعها على الاتفاق النووي الإيراني أن اللعبة قد انتهت وأن المصالح الأمريكية قد صارت في مكان آخر وأن مصيرهم لن يكون بأفضل من مصير الشاه الذي كان أكثر ولاء منهم لأمريكا وليس بأفضل من مصير نظام صدام الذي كان أقوى منهم عسكرياً فورطوه في حرب الخليج الأولى والثانية لإنهائه وعلى حكام السعودية المتجبرين بسطوة البترودولار ألا يفرحوا كثيراً بالانتصارات المؤقتة على فقراء اليمن وأن يتذكروا أن من حفر حفرة لأخيه وجاره وقع فيها وان على الباغي تدور الدوائر ..
tu.saqr@gmail.com