السبت 2012-09-29 02:13:17 |
بورتريه |
(عبد الكريم العائدي).. مذكرات جيل الأحلام المجهضة |
يحقق الروائي السوري خليل صويلح كتاباً في غاية الأهمية عبر إنجازه لسيرة ومذكرات (عبد الكريم العائدي) الشخصية الوطنية البارزة منتشلاً إياه من النسيان والإهمال وذلك بالتعاون مع حرص عائلة العائدي على إماطة اللثام عن حياته ومواقفه الوطنية والإنسانية والقومية حيث تكمن أهمية هذه السيرة بأن صاحبها شهد أبرز منعطفات تاريخ سورية الحديث لينهي حياته المهنية مفوضاً عاماً لمكاتب مقاطعة إسرائيل في الجامعة العربية.
ويتناول الكتاب محطات استثنائية تزخر بأسرار ومواقف وسجالات تتيح قراءة شاملة لحياة شاهد من طراز خاص في النزاهة والوطنية حيث عاش العائدي رافضاً لأي نوع من أنواع الاستعمار والهيمنة على الوطن السوري فتعرض للسجن في عهد حسني الزعيم بعد مناوأته لمشروع مد خطوط نفط التابلين الأمريكية مسهماً في تأسيس عصبة العمل القومي ليكمل حياته بعدها في ميدان العمل العام كرجل علم وسياسة.
ويتطرق الكتاب الصادر حديثاً عن دار رفوف للنشر إلى حياة العائدي الذي درس في الكلية العلمية الوطنية بدمشق ليشرف بعدها على إدارتها من دون أن يعمل في اختصاصه كطبيب للأسنان إذ كانت هذه الشخصية من الشخصيات البارزة التي جعلت من الكلية الوطنية منطلقاً للمظاهرات والاحتجاجات ضد الاستعمار الفرنسي وحكومات الانقلابات العسكرية خمسينيات القرن الفائت كما أسهم بأن تكون هذه الكلية منبراً علمياً رفيعاً خرجت من بين جدرانها طليعة الشخصيات الوطنية والفكرية السورية.
ويضيء صويلح في كتابه على مشاركة العائدي في مخاضات ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق ضد الإنكليز وهروبه بعد فشل الثورة مع أربعين من رفاقه السياسيين السوريين إلى دمشق لتعتقله بعد ذلك السلطات الفرنسية فارضة عليه الإقامة الجبرية في الزبداني حيث يوثق الكتاب لهذه الفترة التي كان فيها العائدي جنباً إلى جنب مع الرئيس شكري القوتلي مشاركاً في فترة المخاض الوطني باتجاه الاستقلال عن سلطة الانتداب الفرنسي ناذراً نفسه لقضية شعبه واضعاً نصب عينيه الانتصار على المستعمر بعد هجوم الفرنسيين على مبنى البرلمان بدمشق يوم 29/5/1945 .
ويقول العائدي عن هذه المجزرة الرهيبة: كنت أنتظر من يحملني إلى مجلس النواب كي أموت مع هؤلاء الأبطال الرجال الذين يذودون بأرواحهم دفاعاً عن حرمة البلاد وكرامتها فألقى ربي راضيا مرضيا وذلك خير من عقد هدنة أو استسلام للمعتدين.
ويروي الكتاب دور هذه الشخصية الوطنية في تأسيس مكتب مقاطعة إسرائيل بعد إقامة ما يسمى الدولة العبرية على أرض فلسطين عام 1948 وخسارة العرب الحرب العسكرية معها حيث كان لهذا المكتب الذي أسس عام 1951 مهمة وضع لائحة سوداء مرتين في كل سنة باسم الشركات الإسرائيلية أو تلك التابعة لدول تجري مبادلات تجارية مع إسرائيل لاتخاذ إجراء المقاطعة المباشرة لهذه الدول.
كما يورد الكتاب مراحل من حياة ابن شقيقه المهندس الدكتور عثمان العائدي أثناء دراسته في فرنسا ضمن معهد (بوليتكنيك غرونوبل) مكملاً دراسته العلمية ليعود بعدها إلى وطنه منفذاً لمشاريع حيوية كسدي الرستن ومحردة وتقديم دراسات عن إنشاء سد على نهر الفرات ومسهماً في تأسيس شبكات الري والصرف في سهلي الغاب والفرات وشبكة الارتباط الكهربائية في سورية إضافة لتشييد مجموعة من المشافي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما عن اهتمامات العائدي بالإعلام والصحافة فيتجلى ذلك كونه ينتمي إلى الجيل الذي عايش مقاومة الانتداب الفرنسي حتى الجلاء ما أدى إلى إنماء الحس القومي لديه كون عائلته ساهمت بواجبها الوطني في الثورة السورية الكبرى على المستعمر الأجنبي مما انعكس على فكره في مساهمته بتأسيس مجلة الأسبوع العربي ببيروت ومجلة (ريدرز دايجست) والتي أصدرها باللغة العربية عام 1980 تحت اسم (المختار).
ويتضمن الكتاب ملحقاً للصور يوثق مراحل من حياة هذه الشخصية الوطنية على نحو صورة للعائدي بعد حصوله على شهادة الطب وأخرى متوسطاً معلمي الكلية العلمية الوطنية إلى جانب الشاعر نزار قباني عام 1937 إضافة إلى صورة تظهر العائدي محافظاً لمنطقة حوران وأخرى أمام مبنى المحافظة في دير الزور فضلاً عن صورة له بصحبة الرئيس الراحل شكري القوتلي وصور أخرى أهمها لقطة تذكارية للعائدي أمام المسجد الأقصى في القدس.
|
|