خالد سنيور
أحدث المعهد الوطني للإدارة العامة (INA) بموجب المرسوم التشريعي /27/ تاريخ 12/5/2002 بهدف إعداد وتأهيل أطر إدارية تأهيلاً رفيع المستوى لدعم خطط تطوير وتحديث الإدارات العامة في الدولة.
وجاء إحداث المعهد ترجمة لتوجهات المرحلة الجديدة مع وصول رئيس شاب إلى سدة الرئاسة، وثمرة تعاون سوري فرنسي على أعلى المستويات، ليكون بذلك المعهد ـ على غرار المدرسة الوطنية للإدارة ENA ـ مصنع القيادات الإدارية الوسطى، التي سيقع على عاتقها عبء التطوير الإداري في سورية.
ورد في المادة الثانية من مرسوم إحداث المعهد أن المعهد يرتبط بوزير التعليم العالي.
وورد في المادة الثالثة من المرسوم: يهدف المعهد إلى إعداد وتأهيل وتدريب أطر، من حملة الإجازة الجامعية على الأقل من الاختصاصات المختلفة، إعداداً وتأهيلاً رفيعي المستوى في مجال علوم الإدارة العامة بما يخدم خطط تطوير وتحديث إدارة وتنظيم الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة في الدولة.
وورد في المادة الرابعة أن المعهد يمنح الشهادات التالية:
أ ـ شهادة عليا في الإدارة العامة.
ب ـ شهادات تأهيل وتدريب.
ورد في المادة الخامسة أنه يتولى إدارة المعهد مجلس المعهد وعميده.
ورد في المادة السابعة، أن مجلس المعهد يمارس اختصاصات مجالس الجامعة الثلاثة ومجلس الكلية، المنصوص عنها في قانون تنظيم الجامعات.
ورد في المادة الثامنة، أن عميد المعهد يعين بمرسوم من بين الأساتذة أو الأساتذة المساعدين.. وأن عميد المعهد عضو في مجلس التعليم العالي.
ورد في المادة الخامسة والعشرين أنه يطبق فيما لم يرد فيه نص، قانون تنظيم الجامعات..
من خلال هذه القراءة السريعة والمختصرة عن المعهد، وصك إحداثه يمكن القول إن المعهد جامعة كغيره من الجامعات في سورية..
ولكن هل المعهد هو جامعة؟ أم أنه شيء آخر..
الحقيقة ومن خلال صك الإحداث، يمكن القول إن المعهد هو جامعة مثل أي جامعة أخرى، إلا أن الشهادات التي يمنحها غير أكاديمية، فالشهادة العليا في الإدارة العامة، ليس لها مقابل في سورية، فهي ليست ماجستير، وليست دكتوراه..
هذه المعضلة، التي أسالت الكثير من الحبر حولها... حيث يطالب الخريجون ـ وذلك بعد المعاناة التي واجهتهم أثناء عملهم في الجهات العامة والمتمثلة بعدم تحديد وإدراك ماهية الشهادة العليا بالإدارة العامة ـ أن يكون للشهادة التي يمنحها المعهد مكافئ أكاديمي، وذلك بأن تكون الدورة التحضيرية ومشروع التخرج بمثابة ماجستير تأهيل وتخصص، وتكون الدورة التدريسية ومشروع التخرج بمثابة دكتوراه مهنية في الإدارة العامة..
ولكن عندما يطالب الخريجون والطلاب بهذا المطلب المحق، ينبري الجميع للقول إن المعهد ليس جهة أكاديمية، إنما هو جهة تدريبية، متذرعين بالمحتوى العلمي غير المكافئ للماجستير أو الدكتوراه.. وبأمور أخرى غير منطقية..
وردنا على هذه الحجج، هو:
إذا اتفقنا معكم على أن المعهد هو جهة غير أكاديمية، فلنعامله على هذا الأساس..
ـ لا يجب أن يرتبط المعهد بوزير التعليم العالي، إنما برئاسة مجلس الوزراء، أو أية جهة وصائية أخرى تكون لها سلطة فوق وزارية، وذلك على غرار المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا...
ـ لا يجب أن يكون هناك عميداً للمعهد، إنما مديراً، فالعميد يكون في الكيانات الأكاديمية، وطالما أن المعهد جهة غير أكاديمية، فلا داعي للعميد، إنما من باب أولى أن يكون هناك مدير، وهذا الأمر مطبق في المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا حيث فيها مدير..
ـ لا يجب أن يكون في المعهد هيئة تعليمية، حيث الهيئة التعليمية تكون في الجهات الأكاديمية، وذلك على غرار المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا، حيث ليس فيها هيئة تعليمية أبداً..
ـ طالما أن المعهد جهة غير أكاديمية، فما شأنه وقانون تنظيم الجامعات..
قد يأتي أحدهم ليقول إن ارتباط المعهد بوزير التعليم العالي لإعطاء اعتمادية للشهادة من الجهة المختصة بالتعليم، والجواب هو أن هناك جهات لا ترتبط بوزير التعليم العالي وتمنح شهادات ذات ثقل ومصداقية محلية تقارب مصداقية شهادة المعهد، ومثال على ذلك شهادة الدفاع الوطني التي تمنح بتوقيع من السيد رئيس الجمهورية، فنحن إن أقرينا أن المعهد جهة غير أكاديمية، يمكن أن تصدر الشهادة بتوقيع السيد الرئيس أو السيد رئيس مجلس الوزراء..
من خلال ما سبق من براهين، نرى أن المعهد هو جهة أكاديمية بامتياز، ولكن عدم رغبة البعض بإعطاء المعهد حجمه الحقيقي، تجعله يرفض أن تكون الشهادات الممنوحة هي الماجستير والدكتوراه إضافة للشهادة العليا في الإدارة العامة، لأن هذا البعض يدرك تماماً أن حجم ما يتلقاه الدارس من علوم وخبرات خلال الدورة التحضيرية والتدريسية يتجاوز أي دراسة أخرى في سورية، من حيث الكم والكيف..
خلاصة القول هي أن المعهد الوطني للإدارة العامة بلا هوية، فهو ليس جهة أكاديمية ـ كما يقولون ـ ولكنه جهة أكاديمية في الطبيعة والعمل وصك الإحداث..
هو ليس جهة أكاديمية عندما يتعلق الأمر بمصلحة الخريجين، ولكن عند تعلق الأمر بمصلحة وتعويضات القائمين على المعهد فهو جهة أكاديمية بامتياز.
هو ليس جهة أكاديمية عندما يطالب الخريجين بمنحهم شهادة أكاديمية يفهم معناها المسؤولون والجهات الرقابية، ولكنه جهة أكاديمية عند استقطاب المدرسين للدورة التدريسية والتدريبية حيث أن معظمهم أعضاء الهيئة التعليمية في الجامعات...
أخيراً، نتمنى أن يتم إنقاذ المعهد، قبل أن يصيبه الوهن الذي بدأ يتسلل إليه، وكي لا تتكرر تجربة معهد التخطيط الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يمنح شهادة لا يفهمها أحد، إلى أن وصل في العام 2009 إلى اعتماد أن الشهادة التي يمنحها هي ماجستير تأهيل وتخصص بعد ثلاثين عام من تأسيسه..
نتمنى أن يتم إنقاذ المعهد، بعد أن بات عدد المتقدمين لمسابقة القبول لا يتجاوز الـ 200، وبات يتم قبول كل من ينجح، وذلك لعزوف الطلاب عن التقدم للمعهد، لأسباب عديدة أهمها عدم فهم فحوى الشهادة، وعدم وجود هوية واضحة للمعهد..
سورية تستحق