دمشق - سيريانديز
قادت التحقيقات التفتيشية في الشكاوى المثارة بحق رئيس دائرة الأرباح الحقيقية – مهن – السابق لدى مديرية مالية محافظة اللاذقية «م – تيزيني» إلى الكشف عن تجاوزات وارتكابات بالجملة، كذلك تزوير في بيانات المكلفين واعتماد أرقام تكاليف لكبرى الشركات في المحافظة لا ترقى إلى مستوى أرباحها ونشاطها السنوي من قبل محاسبين قانونيين تعمدوا فعل ذلك لمساعدتها على التهرب الضريبي.
«تشرين» كانت قد فتحت هذا الملف في وقت سابق من العام الماضي بالتزامن مع إحالته إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، لكن التفاصيل حينها لم تتوضح إلا بعد صدور التقرير أواخر 2014 وحصلنا على نسخة منه وأثبت إدانة 13 موظفاً في مالية اللاذقية واقترح عقوبات مختلفة بحقهم.
وبالعودة إلى الشكاوى المثارة بحق المشار إليه، التي شكلت نقطة الانطلاق للكشف عن المخالفات التي يسردها التقرير، فقد كان أولها تعيينه رئيساً لدائرة الأرباح الحقيقية من دون أن يتبع دورة مراقب دخل، وحصر أعمال الدائرة به شخصياً حتى مشاهدة البيانات السنوية والاعتراضات، كذلك تجميع الأضابير المرفوعة إلى لجنة الطعن لديه للسمسرة عليها، إضافة إلى حصر الأضابير المميزة بعدد محدد من مراقبي الدخل المقربين منه، ومطالبته المكلفين بدفع مبالغ مالية لتتم خدمتهم بأضابيرهم، وتسميته رئيساً لأكثر من لجنة كالطعن والاستئنافية وكاتب لجنة الإدارة المالية إلى جانب عمله رئيساً للدائرة.
ومن بين الشكاوى أيضاً علاقته المشبوهة برئيس جمعية المحاسبين القانونيين في اللاذقية «م – ش» التي تصل إلى درجة الشراكة والضغط على التجار لابتزازهم وسحبهم من بقية المحاسبين، وقيامه بتزوير إحدى أضابير المكلفين والأوامر الإدارية الخاصة بتوزيع العمل على المراقبين في المديرية.
وكعادة أي بعثة مكلفة بالتحقيق، فقد توصل معدو التقرير التفتيشي الأخير الذين حققوا في الشكاوى المذكورة إلى اكتشاف مخالفات وارتكابات لم يكن أهمها تمتع «ت» بحظوة جعلته رئيساً لأكثر من لجنة، وتسلمه مهام وظيفية لا تتناسب مع خبرته الضعيفة في العمل، ولكن الأهم من ذلك أن التحقيقات أثبتت أنه أعطى لنفسه حصرية مشاهدة بيانات المكلفين رغم أنها من صلاحية رئيس شعبة التسجيل في دائرته، وفي المقابل لم تستطع اللجنة المكلفة بالتحقيق إثبات العلاقة المشبوهة التي كانت تربطه بـ«ش» - بحسب الشكاوى - لنفي مراقبي الدخل الذين تم استجوابهم في هذا الأمر معرفتهم بأي صلة من هذا النوع، كذلك نفيهم تعرضهم لأي ضغط وتدخل.
ولكن المحاسب «ش» لكونه معتمداً لتدقيق بيانات كبرى الشركات في محافظة اللاذقية، كان يحظى بمحاباة لدى مالية اللاذقية متفوقاً بذلك على بقية زملائه من المحاسبين في مهنة الوكالة بالعمولة وفي أعماله أيضاً، وإن جميع تكاليفه ومنذ تسلم بيان مباشرته عام 2000 لا ترقى إلى حجم نشاطه وعمله، وهذا ما أثبته قيام المراقب «خ-ط» عندما اعتمد التاريخ المذكور لبدء «شموط» أعمال المحاسبة من دون إرفاق صورة عن شهادته كمحاسب قانوني، وأثبت التقرير أن جميع المراقبين المتعاقبين على إنجاز تكاليف «شموط» كانوا يتبعون طريقة عمله نفسها لجهة تقديم رقم عمل ضعيف لمهنة التدقيق الواردة في بيان المكلف من دون تعديل كعمولة التنشيط، التي كان يستبعدها في بيانات بعض الشركات لأنه وكيل لإحدى شركات التأمين، ومقدارها40% ومن ثم يقوم بحساب نسبة ربح صافٍ 20%، وهؤلاء المراقبين هم «خ – ط، ح – خ، ر- ف، و – ح، و – م، س – ف، ك – س، م – ش ع، ي – ج» وهم من قاموا أيضاً باستبعاد مبالغ سنوية من تصريح المكلف لا تقل عن 50 ألف ليرة كنفقات غير مباشرة للمكلف.
وهذه الآلية حسب معدي التقرير تتبع فقط مع المحاسب «ش» خلال فترة تولي «ت» رئاسة دائرة الأرباح الحقيقية – مهن – ولكن اللافت في هذه التحقيقات أنها استطاعت الكشف عن أن أغلب بيانات الشركات الكبرى المعتمدة من قبل المحاسب «ش» وغيره من المحاسبين يتم التصريح فيها بخسارة لمساعدتها على التهرب الضريبي، علماً بأن أرقام تلك الشركات تصل إلى مليار ليرة سنوياً، فهي معروفة النشاط ومشهورة في السوق، ومع ذلك تأتي تكاليفها السنوية بضرائب لا تتعدى الملايين، ويتم اعتمادها من قبل هؤلاء المحاسبين وهم على علم بذلك ومنهم «ر – ح، غ – ح، م – ع – س».
