أيمن قحف
ربما مع نزول العدد الجديد من بورصات وأسواق إلى الأسواق يكون قد تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي سندعو لها بالتوفيق والنجاح أياً كان شكلها و أسماء أعضائها وانتماءاتهم...
لن نخوض في الأمنيات حول شكل الحكومة بل جل ما نتمناه هو ارتقاء الأداء لمستوى طموحات الناس والتحديات القائمة..
نفرد في هذا العدد مساحة واسعة لأمنيات الناس من الحكومة الجديدة في مختلف المجالات،وأود هنا أن أركز على الجانب الإداري الذي لا يلقى الاهتمام المطلوب ولا يحظى بجدية التعامل من أي حكومة رغم تعالي الشعارات الطنانة حول أولوية الإصلاح الإداري!!
لا أصنف نفسي خبير إدارة،بل أنا أحتار أحياناً في إدارة شؤوون منزلي أو مؤسستي الصغيرة،وهذا يجعلني أتفهم ارتباك المسؤولين أحياناً وعدم صوابية قراراتهم نتيجة تضارب الآراء أو الأولويات أو قلة الخبرة أو غياب الموهبة القيادية والإدارية..
سأستعين بأفكار استقيتها من أشخاص أعتقد أنهم ذوي خبرة علمية أو عملية في العمل الحكومي والخاص..
يرى الدكتور ماهر المجتهد –الذي أعتبره شخصياً من علماء الإدارة الكبار في سورية- أن الحكم على أي قائد إداري يأتي من قدرة وإمكانات المديرين الذين يعملون تحت قيادته ولا مجال للحديث عن مسؤول ناجح بمفرده فالإدارة الناجحة هي مجموع المديرين الناجحين ،وفي جانب آخر يتحدث المجتهد عن بعض نوعيات من القرارات الحكومية التي من شأنها أن تحل مشكلات مزمنة وأن تؤمن فرص عمل ومشاركة المواطنين وبأقل قدر من التكاليف،أفكار هامة لم يستطع أن يحققها لدى وجوده في منصب الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء لأسباب عديدة قد يكون منها "أن البعض لم يستوعب ما يتحدث عنه"!!!
الوزيرة لمياء عاصي عندما تحدثت عن أهمية وجود وزراء "سياسيين" بدل التكنوقراط حاولت أن تدافع عن فكرة التكنوقراط في المناصب الوزارية لأن واقع وزاراتنا تدفع الوزير للتدخل أحياناً في تفاصيل صغيرة تحتاج دراية ومتابعة وذلك بسبب ما وصفته بـ"عدم وجود حوامل تساعد الوزير في أداء عمله" وتقصد كادر فني وإداري واستشاري يمكن الاعتماد عليه من قبل وزير سياسي.
الوزيرة عاصي دائماً من دعاة كسر الروتين والتفكير "من خارج الصندوق" ولو تطلب ذلك أحياناً "تحدي الأنظمة" في سبيل مصلحة العمل!
رجل الأعمال المعروف مهران خوندة ممن "يحق لهم الكلام"،فهو عمل في الدولة في بدايات حياته العملية في قطاع الزراعة وحقق إنجازات مشهودة،وعمل في مهام إدارية و رقابية وتفتيشية قبل أن ينتقل إلى عالم العمل الخاص ليحقق نجاحاً قل نظيره ماراً بتجربة دراسة الاقتصاد في مدرسة لندن للاقتصاد التي تعد من الأهم في العالم..
خوندة يرتكز في حديثه أيضاً إلى التجربة اليابانية التي خبرها من خلال التعامل لعقود مع كبريات الشركات اليابانية.
يرى مهران خوندة أن المكان يلعب دوراً مفصلياً في نجاح الإدارة،والأمر لا يقتصر فقط على القوانين والقرارات!!!
ويفسر بالقول أن نظام المكاتب الحكومية يشجع على التقاعس وإضاعة الوقت وهدر الموارد وقتل المبادرة والابداع لدى الرئيس والمرؤوسين على حد سواء!
ويقول خوندة أن ربع مساحة بناء حكومي يمكن استخدامها لجميع الموظفين في مكاتب صغيرة تفصل بينها فواصل زجاجية وتكون غرفة المدير-الزجاجية- مقابل الموظفين..
