لمياء عاصي
تقوم الدولة بجهود كبيرة ومستمرة في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وتلبية احتياجاتهم من السلع الضرورية، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، من الدمار في البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة والقاعدة الإنتاجية وخطوط النقل، إضافة إلى الكوارث الإنسانية بما تتضمنه من الخسائر البشرية والتهجير والتشرد وفقدان العمل والدخل الذي يمكن أن يؤمن أبسط مقومات العيش للأسر، كل ذلك ضاعف حاجة الدولة لمزيد من الموارد، وبما أن هذه الموارد عادة ما تأتي من الإيرادات الضريبية والرسوم، والفوائض الاقتصادية من الشركات المملوكة للدولة إضافة إلى عائدات الدولة من الصناعات الاستخراجية أو ما تملكه من أصول وثروات طبيعية، ولكن ظروف الحرب الشرسة كما في أي بلد جعلت حصيلة الإيرادات تتناقص بشكل قوي سواء ما يتعلق بالضرائب والرسوم أم الإيرادات الأخرى، وذلك كنتيجة طبيعية للانحسار الشديد في النشاط الاقتصادي، إضافة إلى عدم قدرة الإدارات ذات العلاقة على تحصيل المستحقات الضريبية بشكل آمن ومنتظم، وخصوصاً أن الإيرادات العامة للدولة قبل الأزمة كانت بحاجة إلى تطوير وزيادة لتلبية متطلبات التنمية الشاملة، فكيف سيكون حالها بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الحالة الاستثنائية التي تمر بها معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية، إضافة إلى الحصار الاقتصادي الخانق!!
زيادة الإيرادات العامة للدولة
توقع التقرير الاقتصادي السنوي للأمم المتحدة تحت عنوان «الحالة الاقتصادية والتوقعات في العالم عام 2013» أن الناتج المحلي الإجمالي لسورية سينخفض بحدود 35%، وأن عجز الموازنة سيبلغ 745 مليار ليرة سورية أي ما يزيد عن 50% من الموازنة «وبغض النظر عن دقة الأرقام في هذا التقرير»، لكن هذه النسب ليست بعيدة عن الواقع وخطورتها بالغة، ولمحاولة احتواء آثارها لابد من إجراءات صارمة في عدد من الملفات أهمها: النظام الضريبي وموضوع الدعم والمؤسسات المملوكة للدولة.
أولاً: النظام الضريبي
إن إصلاح النظام الضريبي لم يناقش كجزء من عملية الإصلاح وخصوصاً في ظل التحرير التجاري الذي أفقد الخزينة العامة جزءاً مهماً من إيراداتها، لم تستطع وزارة المالية تطبيق البيان الموحد لضريبة الدخل ولم يحصل أي تقدم في تطبيق ضريبة القيمة المضافة أو المبيعات، بل تمت المحافظة على ضريبة الإنفاق الاستهلاكي التي لم تشمل طيفاً واسعاً من السلع، ولم يرق مستوى تحصيلها إلى المقبول، ولعل أهم أسباب الضعف في النظام الضريبي السوري تعود لعدة عوامل:
■ عدم تطبيق نظام الفوترة على التجار والمحلات التجارية والصناعية.
■ عدم التعامل بصرامة حقيقية في مكافحة الفساد سواء في الدوائر المالية أم الجمارك.
■ لم يتم إدماج تقانة المعلومات في صلب العمل المالي (الضريبي، الجمركي)، وبالتالي عدم الاستفادة من تطبيق تكنولوجيا المعلومات والأتمتة في محاربة الفساد وضبط العمل المالي والحد من التهرب الضريبي.
■ إلغاء عدد من الضرائب والرسوم، مثل: ضريبة التركات، رسوم المغتربين، ضريبة تجارة العقارات... ما بين الأعوام 2004 و2009، أدت إلى حرمان الموازنة العامة من إيرادات مهمة، وأدت إلى انخفاض إضافي في العبء الضريبي السوري، وهو نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث يعتبر متدنياً مقارنة بدول مثل الدول الأوروبية حيث يبلغ من 35 إلى 42% وفي ماليزيا ومصر يبلغ 15.5% في حين في سورية لا يزيد عن الـ10%، وتعتبر نسبة العبء الضريبي السوري منخفضة جداً وتؤثر سلبياً على النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية والاستمرار برفع كفاءة وجودة الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين.
لذلك لابد من إجراء تغييرات جذرية في عمق النظام الضريبي يشمل القوانين والإدارة الضريبية، من أجل تحقيق العدالة الضريبية كركن في العدالة الاجتماعية.