ومن المساعدة على التهرب الضريبي إلى اكتشاف تلاعب في إضبارة أحد المكلفين وهو متعهد، والمساعدة على إخفاء اسمه من قائمة التحقق التي تحمل الرقم /305/ لعام 2002 عن طريق قص الجزء السفلي من القائمة التي تحوي اسمه، واستدراك التحقق في وقت لاحق من دون معرفة من قام بعملية التزوير، وعلى الرغم من أن «ت» كان المتهم بذلك، فإن الدلائل كانت ناقصة أو غير متوافرة، ولكن ما تم إثباته هو أن الأضابير التي يعمل على إنجازها رئيس الدائرة كانت تتعرض للفقدان، ومنها تكاليف شركة «ف» العائدة لأعوام 2001 – 2002 – 2003 من دون وجود أمر إداري يثبت توزيع الإضبارة عليه لإنجازها، وما دلل على ذلك أيضاً هو فقدان صفحة حرف الفاء من دفتر استلام المراقبين لتكاليف الأعوام المذكورة، خاصة أن اسم الشركة يبدأ بحرف الفاء، وقيام «ت» أيضاً، وهو ما لفت انتباه معدي التقرير، بتخفيض نسبة ربح استيراد مادة المتة للشركة المذكورة من 3% إلى 2,5% من دون مسوغات وهو أمر مخالف.
ومن التلاعب والتزوير إلى مساعدة بعض شركات النقل المرخصة وفق قانون الاستثمار رقم /10/ لجهة احتساب معدل استهلاك سنوي بنسبة 20% لكل سيارة قبل دخولها في التكليف الضريبي وحتى بعد خضوعها وذلك لتكاليف أعوام من 1993 – 2001 بشكل يخالف التعليمات التي تؤكد استبعاد نسبة الاستهلاك بعد دخول الشركة في فترة التكليف الضريبي أي بعد خمس سنوات من الترخيص، وهذه الشركات هي «د - أ - ح»، التي أكد معدو التقرير أن تكاليفها وأرباحها جاءت منطقية خلال الخمس سنوات الأولى وهي مرحلة الإعفاء من الضريبة، واللافت أن هذه الشركات وبعد دخولها مرحلة التكليف الضريبي انخفضت أرباحها بشكل كبير، وغيرها العديد من التجاوزات بحق الشركات المذكورة أدت في ذلك الوقت إلى فرض عقوبات لا تتعدى حسم 5% من رواتب المعدين للتكاليف ومن بينهم رئيس الدائرة «ت».
وبالعودة إلى التزوير، فقد ثبت للجنة معدة التقرير قيام «ع – س» العامل في شعبة التسجيل بدائرة الأرباح الحقيقية بإعداد نسخ ثانية من بيانات عدد من المكلفين وهم «س – ع، ز – خ» وإعداده نسخاً ثانية من أوامر القبض التي تم بموجبها تسديد السلفة على البيان وتزويره تواقيع زملائه «م – ح، م – د» كذلك توقيع «ت» واعترافه بذلك وأنه قام بالتزوير بغاية التسلية، والغريب أن الأوراق المزورة تم ضبطها في درج مكتبه وتم تسليمها لرئيس الدائرة «ت» الذي تكتم على الأمر عامين ولم يتخذ أي إجراء بحقه أو يحله إلى التحقيق بل اكتفى بنقله إلى دائرة الدخل المقطوع، ولكن معدي التقرير، ورغم تقديم رئيس الدائرة «ت» المسوغات لذلك، أكدوا أنها لن تعفيه من المساءلة.
وانتهى التحقيق بفرض عقوبات على جميع الأسماء المذكورة في التقرير تبدأ بحسم نسبة تتراوح بين 2 - 5% لمدد زمنية مختلفة لا تتعدى 6 أشهرمن أجر كل منها، باستثناء عقوبة حجب الترفيع عن «س»، وعن «ت» مع إعفاء الأخير من عمله رئيساً للدائرة، وبالفعل تم إعفاؤه، وإعفاء كل من «خ – ط و ش – خ من عملهما كمراقبين للدخل، مع تأكيد التقرير على توجيه مديريات المالية على تطبيق أحكام المادة /17/ من قانون الدخل الخاصة بالملاحقة القانونية للمحاسبين الذين يعتمدون بيانات مغايرة للحقيقة، إضافة إلى تشكيل لجان لتعديل أرباح السيارات المستثمرة، والعمل على وضع آلية لتوزيع الأضابير على المكلفين لإنجازها.
أما بخصوص رئيس جمعية المحاسبين في اللاذقية «ش» فقد طلب التقرير استدراك تكليفه لعامي 1999 – 2000 لأنه حصل على شهادته عام 1998، وإنجاز تكاليفه وتكاليف زملائه بآلية جديدة، وإيجاد آلية عادلة ومنطقية لمعاملة جميع الوكلاء بالعمولة تحت طائلة المسؤولية عن استبعاد عمولات التنشيط التي ذكرها التقرير، وغيرها من المسائل الأخرى التي تخدم الناحية الفنية في العمل الضريبي.