لن يتمكن الموظف في قضاء وقته في الأكل والثرثرة و الحديث على الهاتف فالمدير يراقبه، بل ولن يتمكن المدير من إضاعة اليوم في استقبال الضيوف و"العلاقات العامة" والحديث على الهاتف،أي أن المدير يراقب خمسين موظفاً ولكن بالمقابل فهم يراقبونه والحصيلة سيعمل الجميع بكفاءة أكبر بكثير...
يعتقد مهران خوندة أنه لا يوجد مسؤول"مسؤول" في نظامنا الإداري،فالمدير العام لديه معاون أو أكثر لا يقوم بشيء سوى محاولة خلعه وإفشاله ليجلس مكانه وهو لديه ارتباطات "تحميه"،و لديه وزير ومعاون وزير وجهات رقابية وحزبية وأمنية و غيرها تجعله غير قادر على اتخاذ أي قرار بل وغير مسؤول فعلياً عن أي قرار، ويرى أن الحل يكون بإطلاق يد المدير العام ليتصرف بصلاحيات كاملة دون تدخل من أحد فيعين ويعفي ويشتري ويبيع ويحاسب على النتائج في نهاية العام.
من جهته يعتقد الدكتور ناصر قيدبان المحاضر في جامعة دمشق والجامعة الافتراضية أن المبادئ الثابتة مثل "مكافحة الفساد والتنمية ومكافحة البطالة" هو "كلام جرايد" وليس مطلوباً من الحكومة أن تؤكد عليها وأن تعتبرها "سياسات"فهذا أمر مفروغ منه ولكن المهم هو الآليات للوصول إلى نتائج وهذا يتطلب خطة وإدارة صحيحة ومعايير قابلة للقياس للحكم على النتائج،ويرى الدكتور قيدبان أن الفترة القادمة تتطلب التركيز على الإدارة في القطاعين العام والخاص كل حسب أولوياته،معتبراً أن التجارب أثبتت أن الفارق بين الدول المتقدمة والمتخلفة هو في الإدارة،كذلك الأمر بين مشفى وآخر وجامعة وأخرى ومصرف وآخر،ودعا الحكومة الجديدة إلى وضع أهداف محددة لخطط تنموية واقتصادية واجتماعية مرتبطة بمدة زمنية وآليات واضحة للتنفيذ وها ما يمكن تسميته بـ"الإدارة الحكومية" التي نكاد نفقدها بمعناها الحقيقي!
بالنسبة لي أعتقد أن أهم ما يمكن أن يحصل في الإدارة الحكومية هو تحرير الإدارات،بل وخصخصة الإدارة،يمكن الحفاظ على الملكية العامة و تشكيل مجالس إدارات تمثل الملكية العامة وهذه المجالس تتعاقد مع إدارات مسؤولة أمامها فقط لتطبيق الخطط والأنظمة الخاصة بالشركة فلا يشعر المدير العام أنه أقوى من مجلس الإدارة لأن تعيينه يأتي من جهة أعلى ويكون ولاءه لها!!!
كلمة أخيرة للدكتور رياض حجاب رئيس مجلس الوزراء الجديد الذي سنكون معه ومع حكومته كأول الداعمين لكل خطوة على طريق الإصلاح والحريات وبناء الاقتصاد وحل مشكلات المواطنين،ولكن مع تقديرنا الكبير للعمل الميداني المميز الذي قام به كوزير ومحافظ،والذي نتمنى أن يستمر لأن اللقاء مع الناس هو أفضل وأقصر طريق لحل المشكلات،وهذه هي الميزة التي جعلت الناس يحبونه ويقدرونه،ولكن نرجو أن يكون هدفه المستقبلي أن لا يضطر المواطن لطرق باب رئيس مجلس الوزراء ليصل إلى حقه،أو ينتظر جولة ميدانية لأصقاع سورية من رئيس الحكومة لتحل مشكلته لأن هذا "دليل فشل" الحلقات الأدنى في مفاصل الحكومة..
إن دور رئيس الحكومة –كقائد إداري- أن يبني إدارة حكومية تجنبه وتجنب المواطن الاضطرار للقاء مباشر لتسير أمور الناس،لا أن يمارس "بطولات فردية" قد يستفيد منها مئات الناس ويبقى 23 مليوناً يحلمون بلقاء "دولة الرئيس"!