أهم الإجراءات التي يجب اتخاذها لإصلاح النظام الضريبي:
1- إعادة النظر بالضرائب التي تم إلغاؤها وهي:
(ضريبة التركات، رسوم المغتربين، ضريبة تجارة العقارات)، وهي ضرائب تفرضها جميع الدول، والنظام الضريبي الذي يفرض على الموظف أو العامل بأجر ضريبة على الرواتب والأجور لا يجوز أن يعفى من تأتيه الثروة من دون تعب وبأرقام كبيرة، ولتحقيق العدالة الاجتماعية، يمكن إعفاء الشرائح الدنيا من التركات أو التركات الصغيرة أو فئة المغتربين الذين يعملون بأجر محدود.
2- إدماج النظام الضريبي بشقيه التكليف والتحصيل في صلب الأنظمة المعلوماتية وتقليل تأثير العامل البشري ما أمكن للحد من التلاعب والفساد والتهرب الضريبي.
3- إعادة النظر بعدد من الأنشطة المالية والاقتصادية والتي كانت معفية، وإعادة دراسة الإعفاءات الضريبية كافة.
4- تطبيق نظام الفوترة بشكل متدرج، وإخضاع النشاطات الاقتصادية تباعا لها كوسيلة ناجعة لضبط التهرب الضريبي.
ثانياً: الدعم:
تعتبر سورية من الدول القليلة التي مازالت تقدم الدعم بشكل يشمل عموم شرائح الشعب، وتزيد كلفتها على ثلث الميزانية السورية، وزير المالية السابق محمد جليلاتي قال: «إن مبلغ الدعم ارتفع في ميزانية 2013 ليصل إلى 516 ملياراً، في حين يبلغ إجمالي الميزانية 1383 ملياراً، هذا يعني أن مبلغ الدعم يمثل نحو الـ37% من الميزانية»، هذه النسبة العالية التي تكون عادة على حساب التنمية المستدامة وقدرة الدولة على المساهمة برفع الأداء الاقتصادي، وإن أحد أهم نقاط الإصلاح الاقتصادي يجب أن تركز على إعادة هيكلة الدعم ليكون موجهاً إلى شرائح مستهدفة من الشعب فقط وهذا غير ممكن إلا باستخدام قواعد معطيات للمواطنين والأسر ودخولهم، فمن غير المبرر تقديم الدعم للأغنياء والفقراء على حد سواء.
إن الدعم الذي تقدمه الدولة السورية لمواطنيها، يتضمن الدعم الغذائي من خلال توزيع المواد الأساسية (الأرز والسكر والزيت) ببطاقات تموينية بأسعار زهيدة، دعم المحروقات، الدعم المقدم للفلاحين للمحاصيل الإستراتيجية (القمح، والقطن، الشوندر) وشراء الإنتاج بسعر إداري، غالباً ما يكون أعلى من الأسواق العالمية، إضافة إلى ما تقدمه الدولة في مجال التعليم والصحة والتشغيل الاجتماعي، هذا ليس محسوباً كله على بند الدعم الحكومي، ولكن تقديم الخدمات الصحية مجاناً لكل الناس الذين يقصدون المؤسسات الصحية، يعتبر دعماً مكلفاً لخزينة الدولة، في حين التركيز على شرائح معينة من شأنه أن يرفع من مستوى وجودة الخدمات الطبية.
ثالثاً: المؤسسات والشركات المملوكة للدولة
عانت المؤسسات المملوكة للدولة أو ما يسمى بالقطاع العام من خسائر كبيرة، شكلت لسنوات طويلة أحد مصادر النزيف في موارد الخزينة العامة، مع أن موضوع إصلاح القطاع العام حصل على اهتمام الحكومات المتعاقبة، ولكن أياً منها لم تجرؤ على إصلاح حقيقي في هذا القطاع لاعتبارات مختلفة، وإذا كانت أهم أسباب تعثر هذه المؤسسات باتت معروفة وقد أجريت حولها العديد من الدراسات، فإنه من المؤكد أيضاً أنها فقدت قدرتها على المنافسة في ظل رفع الحماية أو الحصرية أو أي مزايا أخرى عنها، بعد تطبيق نهج اقتصاد السوق والتحرير التجاري، والتزامها أكثر من أي مكلف قطاع خاص بدفع الضرائب للدولة عن حصيلة أرباحها.
لذلك لا بد من معالجة النقاط المذكورة آنفاً من خلال دراسة معمقة لواقع القطاع العام، وتحييد كل الشركات التي لا فائدة من إصلاحها للحد من الخسائر المنهكة لخزينة الدولة والاستفادة من المبالغ المدفوعة لتغطية الخسائر المتكررة، في خلق فرص عمل أخرى أكثر ذات قيمة اقتصادية ومساهمة أعلى في الاقتصاد الوطني.
برغم أن الحكومة السورية قامت بعدد من الإجراءات مثل، ترشيد وضبط الإنفاق العام من خلال إعادة ترتيب الأولويات ووقف الإنفاق الاستثماري وتخفيض الإنفاق الكمالي إلى الحدود الدنيا، ولكن مازال هناك الكثير من المهام ذات العلاقة والتي تعتبر ضرورية وعاجلة لترميم الوضع المالي الذي يواجه ظروفاً وضغوطاً غير عادية.