بقلم ميشيل خياط
لعل ما شهدناه من تخبط في الأداء الاقتصادي في الآونة الأخيرة يجعلنا نؤكد أن اللاعبين على هذا الصعيد أغرار وأنهم في مرحلة تجريب ما كان يستهويهم من نظريات أو علوم أو أهواء شخصية، قبل تسميتهم أصحاب قرار اقتصادي أو مالي.
علماً أن الظروف صعبة والزمن مرٌ كالعلقم، ولعل الخطأ الفادح الذي ارتكبه من قرر زيادة أسعار المازوت والبنزين في الأول من تشرين الأول الماضي كتتويج مفجع لسلسلة زيادات على أسعار المواد الأساسية كالخبز والرز والسكر وأجور الخدمات الحيوية ،هذا الخطأ الفادح هو تجاهله المضني السياسي للأسعار والقيمة السياسية للوضع المعيشي!!
السعر مسيس
الآن وفي ظل الحرب -على الأقل- كل شيء مسيس داخلياً وخارجياً ولا يمكن أبداً أن نفهم أن المأثرة المذهلة التي حققتها سورية بصمودها الأسطوري الذي بزَ صمود ستالينغراد وليننغراد في الاتحاد السوفييتي ونجاح ذاك البلد الفقير آنذاك في دحر جحافل النازيين الذين أرعبوا العالم واجتاحوا القارة الأوربية في أشهر.
لا يمكن أن نفهم أن تلك المأثرة وذاك الصمود الأسطوري لا علاقة لهما بحال الناس وحب الناس وعشق الناس لوطنهم وأن هذا الحب وذاك العشق لا علاقة لهما كما ظن أصحاب القرار الاقتصادي والمالي بما تمتاز به سورية منذ خمسين سنة من تعليم مجاني وطبابة مجانية وخبز رخيص وسكر و رز وماء وكهرباء ومازوت وبنزين وغاز بأسعار مدعومة وظلت حتى وقت قريب مدعومة.
هل يعتقد صاحب القرار الاقتصادي والمالي أن الناس يجهلون العمليات الحسابية البسيطة وأنه بذكائه الخارق يمرر عليهم بين وقت وآخر زيادات يسميها بسيطة ستكون وكأنها لم تكن في حياتهم؟
أعتقد أن الجميع أقوياء في الجمع والطرح والضرب والقسمة إذ تعلموا ذلك في المرحلة الابتدائية في بلد التعليم الإلزامي حتى الصف السادس سابقاً وحتى التاسع حالياً.
فعشر ليرات من هنا وعشر ليرات من هناك وخمس عشرة ليرة وعشرين وخمسين تعني في المحصلة مبلغاً يكسر الظهر في اليوم في ظل أسعار تحسب على دولار ب 190ليرة ورواتب وأجور مدوزنة على دولار بخمسين ليرة ونسب تضخم عالية جداً، وبطالة جعلت الإعالة للفرد الواحد العامل كبيرة جداً مع ارتفاع في أجور طبابة القطاع الخاص والأدوية بشكل عام.
جرأة أم مغامرة
لقد خاف الناس أن تقدم الحكومة على زيادة الرواتب والأجور خشية أن ترفع ثمن المشتقات النفطية لتأمين احتياجات تلك الزيادة كعادة الحكومات السورية المتعاقبة .فهم أي الناس يدركون أن رفع أسعار المشتقات يقود إلى زيادة في أسعار مئات السلع وأجور عشرات الخدمات.
ولعل من أغرب الغرائب أن الحكومة قد زادت أسعار المشتقات النفطية الأساسية 15 ليرة للبنزين و20 ليرة للمازوت ، ولأول مرة في تاريخ سورية يتم إقرار سعر مغاير وباهظ لليتر مازوت الصناعة والسياحة والصحة الخاصة والتعليم الخاص والمناطق الحرة والمؤسسات المالية الخاصة هو140ليرة لليتر في مقابل 80ليرة للنقل والمواصلات والزراعة والتدفئة والأفران التموينية.
وهذا معناه أن منتجات وأجور خدمات تلك الجهات سترتفع بحدة كعادتهم في الارتفاع المبالغ مع كل زيادة.
إجحاف كبير بحق المواطنين
لقد زادت الدولة سعر ليتر المازوت 20ليرة فإذا أصحاب الباصات الخاصة يزيدون على كل راكب عشر ليرات فإذا ما استهلك صفيحة ما زوت 20ليترا في السفرة الواحدة من العباسيين إلى السومرية يكون قد تكبد من زيادة المازوت 400ليرة وربح من زيادة الأجرة إذا ما نقل مئتي راكب في تلك السفرة 2000ليرة سورية!!
علما ً أنهم ينقلون في السفرة الواحدة أكثر من خمسمئة راكب إذ تسير الباصات مكتظة وتستبدل ركابها بركاب جدد في أغلب المواقف.
أبطال صناديد
إن السوريين أبطال صناديد ولعل التاريخ البشري لم يعرف الكثير منهم إنهم يشبهون الجزائريين والفيتناميين والسوفيتيين والكوبيين والكوريين الشماليين والصينيين في عالم يضم أكثر من مئتين وثلاثة وثلاثين دولة.
إن السوريين أبطال صناديد لا يهابون السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وقذائف الهاون التي يستخدمها الإرهابيون التكفيريون بشراسة ودناءة ضد الأطفال والنساء والشباب وكبار السن ،نعم إنهم لا يهابون الموت، يذهبون إلى أعمالهم ويشكلون السد المنيع ضد هذا السيل الجارف من الوحوش المسلحة القادمة من ثمانين بلداً ضد جيوش من المرتزقة سيرتها دول عديدة ضدهم ولعل تضحياتهم السخية أغلى بكثير من المليارات التي جرى توفيرها برفع الأسعار وزيادتها.
والمهم أن يعرف صاحب القرار الاقتصادي والمالي أن احتياجات الناس هي وقود تلك المأثرة، ولم يعد يكفي أن يزيدوا الرواتب والأجور بل عليهم توفير الاحتياجات في صالات ومؤسسات منتشرة بكثرة بالسعر المسموح به وبالأجر المقرر.
يجب أن يدرك أصحاب القرار الاقتصادي والمالي أن تزويد الناس باحتياجات صمودهم مماثل لتزويد الجيش بالوقود لدباباته وبالرصاص لبواريد أبطاله وبالصواريخ لطائراته، ولسنا في وقت نسمح به للتجريب أبداً، ومن حق السوريين على حلفائهم في العالم أن يساعدوا حكومتهم بسخاء أكثر.