د.تركي صقر
سبحان مغير الأحوال .. ما كان بالأمس مستهجنا ومرفوضا وشبه مستحيل بات اليوم مرحب به ومطلوبا ومطالبا به من شعوب تبدو حكوماتها خجولة في الإفصاح علنا عن رغبتها في إعادة علاقاتها مع سورية بعد مواقف عمياء مفروضة عليها أقسمت من خلالها بأغلظ الأيمان ألا تعيد العلاقات إلا بعد إسقاط النظام وفرض سلطة مصنعة في الخارج إلا أن الكويت بلعت يمينها وكسرت الجرة وأعلنت جهارا نهارا موافقتها على فتح القنصلية السورية في الكويت وعزمها على إقناع دول الخليج الأخرى أن تحذو حذوها علما بأن أبواب سفارة دولة عمان في دمشق بقيت مفتوحة وأقامت منتصف شهر تشرين الثاني الماضي احتفالا كبيرا بالعيد الوطني العماني وصار متوقعا أن تكر السبحة وأن تعيد تونس العلاقات الدبلوماسية مع دمشق قريبا بعد هزيمة العلماني المزيف المنصف المرزوقي عميل قطر وصنيعة الصهيوني برنارد ليفي منظر ما سمي الربيع العربي ومصر المحروسة لم تقطع علاقاتها عمليا مع سورية لا الدبلوماسية ولا الأمنية وينتظر منها خطوات كبيرة على طريق المساعدة في الحل السياسي السوري المرتقب.
وعلى صعيد الدول الأوربية يبدو أن هناك حراكا إن لم نقل سباقا بين بعضها بعضا لإعادة فتح أبواب سفاراتها في دمشق بعد إغلاق دام لقرابة أربع سنوات متواصلة فايطاليا أرسلت بعثة إلى دمشق لتفقد مبنى سفارتها تمهيدا لاستئناف عملها وسفارة جمهورية تشيكيا في سورية واصلت نشاطاتها دون انقطاع والخارجية التشيكية صوتت ضد قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض العقوبات الاقتصادية في مجلس الاتحاد الأوروبي وألمانيا سعت للتواصل الأمني وكذلك دول أوروبية واسكندنافية ولكن سورية اشترطت أن يتم ذلك بعد عودة العلاقات الدبلوماسية وواشنطن حاولت الحصول على معلومات أمنية عن التنظيمات الإرهابية في سورية وكان الجواب نفسه والجدار الدبلوماسي السميك الذي فرضته واشنطن حول دمشق بدأت أحجاره تتهاوي الواحدة تلو الأخرى .
ما كان هذا الانقلاب الدبلوماسي ليسارع الخطى باتجاه دمشق لولا حصول تحولات جذرية على الأرض لصالح شرعية الدولة السورية فخريطة وقائع الميدان العسكرية تفرض نفسها وهي دوما بوصلة العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم ولا نريد أن نصرف كلاما مستعجلا ونقول أن الدولة السورية حققت انتصارها النهائي في حربها على الإرهاب ولكن يمكن القول بموضوعية أنها أنجزت الكثير على هذا الطريق الصعب والمرير رغم وجود الكثير أمامها أيضا وما من شك أن عودة العلاقات الدبلوماسية وتواصلها تنطوي على دلالات عديدة من أهمها :
- أن قرار قطع العلاقات كان قرارا خاطئا بالكامل وأن واشنطن فرضته فرضا وأنه كان مبنيا على قراءة مزورة وليست مغلوطة فقط للأحداث الجارية في سورية وقرارات العودة اليوم اعتراف بان موقف القيادة السورية منذ البداية كان صحيحا وأن ما جرى ليس بثورة وإنما جاء ليخدم أعداء الوطن السوري ويقوض أركان الدولة السورية ومؤسساتها ويفتح الباب أمام تمكن التنظيمات الإرهابية بشتى صنوفها وتسمياتها من تدمير سورية .
- أن قرارات عودة العلاقات الدبلوماسية ليست اعترافا بالخطأ فحسب وإنما اعتراف بقدرة الدولة السورية أيضا على سحق الإرهاب مهما تلقى من دعم ومهما كانت مساندة الدول التي فتحت حدودها وخزائن ثرواتها له وهو دليل قاطع على إفلاس رعاة الإرهاب وسقوط رهاناتهم أمام الصخرة السورية وجيشها البطل الذي أذهلهم بإنجازاته .
- تؤشر عودة العلاقات من دول محسوبة على واشنطن أن قرارها يحظى بالرضا الأمريكي ولا يخرج عن النص وليس تغريدا خارج السرب مما يعني أنه ليس قرارا آنيا وليس قرارا منفردا وإنما هو بداية لقرارات لاحقة من دول أصبحت تعيد مواقفها على أساس المعطيات الجديدة وبناء على تصاعد أخطار داعش وانتقال معظم التنظيمات الإرهابية إلى أحضانها مما يجعلها على جانب كبير من القوة والخطورة على الجميع .
- توحي عودة العلاقات الدبلوماسية بان معظم دول العالم أضحت على قناعة بان لاخيار سوى الحل السياسي مع القيادة السورية وما طرحته حول الحوار السوري السوري دون شروط أو تدخلات أجنبية وبات الحديث عن تنحي الرئيس الأسد من الماضي كما باتت تترسخ قناعة دولية أن لا أحد قادر على القضاء على داعش وسواها من التنظيمات الإرهابية إلا الجيش السوري وأن التحالف الدولي ثبت فشله في هذه المهمة.
بقي أن نقول أن مراجعة الحكومات التي قطعت علاقاتها مع سورية لمواقفها والعودة عن قرارات خاطئة يعد صفعة لأعداء سورية ومن راهن على عزلها ويعتبر في كل المقاييس نصرا دبلوماسيا للسياسة السورية التي ثبتت على مواقفها ولم تهزها فزاعة المقاطعات الدبلوماسية والحصار الاقتصادي والعقوبات الجائرة والعزل الحاقد التي كان أسخفها وأحطها وأكثرها تواطأ وممالأة لواشنطن وتل أبيب قرارات الجامعة العربية التي صارت مسخرة وألعوبة بيد قطر والسعودية ووضعت نفسها في خدمة أمريكا وأعداء الأمة العربية ولن يقبل الشعب السوري من هذه الجامعة الهزيلة الأضحوكة حتى الاعتذار .
tu.saqr@gmail.com